(الوطن) بالتعاون مع الادعاء العام
مساعد المدعي العام/ ناصر بن عبدالله الريامي
المقرَّر في قضاءِ المحكمة العُليا أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد، تتحقَّق بمجرَّد إعطاء شيك يدل في مظهرِه على أنه مُستحق الأداء، باعتباره أداة وفاء، مع عِلم السَّاحب بعدم وجود رصيدٍ قائم وقابل للسَّحب.
الطعن رقم:(266 /2019 ـ جزائي عُليا "ب")
تخلُص وقائع الطعن في أن الادِّعاء العام أحال المتهم (م.ش.ح) إلى المحكمة الابتدائية، بنيابة سمد الشأن، لأنه بتاريخ 4 /9 /2018م، بدائرة اختصاص مركز شرطة المضيبي:"حال كونه عائدًا، عودًا مماثلاً، أعطى شيكًا رقم (...) بمبلغٍ وقدره ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعة عشرَ ريالاً عُمانيًا، للمجني عليه (م.س. ح)، مسحوبًا على بنك مسقط، لا يقابله رصيد قائم ومعدّ للدفع، وفق الثابت في التحقيقات".
وطالب الادِّعاء العام معاقبة المتهم لمخالفته المادة (356) من قانون الجزاء رقم:(7 /2018).
وفي الجلسةِ المنعقِدةِ بتاريخ 5 /11 /2018م، "حكمت المحكمة حُضوريًا ببراءةِ المتهم من التهمة المنسوبةِ إليه، وعدم الاختصاص بالمطالبة المدنية"، وذلك بعد أن استبان للمحكمة أن طرفيّ الشيك (الساحب والمستفيد)، تعاملا مع الشيك بحسبانه أداة ائتمان (ضمان)، لا أداة وفاء، بالمخالفة للأصلِ الذي من أجلِه وجِدَ الشيك.
وكان المتهم قد أقرَّ استدلالاً (أمام الضبطية القضائية)، وكذا في تحقيقات الادعاء العام، وفي التحقيقات النهائية (أمام القضاء) بما هو منسوبٌ إليه من اتهام، موضِّحًا ذلك بالقول أنه كان قد استأجر من المجني عليه عقارًا ليقيم عليه مصنعًا للطابوق، بإيجارٍ شهريٍّ قدره خمسمائة ريال عُماني، وسلَّمه الشيك محل الدعوى على سبيل الضمان، بعد أن اتفقا على أن يعمل المجني عليه على إعادة أصل الشيك إلى المتهم، عقب استلام كامل الإيجارات إلا أنه أخفق عن السَّداد، بسبب احتجازه في إحدى مراكز الحبس الاحتياطي، لتورُّطِه في قضيةٍ أخرى، وهو ما أدَّى إلى توقُّفِ المصنع عن العمل، وبالتبعية عن الانتاج.
لم يرتضِ الادعاء العام بحكم البراءة، فطعن فيه أمام محكمة الاستئناف، مُستندًا في ذلك إلى أن المادة (356) من قانون الجزاء، رقم:(7 /2018)، يستفاد منها أن الجريمة تقع بمجرَّد تسليم الشيك الذي لا يقابله رصيد إلى المستفيد، دونما إشارةٍ إلى حتمية أن يكون القصد من سحب الشيك لأجل الوفاء، وأن الشيك ينبغي أن يتمتَّع دومًا بالحماية الجزائية، في جميع حالاته، بمجرد التوقيع عليه، وذلك حماية للمتعاملين معه، ولا مجال، والحال كذلك، للبحث في الباعث من إصداره.
وبتاريخ 22 يناير 2019م، قررت محكمة الاستئناف قبول الاستئناف شكلاً، ورفضه موضوعًا، وتأييد الحكم المستأنف أي أنها أيدت حكم البراءة على أساس أن الشيك سحب للضمان، لا للوفاء.
لم يرتضِ الادعاء العام بالحكم، فطعن فيه أمام المحكمة العليا، للخطأ في تطبيق القانون، والفساد في الاستدلال، وتمسَّك أمام هذه المحكمة بمقتضيات المادة (356) التي يستفاد منها أن جريمة إعطاء الشيك بدون مقابل تتحقق بمجرد إعطاء شيك يدل في مظهره على أنه مُستحق الأداء، باعتباره أداة وفاء، مع علم السَّاحب بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب.
* حكم المحكمة العليا:
وحيث ينعي الطاعن (الادِّعاء العام) على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، عندما قضى ببراءة المطعون ضدَّه تأسيسًا على أن الشيك محل الدَّعوى هو شيك ضمان، رغم أن واقعة الدَّعوى حدثت بعد صدور قانون الجزاء الجديد، والذي نصَّ في المادة (356/أ) منه على معاقبة كل من أعطى شيكًا قابلاً للصرف، لا يقابله رصيد قائم، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك، أو كان الحساب مُغلقًا أيِّ أن المشرع اكتفى في قيام الجريمة مُجرد تسليم الشيك القابل للصرف، دون أن يكون له مقابل، ولم يقيّد النص بشيك الوفاء. ولما كان المطعون ضدَّه قد أعطى شيكًا للمجني عليه مُستوفٍ لكافة عناصره، وقابلاً للصَّرف، ولم يتوفر المقابل له؛ فإن الجريمة تكون قائمة، بغضِّ النَّظر عمَّا إذا كان ذلك على سبيل الوفاء أم الضمان إذ أن سوء النيَّة قائمٌ ومُفترض، ما دام المقابل لم يوفره، ومن ثمَّ فلا مجال لبحث ما إذا كان الشيك شيك ضمان أو شيك أداء، وكلّ ذلك يعيب الحكم، بما يستوجب نقضه.
وحيث إن ما نعى الطاعن (الادعاء العام) الحكم المطعون فيه سديد، ذلك لأن المقرَّر في قضاء هذه المحكمة (العليا) أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقَّق بمُجرَّد إعطاء شيك يَدلُّ في مظهرِه على أنه مُستحق الأداء، باعتبارِه أداة وفاء، مع علم السَّاحب بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم الابتدائي المؤيَّد لأسبابِه بالحكم المطعون فيه أن المطعون ضدَّه يستأجر مصنعًا للطابوق من المستفيد من الشيك، وتخلَّف عن سداد الأجرة، وقبل انتهاء مدة العقد بثلاثةِ أشهر، تمَّ الاتفاق بين الطرفين (السَّاحب والمستفيد) بأن يحرِّر السَّاحب للمُستفيد شيكًا بكلِّ مبلغ الأجرة السَّابق والَّلاحق حتى نهاية العقد بتاريخ 3 /9 /2018م، بمبلغٍ وقدره ثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعة عشرَ ريالاً عُمَانيًا، ليتمّ صرفه في حالةِ عدم السَّداد، حتى التاريخ المذكور، ولم يتم السَّداد حتى التاريخ المحدَّد، وبعد تقديم الشيك في التاريخ المحدد، ارتدَّ لعدم وجود رصيد للسَّاحب، والحال كذلك، فإن الشيك موضوع الدَّعوى مشمولٌ بحماية نص المادة (356/أ) من قانون الجزاء، ذلك لأن الأصل في الشيك أنه أداة وفاء، وأن المطعون ضدَّه لا ينكر أن المبلغ الوارد بالشيك مُستحق الأداء للسَّاحب حتى تاريخ استحقاقه، باعتباره قيمة أجرة عقار، إذ أن المقصود بشيك الضمان هو أن يجعل الطرفين من الشيك ورقة مالية مثبتة للحق الوارد فيها، وليست مُستحقة الأداء في تاريخ استحقاقها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا الرأي، وأيَّد حكم محكمة أول درجة، فإن ما انتهى إليه جافاه الصواب، ممَّا يوجب نقضه موضوعًا، وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته، لتفصل فيها من جديدٍ بهيئةٍ مُغايرة.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقضِ الحُكم المطعون فيه، وإعادة أوراق الدَّعوى إلى المحكمةِ التي أصدرته، لتفصل فيها من جديد بهيئةٍ مُغايرة.
صدر الحكم بتاريخ 16 أبريل 2019م.
* وفي الختام، نقول أن المسئولية الجزائية لساحب الشيك تبقى قائمة، دونما النظر إلى البواعث والأسباب، بل تبقى المسئولية قائمة وإن كان السَّبب غير مشروع، ذلك لأن المشرِّع، عندما أسبَغ على الشيك الحماية الجزائية، إنما انصرفَ قصده إلى حماية التعامل مع هذا الصَّك، الذي يقوم مقام النقود في المعاملات للحيلولة دون زعزعة ثقة الناس به كأداة وفاء قابلة للتداول.