هلال اللواتي:
إننا معاشر البشر إلى أن يمشي بنا قطار العمر من محطة الصبا إلى محطة النضج والوعي في حال التعلم، ولكن بعضنا يستفيد من تلكم المحطات، وبعضنا يبقى مجيراً نفسه في المحطة الأولى عملياً، فيُبقى ذهنه غير فاعل، وسلوكه غير متزن، والأدهى أن تجد الكهل (من السنة 40 إلى 60) في تلك المحطة يتصرف على خلاف متطلبات مرحلة العمرية، ومحطته السنية، بل والأشد منه صاحب محطة أرذل العمر (تبدأ من من السن 80 فما فوق)، إذن أين الخلل؟!، وما هي صور هذا الخلل؟!.
إن الخلل إما أن يكون عضوياً وهو نادر جداً، وإما أن يكون تربوياً؛ فنجد الإنسان لم يتلقى دعماً كافٍ في تربيته على منطق الوعي والنضج، بل ظل أسيراً لمرحلة الصبا، ومحطة الطفولة، لم يُرشد على كيفية التفكير الناضج، ولم يتعود على مشاهدة التفكير الناضج ممن حوله.
والآثار التي تخلفها تلك المراحل الأولى والمحطات التنموية كبيرة وعميقة، وبعضها يصل إلى مرحلة الخطورة على شخصيته وعلى شخصية الآخرين ولربما على ذات شخصه وعلى ذات شخوص الآخرين، فتظهر بمختلف الصور والأشكال، ومن أهم ما قد تظهر عليه آثار ذلك الخلل التربوي والنفسي هو: الفضولية، والتدخل في شؤون الآخرين، كيف؟!.
فإن السعي إلى التدخل فيما لا يعني المرء، أو حب الاطلاع أو الاستطلاع على حياة الآخرين أو على بعض جوانب حياتهم أمر مستهجن عقلاً وعقلائياً، بل ونجد له في نصوص الشريعة دعوة الترك لما لا يعني المرء، فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين واصحابه المنتجبين:"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، طبعاً هذا لا يعني ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهما ليساً من مشرب واحد، ولا يتشابهان كما يظنه البعض، وتفصيله في محله آخر.
وعندما ربط الموضوع بحسن إسلام المرء لأن لفهم الإسلام على حقيقته انعكاس على سلوك صاحبه، ومن أهم ما يعكسه هذا الفهم الجميل لتعاليم الدين الإسلامي هو: النضج الاجتماعي، والترفع عن التدخل في شؤون الآخرين ـ من غير طلب الإصلاح بحكمة ـ حتى على مستوى التتبع المعرفي والعلمي.
فترى البعض (يشمشم) الأحداث، أو مشاكل الناس، ليقوم بنشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، ظناً منه أنه يحسن صنعاً، وهو لا يعلم أنه يقوم بعمل على خلاف ما ينبغي أن تكون حالته العمرية ومتطلباته، فيخرج عن صراط النضج والكرامة، ويوقع نفسه في المذلة، ويكشف حاله أنه شخص غير واع، ومثل هذا لا يصلح لإناطته مسؤولية بالمجتمع.
والانطباع الذي يؤخذ عن من يتدخل في شؤون الناس هو أنه شخص ليست لديه أهداف سامية، فلو كانت لديه مسارات الهدف السامي واضحه لما سلك مثل هذا المسلك، بل لشغله مسلكه السامي، فإن أصحاب الرؤى العالية والسامية والنفوس الابية يشغلها السمو والرفعة في عالم التكامل في الفضيلة، ويترفع عن السفاسف والدنايا، ويعرض عن مجالس البطالين الذين لا يتورعون عن الخوض في شؤون الآخرين، ويرى حضوره فيها انتقاصا من نفسه وذاته، وهكذا هم أصحاب العقول.