[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]
منذ الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970م، ذلك اليوم الماجد الذي تولى فيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ ـ طيب الله ثراه ـ ـ مقاليد الحكم في البلاد، حرص على أن تكون عمان سر عمله، والرابطة الأقوى والتوجه الأسمى والغاية الكبرى والهدف الأعلى الذي تتمركز حوله جهود التطوير وتسخّر من أجل إنسانها الإمكانيات، فهي أرضا وشعبا، الغاية والهدف، والسلام والاستقرار، والأمن والأمان، والحب والعشق، والأمل والإرادة، والطموح والرؤية، ركيزة العمل، ومعيار المنافسة، ومنطلق التميز ودافع الإنجاز، وأولوية التوجه، أساس الإنجاز ونتاجه، ونبض القيادة وروحها، وكان في كل خطاب أو كلمة أو حديث أو لقاء أو حوار مباشر أو غير مباشر مع جلالته ـ ـ طيب الله ثراه ـ ـ على اختلاف المواقف والظروف وتنوع الأزمنة والأمكنة يضع أبناء شعبه الوفي أمام صورة مكبرة لعمان: الدولة والإنسان، الحضارة والتاريخ، التقدم والازدهار، الدافع والطموح، القوة والعزة والفخر، لذلك عمل على استنهاض عزيمة أبناء شعبه الوفي بما رسمه لهم من أمل وما أسّسه فيهم من إرادة واستحثه في قدراتهم من صبر وتضحية وفداء، فعزز فيهم روح المسؤولية، وبنى فيهم عزيمة المضي قدما في مسيرة الدرب الطويل والشاق، من أجل نهضة الإنسان ورقي الوطن، بما تطلبه من جهد جهيد، وعمل مخلص، وروح وثابة إلى الخير، تمتلك مقومات الإنتاج، ونهضة الوعي، وثقافة المبدأ، وبصيرة الرأي، وكفاءة الاختيار، وصدق الضمير، ورقي الفكر، وإخلاص النهج، ورصانة الهدف، وحس الانتماء والولاء للوطن وجلالة السلطان، واستشعار حجم المهمة وعظمة الأمانة، ونبل التضحية، فكان أن رسم لشعبه الوفي معالم الدولة، وأسس منصات الفكر والتعليم، وقيمة التضحية من أجل عمان، وأتاح للإنسان العماني فرص الابتكار والمبادرة وقراءة الحياة في وجهها الإيجابي المتناغم مع أبجديات الوجود الإنساني والمتفاعل مع مفهوم البناء البشري لإعمار الكون، والذي لا يقف عند حد ندب الماضي والبكاء على الأطلال واسترجاع الذكريات، والانكسار بسبب الفقد والألم، بل بفتح نوافذ الأمل، وتعزيز روح الإرادة، وتقوية عمق البصيرة، وترقية نوازع النفس، وتوجيه بوصلة العمل، والاستفادة من منغصات الواقع لإعادة إنتاج الحياة والبناء على مقومات النجاح، والإعلاء من مسيرة العمل الجاد المخلص البنّاء، الذي يفتح أبواب العطاء على اتساعه، ويستنشق عبير الأمنيات لتكبر في النفس جمالياتها، وتخطي الصعاب وتجاوز المشكلات بزيادة هرمون إنتاج الحلول بطريقة تشاركية يتنافس الجميع نحو سبر أعماقها، والوصول إلى أفضلها مسارا وأعدلها نهجا وأقومها عملا، متجاوزا الشكليات للبحث عن العمق، والسطحيات للوصول إلى الحقيقة الكامنة التي يجب العمل من أجلها وتوجيه بوصلة الإنجاز لها وتكوين ملحمة بطولية فرسانها أبناء عمان الأوفياء في مختلف مواقع العمل والمسؤولية.
لقد تأصل نبض عمان في فكر جلالة السلطان وروحه وجسدتها رؤية جلالته واقعا عمليا، فهي غايته الكبرى وهدفه الأسمى فالتزم بها في نفسه وضمنّها في رسالته، وعمل بها في كل محطات حياته الماجدة الزاخرة بالعطاء، فتجسدت هذه المعاني في شخصية جلالته ـ ـ طيب الله ثراه ـ ـ حتى انعكست على فكره ووجدانه ومشاعره، واستنهض في أبناء عمان روح المسؤولية نحو وطنهم، قولا وعملا، ممارسة أصيلة تحكي هذا التمازج والانسجام والتناغم في المشاعر التي غرسها السلطان في وجدان شعبه، بحب عمان، فكانت رسائله وخطاباته في حياته ووصيته بعد موته لأبناء شعبه أن يحفظوا عمان في أعينهم، ويبقوها في نبض قلوبهم جوهرة مصونة، وأن تكون كما أرادها في قوة ومنعه، وعزة وشموخ، وتقدم وازدهار، لتصبح عمان في ظل الرؤية القابوسية، روح مواطن يترجم تلك المشاعر الفياضة والحس المرهف والفكر المتنور، استراتيجيات حياة، والتزام فطري، وعشق منزه عن أنانية النفس ومصالح الذات، وهي "عمان"، ذلك الكيان الإنساني الذي يجول في خاطر النفس شأنا وعظمة، وقوة ونبراسا، عشقه القلب وأنس به الوجدان وسعدت به الروح وارتقى به الضمير؛ فحقق الله على يد سلطانها المعظم ما قرت به عيناه، ورضيه قلبه من مسيرة التقدم والتطور حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى وعمان في عينه، تلك الأمانة التي أودعها لربه، وكلف بها أبناء شعبه جميعهم بالمحافظة عليها ورعايتها وصونها، لتستمر المسيرة للأجيال القادمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فعمل أبناء عمان بوصية سلطانهم العظم التي رسمت ملامح التحول وأكدت استمرار العمل، ووضعت نهج التكاتف والتعاون والولاء لعمان وجلالة السلطان هيثم بن طارق نهجهم الذي يحفظون به عمان عن كل دنية، ويحافظون عليها من كل فتنة، ويتسامون بها في قوة وشموخ، وعزة وإباء، وينعمون بها حياة هانئة وعيشا كريما ووطنا آمنا مطمئنا، متكاتفين خلف قيادتهم الحكيمة لا شقاق ولا فتن، ولا خلاف ولا نزاع، بل وطن واحد وشعب واحد، فالتزموا نهجه الحكيم وسيرته المباركة، وحكمته النافذة، ورؤيته النيرة، التي تعامل معها أبناء عمان الأوفياء بحكمة بالغة ونهج متوازن وروح عالية الهمة ورغبة في العطاء لا تتوقف، ومسيرة انجاز لن تفتر، وحماس مستمر تعلوه بصمات الإخلاص وشغف الإنجاز النوعي الذي يتجاوز الأنا والوقتية والشخصنة، ويجدد فيهم قيم الخيرية والمنافسة في خدمة عمان، والعزم الأكيد على مواصلة درب المستقبل والتكيف مع معطيات الحاضر، لإشراقة تسمو بعمان، ونهضة ترقى بإنسانها، وقيم تعلي بنيانها في آفاق السموات، وتبحر في شاطئ النجاح، فتضع العالم أجمع أمام أنموذج حضاري قل مثيله في عالم مضطرب تحكمه المصالح، ليبقى بنيان عمان في أخلاقها ومبادئها وقيمها، وسلامها وأمنها، وتسامحها، ونهضتها، مثالا لروح الإنسانية الصادقة.
وشكل نهج جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ ـ طيب الله ثراه ـ ـ وبُعد نظره ورصده المستمر للأحداث الداخلية والخارجية التي رافقت بناء الدولة العمانية المعاصرة ورؤيته الواقعية للتحديات التي واجهت النهضة في بدايتها، وحرصه على تأطيرها في قالب الوطن وهويته وتوجيهها لصالح التنمية، مراعية المتغيرات والمؤثرات، مستوعبة الأحداث والمواقف، آخذة بمؤشرات النجاح المتحققة بعد أن تيسرت الأسباب وتمكنت الأدوات من بناء مسارات الرؤية في التعامل معها؛ شكل مدخلا استراتيجيا لعمان، فعملية البناء التي أرادها جلالته وسعى لتحقيقها، وسهر من أجل بلوغها، وتجشّم الصعاب والتحديات لرسم خريطة سيرها لم تكن محدودة في رصيد الإنجازات والمشروعات العملاقة المتمثلة في البنية الأساسية في مختلف المجالات والممكنات الاساسية لبناء الدولة المتمثلة في البنى المؤسسية والتشريعية فقط، بل كل ذلك في نظر القائد المعظم وسيلة لتدخل بها عمان المنافسة وتؤسس بها مؤشرات النجاح والتميز، لتتجه إلى الإنسان العماني نفسه، عبر قراءة واعية لواقعه وطموحاته ومتطلباته، ليتكيف مع متطلبات التحول القادم في عمان، واستثمار ذلك كله وتوظيفه في خدمة إنسانية النهضة، وهو ما تحقق على الأرض واقعا ملموسا، ومسارا مشهودا، أسهم في إنتاج مسار الانتماء لعمان من جديد، وبناء إنسانها القادر على الثبات في المواقف والتعاطي الواعي مع الأحداث، ليدل دلالة واضحة على عمق الرؤية التي حملها جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ نحو عمان، فقد كان يقرأ في عمان مسيرة حياة متجددة قادمة تتجاوز العهد القابوسي، لذلك وضع لها من أدوات التمكين كالقوانين والتشريعات ما تحفظ عمان المستقبل وتجدد الولاء لقياداتها الحكيمة المتعاقبة في كل الأزمان، لتصبح الرؤية السامية لجلالته ـ طيب الله ثراه ـ لعمان: الدولة والإنسان، مددا يقوّي في الأجيال عزيمة الإرادة، ويبني فيهم نوافذ الأمل، ويستشرف بهم حدس المستقبل، ويمنحهم فرصا أكبر لإعادة إنتاج الوطن في نفوسهم، والمواطنة في سلوكهم، لذلك التزم الخطاب السامي لجلالته مسارا متفردا لاستمرارية هذا الدافع، وترقية هذا الشغف الموجه لعمان دون غيرها، بما حمله من قوة التأثير وعمق الأثر الناتج عنه في حياة العمانيين الذين وجدوا في رؤية جلالته لعمان والمفاهيم والمصطلحات التي يتداولها في خطابه السامي فلسفة حياة يستمر عطاؤها، واستقراء أنضج لمفهوم الاحتواء الذي عززت في الإنسان العماني روح المسؤولية ووجه فكره وقلبه وهاجسه لعمان، ورسمت له معالم التحول القادمة في قدرته على بلوغ محبتها أو منافسته عن جدارة واستحقاق في حبها.
وعليه، لم يكن أمر بناء الدولة في فلسفة السلطان قابوس كما أسلفنا أمرا سهلا، إذ وجد جلالته في نفسه أنه صاحب رسالة عليه أن يؤديها بكل إخلاص ومهنية، وفي الوقت نفسه عليه أن يحترم إرادة شعبة ويعمل من أجلهم ويسعى لراحتهم، وهو النهج القابوسي المتفرد الذي وضع مفهوم إدارة الدولة أكبر من مجرد سلطة على الشعب أو إقرار القوانين وفرض الأحكام، بل تناغم بين القائد وشعبة وتعاون وانصهار في بوتقة الوطن، الغاية الأكبر والمصلحة التي يجب أن يسعى الجميع لاستدراكها ويسخّر كل قدراته من أجلها، لذلك التزم جلالته نهج المتابعة المباشرة التي حملها على عاتقه للتعرف عن قرب على شؤون وطنه وأحوال شعبه، لتثبت للتاريخ الإنساني ما حمله سيرة جلالته ـ طيب الله ثراه ـ من أخلاق العظماء الحافظين لرسالة الأوطان والقائمين على رعاية الإنسان، والساعين إلى رسم معالم الإنسانية الواعية في مرتكزات بناء الأوطان ونهضة الحضارات، وهو ما انعكس على كل مفردات الحب الفطري العفوي الذي جسده العالم أجمع لشخص السلطان قابوس بن سعيد ومكمن السر الذي أحبه لأجله، كما لم يكن شرف ذلك الحب مقتصرا على أبناء عمان؛ بل شمل العالم جله ووسع الكون نبضه، لقد وجد العمانيون في شخصية جلالته القدوة والمثال في ترجمة مفهوم حب عمان إلى واقع عمل وسلوك ممارس، ذلك أن ارتباطه بشعبه وحبه لهم واهتمامه المطلق بشؤونهم وسعيه لتحقيق مصالحهم، أكسبه ثقة أبناء وطنه فيما أنجزه جلالته وتركه من إرث حضاري، ما نتج عنه ولاءً وحبا وعرفانا، حتى أصبح حديث النفس الرضية وبلسم الروح النقية، وهو سر الولاء الذي حظي به شخص جلالته من قبل شعبه، فالاختلاط الدائم بشعبه وعبر جولات جلالته السامية في ربوع عمان ولقاءاته المستمرة بالمواطنين والقرب منهم والتواصل معهم وتعرف أخبارهم وأحوالهم بصورة مباشرة، ووجود القيادة مع المواطن في مواقع العمل والتنفيذ، كان له أثره الإيجابي في ثقة أبناء عمان بسلطانهم وحبهم له ورضاهم وقناعتهم بما يقوم به من أجلهم وأجل عمان، فهو الذي أعطى عمان وشعبها الوفي كل شيء، شبابه، وصحته، وحياته، وربط رضاه وسعادته بمستوى الطموح الذي أراده لشعبه من أول يوم تسلم فيه قيادة الأمة العمانية وبناء دولة عصرية، شهدت لها الآفاق وسطعت أنجمها فوق أعالي السموات، وفي حديث جلالته ـ طيب الله ثراه ـ مع رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية، شواهد إثبات تحمل في ذاتها عمق الرسالة وسمو النهج وعظمة الفكر القابوسي والرؤية الحكيمة التي أسس بها عمان وحقق بها مسيرة التطور "... وفي الواقع فأنا لا أعمل لشيء لي بل لهم. إن متعتي هي أن أرى بلدي، وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أول يوم تسلمت فيه السلطة... إنني أشعر باني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة، لذلك ترى وقتي مكرسا من أجل عمان وأهلها، ولعل سر الولاء يكمن هنا في هذه الناحية، وتحديدا ناحية تماثلك بأهلك، وتفرغك للعمل من اجلهم. إني دائم الاختلاط بالناس، كما تعلم، وأتحدث معهم كواحد منهم. نعم.... إني أتابع الشأن العماني بشكل حثيث". 11/ 4/ 2006
لقد شكّلت عمان في رؤية جلالته ـ طيب الله ثراه ـ الهاجس الفكري والنفسي والوجداني والرسالة والمسؤولية والقلب والخاطر والاستقرار والطمأنينة، وقد ورد في النطق السامي ما يشير إلى ذلك من عبارات بقوله: وطننا العزيز، أرضنا الطيبة، الوطن الحبيب، أرض عمان الحبيبة، لبلادنا العزيزة، أرض عماننا الحبيب وترابه المقدس، الوطن العزيز، الوطن الغالي، التراب الغالي، الوطن العظيم الغالي، بلادنا الحبيبة، بلدنا الحبيب، عماننا الحبيبة، البلد المعطاء والعزيز على قلوبنا جميعا، وتبع رؤية جلالته للوطن، رؤيته للمواطن وسعادته تناولت كل جوانب حياة الإنسان العماني مراعية في ذلك طموحاته ورغباته ومعززة من قدرته على العمل الجاد المتقن، وارتبط هذا التناغم في حب عمان بما أسسه جلالة السلطان من نظرية التأثير والاحتواء الاستثمار في الرأس المال البشري في إطار إنتاج نموذج عملي متفرد في بناء الدولة يقوم على إنسانية النهضة وكرامة الإنسان والمواطنة الإيجابية كمدخلات لتحقيق التقدم والازدهار في كافة الجوانب لتحقيق الطموحات بسواعد الإنسان العماني ذاته وبجهده وعرق جبينه وإرادته التي لا تنكسر وعزيمته التي لا تخمد، فهو هدف التنمية وغايتها كما أنه هو أداتها وصانعها، وهو بما يحمله من فكر ومشاعر وضمير حي ومنهج سليم وفكر ناضج يحظى بالتقدير والاحترام وبالعدالة والمساواة وتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته ولهذا منحه جلالة السلطان المعظم ثقته واهتمامه، والأشكال التعبيرية التي أطلقها جلالته ـ طيب الله ثراه ـ في خطبه وكلماته السلطانية تعبير صادق عن عمق إنسانية النهضة واحترامها للإنسان ونظرة متقدمة للمواطن بأنه أولوية التنمية في فكر القائد ومسيرة الوطن، فهو الأمل المعقود عليه بناء النهضة، طريق التقدم في عزمه ورباطة جأشه وحبه وإخلاصه وولائه وانتمائه، وهو السند في ترجمة أهداف النهضة وغاياتها ورؤية القائد، وهو سبيل التقدم والتطور، لذلك كان جلالته ـ طيب الله ثراه ـ يتوجه في خطاباته السامية إلى المواطنين بعبارات تحوي الكثير من الدلالات التي تعزز مفهوم المواطنة وتبني روح الإنسانية وتؤسس لبناء منصات القوة في كيان الدولة القائمة على تقدير الأخوة والاحترام والأسرة الواحدة والعمل المشترك وهي عمان الذي تجتمع حولها الرؤى وتتأصل فيها الأخلاق وتتحقق بشأنها الأمنيات وترسم الخطط والبرامج، وهي الغاية والهدف، كما أنها المصير المشترك الذي يجب أن يحافظ الجميع على بقائه متماسكا فاتجه الخطاب إلى المواطنين بعبارات ملؤها الثقة والتقدير والاحترام لتعبر عن مدى الترابط والانسجام بين القيادة والشعب والألفة والتواصل والحوار معهم، من أب عظيم كريم ووالد قائد ملهم: شعبنا العزيز، شعبنا الكريم، شعبي العزيز، أيها الإخوة المواطنون.، يا أبناء عمان. يا أبناء عمان الحبيبة، أيها الإخوة، يا أبناء وطني، أيها المواطنون، أيها المواطنون الكرام، أيها المواطنون الأعزاء، مواطنينا الكرام، وهي كلمات لها دلالاتها العميقة في ربط المواطن بالأرض والدولة عمان، كما فيها دلالة واضحة على رقي أسلوب جلالته في التعامل مع المواطنين والإعلاء من شأنهم وغرس قيم الاحترام والعطف والتعاون والتسامح، كانعكاس لذلك التناغم الفكري الذي غرسه في شعبه الوفي، وتبني دور الأب الوالد الرحيم بأبنائه والصديق الموجه لهم نحو انتقاء الأفضل وسلوك الأجود والمفيد من الممارسات، فأثمر ذلك نتاجا يانعا يقطف ثماره ويتفيأ ظلاله إنسان هذا الوطن بكل أمان وأريحية وطمأنينة وسلام.
وما أسرع مضي الأيام حتى جاء الحادي عشر من يناير الحزين لعام 2020 الحزن، ليسدل الستار على حياة الإنسان القائد الحكيم الذي أحب عمان بصدق وعشقها بإخلاص وقدمها من أجل حياته فداء لها، وبعد خمسة عقود مفعمة بالعطاء الممدود والإنجاز المحمود المكلل بالجد والعمل البناء عمان، رحل السلطان قابوس تاركا إنجازات عظيمة لوطنه وشعبه في صورة معجزات كانت عمان وإنسانها غايتها وأولويتها رسمت المنهج وحددت الهدف ووجهت النهج وأوضحت الطريقة والآليات، ولخصت سنوات العمل المنظم والمخطط، لتلامس شغاف النفس وتحكي قصة أمة، وأمل شعب، وفكر قائد، لا للتذكير بما أنجز أو التعريف بما تحقق فهو واضح للعيان وعايشه الجميع في كل مكان، وتحدث به كل من زار عمان، أو سمع عن شخص جلالة السلطان، لقد أسمعت منجزات النهضة كل ذي آذان فلا تحتاج إلى تبيان، ووصلت حسنات جلالة السلطان الراحل إلى كل مكان في العالم فبكته الدنيا بأكملها وحزن على فراقه العالم بأجمعه و تسابقت المنظمات الأممية والإقليمية في تأبين جلالته وذكر مناقبه، فلقد كانت وفاته فاجعة للإنسانية لما قدمه ـ طيب الله ثراه ـ من مآثر خالدة باقية ما دامت السموات والأرض، لتبدأ عمان مرحلة جديدة ومستقبلا متجددا يستمد رونقه ونوره وضوءه من المآثر القابوسية الخالدة التي ستظل محور العمل وأساس الإنجاز ومنطلق المنافسة واستمرار النهج لبناء عمان المستقبل.
ورسمت رسالة السلطان قابوس بن سعيد للشعب العماني خريطة طريق واضحة المعالم، قوية الأركان، شامخة المبادئ لعمان المستقبل، لتمضي سفينة الخير شاقة طريقها متجهة بعمان إلى بر السلام والأمان ترعاها عناية الله وحفظه، وتوجّه مسارها إرادة العمانيين وآمالهم وأحلامهم وإنجازاتهم وسيرهم على خطى سلطانهم الراحل، عاملين مجتهدين مثابرين محافظين على وحدة الصف وقوة الكلمة وسمو الهدف ونبل الغاية، واضعين نصب أعينهم مبادئ الدولة وتشريعاتها وقوانينها طريقهم للمحافظة على ما أنجز والإضافة عليه، وفي وصيته بعمان خيرا، تجديد للعزم وتثمير لساعد الجد والإرادة التي غرسها في أبناء وطنه، وكشف فيها عن السّر" عُمان" تلك الجوهرة التي رافقت حياة السلطان قابوس فعمل لها وسعى من أجلها وحفظ موقعها ومكانتها في أيدٍ أمينة، لتستمر حلقات البناء وتتعاقب بتعاقب الأجيال القادمة، عملا وإخلاصا، وتضحية وفداءً. فلروحك مولاي السلام.