في بحث علمي حول العنكبوت حمراء الظهر في السلطنة

ـ البحث أكد على أهمية دور الجهات المسؤولة عن الحجر الحيواني والنباتي في منع استجلاب آفات غازية دخيلة على بيئات السلطنة ـ حصر 6 فصائل من هذه العناكب في اليمن والمناطق المجاورة من شبه الجزيرة العربية

كتب ـ سهيل بن ناصر النهدي:
أجرى الباحث حمد بن عبدالله المخيني المختص في صحة البيئة بحثاً علمياً بعنوان:(العنكبوت حمراء الظهر في سلطنة عمان). حيث تناول البحث التعريف بالعنكبوت وتواجدها وتكاثرها ودور المجتمع والمؤسسات الحكومية بالسلطنة في السيطرة عليها، وحث الجهات المعنية بالمنافذ الحدودية على بذل المزيد من الجهود لمنع دخول أي آفات دخيلة الى أراضي السلطنة.
وبيّن البحث أن العناكب الأرامل (الجنس=Latrodectus Sp) تعيش في المناطق الحارة والجافة في جميع القارات، وقد سميت بالأرامل نسبة إلى سلوكها أثناء عملية التزاوج حيث غالبًا ما تلجأ الأنثى في نهاية العملية إلى التهام الذكر.
وقال حمد المخيني في بحثه: إن السلطنة وباعتبارها منطقة حيوية تتفاعل حدودياً وتجارياً وسياحياً مع الدول المجاورة، فقد شوهدت فيها العنكبوت حمراء الظهر فعلياً، وكتب عنها الدكتور إيوان شمرجوير في تقريره عن عناكب وعقارب السلطنة، حيث أشار إلى وجود العنكبوت حمراء الظهر في السلطنة والسعودية والإمارات، منوهاً بأن العضة الموثقة الوحيدة في السلطنة كانت لشخص من ولاية صلالة، فضلاً عن توثيق بعض مستخدمي مواقع الانترنت مشاهدتهم لهذه العنكبوت في السلطنة من خلال بعض المنشورات والشكاوي حولها في صيفيات الأعوام (2013 و2014 و2017) في بوشر والسيب وصحار، حيث نشر بعض المواطنين عن مشاهدتهم لهذه العنكبوت حمراء الظهر منذ زمن، وأنها متعايشة بينهم وفق توازن طبيعي شأنها من شأن بقية الأفاعي والعقارب، كذلك تمت مشاركة مقاطع فيديو للعنكبوت تثبت وجودها في السلطنة، آخرها وُثّق في يناير من عام 2020. ورسميًا، فقد أجرت بلدية مسقط في شهر إبريل من عام 2018 دراسة مسحية لتقصي تواجد العنكبوت حمراء الظهر في السلطنة بولاية السيب حيث:"جاءت نتائج المسح الميداني للعناكب الأرامل حمراء الظهر في حدود ولاية السيب إيجابية وتؤكد تواجدها مع الإشارة إلى أن معدلات الإصابة قياسياً لا تشير إلى تفشي هذه الآفة .."، وقد تم الحصول على عينات حية للعنكبوت حمراء الظهر وبيوضها وتم التعرف على جنسها Latrodectus (أرملة سوداء) وذلك بالاستعانة باختصاصي من مختبر الحيوانات في جامعة السلطان قابوس الذي أشار إلى أنه ونظرًا لأن عملية تحديد الفصيلة والاسم العلمي بشكل دقيق تتطلب المزيد من البحوث فلا يمكن الجزم أن هذه العنكبوت هي حمراء الظهر الاسترالية الأصل حتى تتوفر تلك الإمكانات إلا أن هذه التي بين أيدينا هي عنكبوت أرملة سوداء بكل تأكيد.
* دور المجتمع والمؤسسات الحكومية
وتناول البحث كذلك دور المجتمع والمؤسسات الحكومية، حيث أكد الباحث على أن وجود العناكب الأرامل والعناكب حمراء الظهر تحديداً في السلطنة هو أمر محسوم، وهذا ما يستدعي التخطي للأمام وتكاتف الجهود من مجتمع ومؤسسات حكومية للقيام بمسوحات ودراسات علمية ميدانية متخصصة تقيّم الوضع وتحدد طبيعة هذه العنكبوت حمراء الظهر وخصائصها ومعدلات انتشارها، وثم تخرج بنتائج دقيقة تكفل اتخاذ قرارات صائبة والنظر فيما إذا ما كانت تتطلب اتخاذ أية اجراءات صحية ووقائية حيالها أو اعتبارها مسألة طبيعية غير ذات خطر حقيقي ولا تحتاج للتهويل.
كذلك بيّن الباحث أهمية دور لجهات الحكومية ذات العلاقة بوزارة الصحة ممثلة بالمديرية العامة لمراقبة ومكافحة الأمراض والمديريات الأخرى المختصة، موضحاً بأنه قد لا تعد العناكب من نواقل الأمراض لكنها تظل سامة وتحتاج لتدابير صحية وعلاجية معينة، وهذا يدعو للتساؤل عن توافر أو مدى الجدوى من توفير مضاد سموم خاص (Antivenom) كخطة علاجية طارئة لحالات العض التي قد ترد للمستشفيات والمجمعات الصحية، وهذا الأمر خاضع لتقدير المختصين.
كذلك بيّن الباحث أهمية دور بلدية مسقط ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه اللتين ومن خلال ضبطياتيهما التشريعية والإدارية الرامية إلى الحفاظ على النظام العام ـ الذي تُعد الصحة العامة من أهم أركانه ـ ومهاميهما في اتخاذ التدابير اللازمة ذات الصلة بالصحة والنظافة ومكافحة الآفات والسلامة البيئية، يمكنهما القيام بدور فعّال في السيطرة على هذه العنكبوت، ونشير هنا أن التدابير المتخذة يحسن أن تكون وفق مناهج الإدارة المتكاملة لمكافحة الافات والتي تُسخّر فيها كافة الامكانات الميدانية والقانونية والبيئية والكيميائية والتوعوية، فإن مجرد الاعتماد على المبيدات الكيميائية هو أمر غير مجدٍ على المدى البعيد إلا في حالة تكثيف استخدامها وذلك بسبب سلوك هذه العنكبوت التي تغير من أماكن بناء شباكها من وقت لآخر، وأفضل الحلول للتعامل معها هي التوعية بالممارسات الوقائية الصحية وتجنب التعدي عليها عند مشاهدتها أو أخذ الحذر عند قتلها.
كما أشار الباحث حمد المخيني الى أهمية دور مجلس البحث العلمي في حل القضايا والأزمات الوطنية الطارئة، ودعا في بحثه المؤسسات العلمية والبحثية والجامعات الى سبر أغوار هذه الآفة وذلك من خلال القيام بمسوحات ميدانية وعلمية متأنية ودقيقة لتحديد الأبعاد العلمية والتصنيفية والايكولوجية والسلوكية والطبية للعنكبوت حمراء الظهر المتواجدة في السلطنة.
واوصت الدراسة بأن على الجهات المسؤولة عن الحجر الحيواني والنباتي وإدارات الموانئ والشحن والمنافذ الدولية تحمل على عاتقها دوراً مهماً في منع استجلاب آفات غازية دخيلة على بيئات السلطنة، وإذا ما افترضنا دخول العناكب الارامل إلى الوطن عبر هذه المنافذ فيجب على هذه الجهات أن تنظر في اجراءاتها بما يتناسب مع خطورة الأمر وتتخذ مايلزم للحد من دخول آفات خطرة أخرى.
واكد الباحث في دراسته على اهمية دور الاعلام في مكافحة مثل هذه الحشرات وقال: أما الاعلام، فدوره البارز لا يخفى على أحد، في تغيير مفاهيم المجتمع والتأثير عليه إيجابياً حيال القضايا المستجدة وكذا السيطرة على الاشاعات والمعلومات المغلوطة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة نقل المعلومات والحصول عليها. فيجب على الجهات المختصة تحقيق التوعية المناسبة بهذه الافة من خلال تقديم معلومات دقيقة بعيداً عن التهويل والمبالغة.
وشدد على ضرورة وعي المجتمع، مؤكداً بأن العناكب الأرامل ومن ضمنها حمراء الظهر متواجدة في بيئات السلطنة منذ زمن وتعيش وفق توازن بيئي طبيعي ـ شأنها شأن بقية الأفاعي والعقارب السامة التي قد تكون أكثر خطورة ـ بما لا يضر بالمواطن ولا يؤثر على مؤشرات جودة حياته ـ مؤشر الصحة ومؤشر الأمن والسلامة.
وبينت الدراسة انه وعلى الرغم من أهمية هذه العناكب الطبية إلا أن تصنيفاتها العلمية البيولوجية لاتزال غير مكتملة، وحتى الآن يُعرف منها 29 فصيلة (species) حول العالم: 12 فصيلة في أميركا، 8 فصائل في أفريقيا، 6 فصائل في الشرق ووسط آسيا، و3 فصائل في أستراليا ونيوزلاند. وتمتلك كل فصيلة من فصائل العناكب الأرامل خصائص مختلفة ومتفاوتة (ايكولوجية، بايولوجية، تاريخية)، إلا أن أغلبها تفضل العيش في بيئات شبه صحراوية ولكن يوجد عدد قليل من الفصائل تفضل البيئات الخضراء، وهي عناكب سامة يمكن أن تكون عضتها مؤلمة وقد تكون غير محسوسة، مصحوبة بأعراض متفاوتة الخطورة ونادرا ما تؤدي إلى الوفاة، وفي جميع بقاع الارض تعتبر عضات العناكب الأرامل من الظواهر المعتادة (الأرجنتين، استراليا، جنوب أفريقيا)، وقد تم تسجيل عدد من العضات كذلك في شبه الجزيرة العربية (السعودية، اليمن، فلسطين).
وللتركيز على العناكب الارامل المتواجدة في شبه الجزيرة العربية وأقاليمها، فقد تم حصر 6 فصائل من هذه العناكب في اليمن والمناطق المجاورة من شبه الجزيرة العربية في دراسة علمية نشرت في مجلة فاونا أوف أرابيا.
وتمتلك هذه الفصائل الست خصائص مظهرية وسلوكية مختلفة ويمكن التفريق بينها من خلال الأعضاء الجنسية واللون. وبمقارنة معتمدة على الخصائص المظهرية بين هذه الفصائل الست المتواجدة في منطقة شبه الجزيرة العربية، لم يتلاحظ من بينها ما يتقارب في المظهر مع العنكبوت حمراء الظهر استرالية الأصل (L.hasselti) التي تمتلك علامة حمراء مميزة مع خطوط بيضاء محيطة بها أحياناً، حيث جاءت توزيعات ألوان الفصائل الست المحصورة مختلفة (علامات الظهر تبدو عرضية وطولية ومتعددة أو منقطة ذات لون أصفر أو أبيض أو بني).
وأوضحت الدراسة بأن لدى هذه العناكب المقدرة على التعايش مع مختلف البيئات، وتعرف منطقة شبه الجزيرة العربية بالمناخ الحار مع تنوع في التضاريس الجغرافية مما يعد بيئة مناسبة لمعيشة العناكب عامة والعناكب الأرامل خاصة (حمراء الظهر من ضمنها)، وفيما أكدت الدراسات على استيطان العناكب الأرامل شبه الجزيرة العربية منذ زمن طويل وحددت فصائلها وأعدادها إلا أن هذا الأمر لا يزال في حاجة للمزيد من البحث ليكتمل الحصر، فهناك احتمال لاستيطان فصائل أخرى من نفس الجنس دخيلة على المنطقة، وهذا ـ على ما يبدو ـ ما حدث مع العنكبوت حمراء الظهر استرالية الاصل (L.Hasselti)، فقد شوهدت هذه العناكب فعلياً في شبه الجزيرة العربية والمنطقة ويرجح الباحثون قدومها عبر عمليات التجارة العالمية والشحن الدولي، تقول الباحثة نتالي سايز من جامعة كوينزلاند:"انتقلت العنكبوت حمراء الظهر عن غير قصد عن طريق الشحن الدولي والتجارة العالمية إلى نيوزلاند، الامارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، اليابان"، كما أثبت تواجدها في جنوب ايران في بندر عباس من خلال دراسة أقيمت لهذا الهدف من جامعة هرمزجان عام 2011، ويصرّح د.آلان ديكسون (دكتوراه في علم الحشرات مقيم في دولة الإمارات لأكثر من عشرين عاماً) في تقرير صحفي نشر في عام 2005 في موقع (أخبار الخليج):"العناكب حمراء الظهر متواجدة في منطقة الخليج وستستمر في الانتشار"، ويؤرخ خبير مكافحة آفات في بلدية دبي/ مظاهر حسين قدوم هذه العنكبوت إلى الإمارات منذ عام 1990 م ويشير إلى أن بلدية دبي استقبلت في عامي (2003 ـ 2002) عدد (40 ـ 50) بلاغ حول مشاهدة العناكب حمراء الظهر دون وجود أية بلاغات تفيد بمهاجتمها للإنسان.
وأوضحت الدراسة أن العنكبوت حمراء الظهر (الأسم العلمي = Latrodectus hasselti) تعد من العناكب ذات الأهمية الطبية. وهي عناكب سامة مثلها مثل بقية العناكب الأرامل. تعيش في المناطق معتدلة الحرارة إلى الحارة، ويقل تواجدها في المناطق الصحراوية، كما يمكنها أن تصمد حتى في درجات الحرارة المنخفضة (ـ 3 سيليزي) حيث تدخل في حالة سبات. وتبني شباكها غالباً في الأحياء السكنية في المواقع المهملة ذات الطبيعة الجافة المستظلة في مواقع قريبة من الأرضية مثل:(جراج السيارات ـ الحظائر ـ تحت الحجارة ـ الأغراض المهملة ـ السيارات المهملة .. إلخ).
* الخصائص السلوكية:
وقالت الدراسة: إنّ العناكب حمراء الظهر عناكب غير نشطة حركيا، حيث تفضل البقاء طيلة حياتها في مساحة مكانية محدودة جدا، وهي عناكب غير عدوانية مطلقاً وفي حالة التعرض لها فهي تفضل الهرب عوضاً عن الهجوم، ولا تعض سوى في حالات نادرة عند التعرض لشباكها وبيوضها، وتتواصل هذه العناكب من خلال:(النظر ـ اللمس ـ الاهتزاز ـ الفيرمونات). وتتغذى العناكب حمراء الظهر على الحشرات الصغيرة التي تعلق في شباكها، ويمكن أن تفترس الحيوانات الأكبر مثل الطيور الصغيرة والفئران والسحالي. ويعتبر وجود العلامة الحمراء (أحياناً تميل إلى اللون البرتقالي) في ظهرها كويسلة للدفاع عن النفس ضد الأعداء الحيوية التي تهاجمها وهو ما يسمى بـ(التلوين الزاهي = aposematic)، حيث يشير وجود هذا اللون إلى سميتها وخطورتها مما يبعد المفترسات عن الاقتراب منها، ومن الأعداء الحيوية المعروفة في بيئات معيشتها هي: العناكب الأخرى مثل: daddy longlegs spider, white-tailed spider ـ والحشرات من رتبة عصبيات الأجنحة مثل: Mantisipidae.
* الخصائص المظهرية:
وحول الخصائص المظهرية للعناكب حمراء الظهر اوضحت الدراسة أن شكل الإناث يحتلف عن الذكور، حيث تتميز الأنثى بلونها الأسود اللامع مع وجود علامة حمراء على ظهرها ويكون حجمها كبيراً نسبياً يصل إلى حجم حبة البازلاء ويبلغ طولها (10 مم)، بينما يكون الذكر صغير الحجم جداً مقارنة مع الأنثى ويصل طوله إلى (3 ـ 4 مم) ويتميز باللون البني الشاحب مع وجود علامة حمراء في الظهر غير واضحة، ورغم أن كلا الجنسين سامّين إلا أن الأنثى هي صاحبة الدور الأكبر وهي التي تشكل الخطورة، حيث تعيش لمدة (2 ـ 3) سنوات وتكون عضتها أكثر نفاذاً في جلد الانسان بينما تصل دورة حياة الذكر حوالي (6) أشهر فقط ولصغر حجمه فعضته بالكاد تخترق الجلد.