د ـ أحمد بن علي المعشني:
في صباح من صباحات شهر أكتوبر الماضي استوقفني زوجان تكشف ملامح الزوجة أنها من ساحل شمال البحر الابيض المتوسط بينما تخبر ملامح زوجها أنه من أواسط أفريقيا، سألني الزوج بلغة عربية ركيكة: عن مكان ناقة النبي صالح؟ و قبر النبي عمران؟ و ضريح أيوب؟ وأين مدافن الذهب؟!! كان يتهجأ أسماء الأماكن التي قرر بمعية زوجته زيارتها واكتشافها، الأمر الذي أدخلني في حالة من الحرج والخجل، فقد كانت المسافة التي تفصلني عن مكان آثار ناقة النبي صالح قريبة جدا مني، فهي خلف نادي النصر بصلالة، حيث التقيتهما، من جهة الجنوب الشرقي، أخبرته أن يتبعاني بسيارة الإيجار التي يقودها الزوج، استغرق مني البحث عن المكان حوالي عشر دقائق بالرغم من وجودي بالقرب منه، فلا توجد إشارات ولا علامات تسهل للسائح الوصول إلى المكان، بينما تمكنت بسهولة من إخبارهما عن مكان قبر النبي عمران، لأنه يقع على الشارع العام، وأعرف موقع قبر النبي أيوب في جبل إتين، وقد كان سهلا علي أن أخبرهما بالجهة التي تساعدهما على الوصول إلى طريق سهل إتين ومن ثم يمكن لجهاز البحث عن المواقع CPS أن يتولى إرشادهما إلى تلك البقعة، ولكن ما أسكتني ولم أعثر على إجابة هو بحثهما عن أماكن الذهب، فأنا لا أعلم شيئا عن مدافن أو مناجم للذهب، علمت لاحقا بأن الشاب وزوجته وغيرهما من السياح يتناقلون حكايات وأساطير حول بعض الأمكنة التي ربما شاعت كأوعية للثروات من تحف ومعادن وغيرها. وقبل يومين وتحديدا صباح يوم الأحد 26 يناير 2020م حضرت لقاء للجنة من مجلس البحث العلمي بالسلطنة لعرض مشروع دراسة الأساطير والحكايات المتعلقة بالأمكنة في محافظة ظفار أسوة ببقية مناطق محافظات السلطنة.وقد عرض الفريق إيضاحات كافية حول المشروع الأول بالإضافة إلى مشروع دراسة الشخصيات العمانية التي لها إسهامات في التجارة والصناعة.ومما أثار إعجابي هو ربط المشروعين بالتنمية المستدامة، إذ يهدف البرنامج الاستراتيجي لدراسة التراث العماني إلى ربط التراث بالتنمية لتشجيع السياحة وإلهام الفنانين والأدباء و كتاب الدراما للاستفادة من التراث العماني الثري من خلال إبراز و عرض نماذج ناجحة للشخصيات الاقتصادية العمانية عبر العصور والترويج الهادف للسياحة الثقافية والتراثية في السلطنة، وهذا تفكير سديد وعميق ومتحرر من التفكير التقليدي، فهذه المشاريع وإن ظهرت في شكلها وتفاصيلها أنها نظرية وثقافية صرفة؛ فإنها تقدم حلولا إبداعية توظف فيها طاقات وقدرات الباحثين الشباب.كما يمكن تطويرها إلى خريطة مصورة للحكايات والأساطير المتعلقة بالأمكنة التي تزخر بها الذاكرة الجغرافية والشعبية في جميع مناطق السلطنة، بما يجعلها قبلة للسياحة التاريخية والتراثية في جميع المواسم. وهنا يحضر في ذهني موقف طريف جمعني يوم الجمعة الماضي بسائحين شابين زوج وزجته من البرازيل، قابلتهما في حاسك أثناء مرورهما قادمين من مسقط مرورا بصور والمنطقة الوسطى على الطريق الساحلي، كانا متلهفين لمعرفة كل الحكايات والأساطير الغريبة، وخاصة عندما عرضت عليهما حكاية أسطوية لشجرة اللبان، التي تحكي تحول فتاة فاتنة إلى الشجرة المقدسة؛ عقابا لها بعدما أغوت أباها الملك فارتكب معها الزنا، دون أن يعرف بأنها ابنته، فكان أن هامت على وجهها عبر الصحاري والفيافي حتى صارت شجرة اللبان في ظفار. كان الزوجان مندهشين لهذه القصة، خاصة أن الزوج أخبرني بأنه يكتب كتابا حول عجائب وأساطير البلدان التي زارها. إن صناعة السياحة لم تعد تقتصر على التسوق والليالي الصاخبة، بل صارت سياحة البحث عن الأساطير والحكايات الشعبية والأمكنة المتعلقة بها أكثر إثارة وأقوى جذبا للسياح من مختلف الدول وفي مختلف الأوقات والفصول.