[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/haithamalaidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]هيثم العايدي[/author]مثلما لا يوجد حراك أدى إلى افشال دولة إلا وكان وراءه العديد من الشعارات الغارقة في المثالية, فإنه بالمقابل لا يوجد تجربة بناء دولة إلا وصاحبها (أنانية فاضلة) وضعت مصالح الدولة فوق أي اعتبار ومضت في تحقيق هذه المصالح دون الالتفات لوهج الشعارات ونزق المثاليات.وإذا نظرنا إلى أية دولة من الدول التي أصابها الفشل وباتت غير قادرة على امتلاك قرارها أو حتى توفير قوت مواطنيها نجد أن المدخل لهذا الفشل كان بث أفكار هدامة وسامة، تحت شعارات زائفة وخادعة، تستهدف بالدرجة الأولى صغار السن، حيث تتخذ هذه الأفكار من خلال بث أفكار محرفة، سواء عبر تضخيم الماضي ودفع هؤلاء الصغار إلى استرجاعه، أو عبر الإيحاء لهم بأن كل ما هو خارج حدودهم نعيم مقيم أو بشعارات دينية تستهدف التحقير من الدولة الوطنية لصالح مشاريع وهمية.كما تعمل هذه الشعارات على الإيحاء لهؤلاء بأنهم مظلومون ويجب عليهم التمرد ليس على السلطات فحسب، بل على كل قيم وتقاليد المجتمع مع تزيين الفوضى لهم.ومع إغراق هذه الشعارات في مثاليتها التي تعد بطوباوية أو جنة على الأرض، وأن السبيل للوصول إلى هذه الجنة الموعودة يكون بهدم كل ما هو موجود للبناء من جديد ـ كما يرى المروجون لهذه المثاليات ـ فإن الواقع يقول إن الدول لا تبنى بمثل هذه الشعارات، وإن ما يتهدم من المستحيل أن يعاد بناؤه في ظل تربص الساعين إلى مصالحهم.وفي مقابل هذه المثاليات التي أثبتت تجارب متعددة أنها كانت سببا رئيسيا في إفشال الدول نجد على الطرف الآخر الدول التي تمضي في طريقها نحو البناء بدأت من النقطة التي استشعر فيها مواطنوها مسؤوليتهم تجاه دولتهم وأنها الإطار الذي من خلاله تتحقق طموحاتهم.وقد اتخذت مجتمعات كثيرة من هذه النطقة منطلقا لردود فعل معاكسة ورافضة لكل القيم ما هو ضد مصالح الدولة ومواطنيها متخذين شعارا يتكرر في عدة دول فحواه (دولتنا أولا) ومنها يشرع في حماية كل ما هو منتج وطني من أفكار وهوية وصناعة وطنية.إن (الأنانية الفاضلة) التي تنبع من نظرة تراعي المصالح الوطنية الخاصة بصورة مطلقة لا يمكن اعتبارها نقيصة ومهاجمتها بشعارات تدعي الإنسانية أو العالمية, فالمصالح الوطنية لا تتعارض مع تعزيز التعاون الدولي، بل إنها تعمل على صياغة تعاون دولي حقيقي ومستدام يقوم على أساس المصالح التي تجعل من الحفاظ على هذا التعاون مسؤولية كل أطرافه.كذلك فإن الأنانية الفاضلة تعد من موجبات السلام الدولي كون المواطن فيها ينظر إلى مصلحته الخالصة دون أحلام بتوسعات أو هيمنة بدعوى إرث تاريخي أو تفوق ديني أو عرقي.وإذا كان الهدم لا يكلف إلا تنميق جمل وسردها في شعارات وتسليم المعاول لمن يصدق هذه الشعارات فإن البناء وإن توافرت تكاليفه فإنها تحتاج إلى من يؤمن بأهميته.