تواصلًا لفعاليات الندوة العلمية بنزوى
نزوى ـ الوطن:
تواصلت بكلية العلوم التطبيقية بنزوى فعاليات الملتقى الحضاري العماني الجزائري الثاني والذي تنظّمه اللجنة الثقافية والعلمية بنادي نزوى بالتعاون مع جمعية التراث بالجمهورية الجزائرية، حيث شهد الملتقى في يومه الثاني استمرار الندوة العلمية التي تتضمّن عددًا من البحوث والدراسات قدّمها نخبة من الباحثين والمؤرخين من السلطنة والجزائر؛ وقد تم خلال اليوم الثاني تقديم تسع أوراق عمل تناولت عدة موضوعات ثقافية وعلمية والتطرق إلى العلاقات الحضارية والتاريخية والثقافية العلاقات المتبادلة بين السلطنة والجزائر.
ففي الجلسة الأولى التي ترأسها البشير موسى تحدّث في أولى أوراق العمل الدكتور سعيد بن عبدالله الصقري عن التواصل الصحفي والحضاري بين عمان والجزائر- جريدة النور نموذجا 1930 – 1933 حيث تناول الباحث المبادئ والأهداف التي عمل مؤسس الجريدة من أجلها في المجال الصحفي ومدى مساهمة الصحافة الجزائرية في توعية الرأي العام في الأحداث التي تمر بها دولة عٌمان في الفترة 1931-1933م بالإضافة إلى طبيعة المقالات حول العالم العربي والإسلامي التي تم نشرها والتي ساهمت في توعية الشعوب بالقضايا والتحديات.
أمال الورقة الثانية فكانت بعنوان التواصل الثقافي والحضاري بين ميزاب وعمان خلال القرن 12 هـ الموافق للقرن الــ 18 م " مراسلات إبراهيم بن بجمان الثميني إلى سليمان بن ناصر الإسماعيلي نموذجا وقدّمها الأستاذ الدكتور يحيى بن بھون حاج أمحمد حيث استهلها بالحديث عن اهتمام بعض العلماء الإباضية بالمغرب الإسلامي بتدوين رحلاتهم الحجازية، فصنفوا لها وسجلوا دقائقها، ومنهم من بذل جهداً لا يستهان به، فنظم رحلته شعراً حتى تنال مكانها في عقول وقلوب السامعين، وحاول تسجيل تفاصيل الأحداث بكثير من التحري والصدق في عرض الوقائع، وتفقد أوضاع البلاد الإسلامية، تعبيراً عن تواصل المسلمين مع بعضهم البعض وأوضح في الورقة البحثية بعض مكامن التواصل العلمي والحضاري بين ميزاب وعُمان من خلال المراسلات التاريخية القيّمة مركّزاً على أهم ملامح وأفكار عناصر التواصل الميزابي العُماني وحياة الشيخ إبراهيم ابن بِحمان الثميني أديباً ورحّالة ومراسلاته مع الشيخ سليمان بن ناصر الإسماعيلي النزوي والخصائص الفنية والأدبية في نماذج المراسلات المقترحة؛ بينما كانت الورقة الثالثة بعنوان الرحلات الاجتماعية بين عمان والجزائر في العصور الإسلامية وأثرها على القطرين وقدمها الدكتور ناصر بن علي الندابي، حيث قام بالتركيز على الرحلات التي قام بها العُمانيون، أو كانوا سببا في إنفاذها إلى بلاد المغرب بصورة عامة والجزائر على وجه الخصوص، سواء أكان المنطلق عُمان أم البصرة أم أي منطقة أخرى من بقاع العالم الإسلامي، التي كان يعيش فيها العلماء العُمانيون، وما نتج عنها من لقاءات علمية بين أقطاب علماء القطرين، كما ألقى الضوء على الرحلات التي قام بها المغاربة على وجه العموم والجزائريون على وجه الخصوص نحو علماء عمان سواء في عمان أو خارجها وكذلك إيضاح قوة التواصل الاجتماعي بين عمان والجزائر وأثر ذلك على القطرين، موضحاً دوافعها ومعوقاتها؛ أما الورقة الرابعة للجلسة الأولى فتناولت المرجعية العمانية والجماعات الإباضية المغربية خلال العصر الوسيط " دراسة العلاقات على ضوء شبكة الأفكار " للدكتور حاج عيسى إلياس حيث تحدّث عن العلاقة بين عمان وبلاد المغرب، في العصر الوسيط كون الأبحاث في هذا المجال قليلة، والمعلومات حولها شحيحة، وجل الأعمال تركّز على الحواضر المشهورة مشرقا ومغربا كما ظهرت دراسات ركّزت جهودها على التواصل العماني المغربي في العصر الحديث والمعاصر، في حين بقيت الفترة الوسيطة، تشكو نقصا واضحاً، علماً أنها الفترة التي تمثل نقطة الانطلاق؛ وتناولت ورقة الدكتور حاج عيسى دراسة العلاقات العمانية المغربية خلال العصر الوسيط، مركّزة على الفضاء المذهبي الإباضي، على ضوء منهجية شبكية، متجاوزة المجالات الجغرافية المحلية، مؤكدة على مركز بداية الفكرة، وطرق انتقالها، بالأشخاص والكتب والرسائل، ومراكز التلاقي كمواسم الحج والبحث في إشكالية أساليب التواصل وانتقال الأفكار بين مجالات جغرافية متباعدة ودلالة ذلك ثقافيا ومذهبيا واجتماعيا وإشكالية المرجع المشرقي وحاجة المغربي إليه في عديد النوازل والتنقيب في مسار العلاقة على ضوء جدلية التأثير والتأثر أو التواصل والتكامل.
أما الجلسة الثانية لليوم الأولى فقد أدارها الدكتور عبدالله بن سعود أمبوسعيدي وتضمّنت خمس أوراق عمل الأولى بعنوان الثورة الجزائرية في وجدان شعراء عمان من تقديم محمد أحمد جھلان تناولت تفاعُلِ الشعراء العُمانيين مع الثورة الجزائريَّة، واستبشارَهم بنصر الجزائريين المبين، واستقلالَهم الـمُفتكَّ بقوة النار والحديد، كما تسجِّل كذلك تفاعُلهم بالخصوص مع قضيَّة المرأة الجزائريَّة المجاهدة «جميلة بوحريد» التي تحدَّت بجسمها النحيل آلة التعذيب، وقاومت بفكرها الأصيل غطرسة الجلاَّد، وصبرت على ذلك إلى أن اكتحلت عيناها بمنظر الحرية البديع، وانتصار شعبها الرفيع، فغدت سفيرة الأحرار في العالم؛ تُرفع لها الرايات، وتعقد لتكريمها الندوات والحفلات؛ كما رصدت الورقةُ حضور الثورة الجزائرية باعتبارها ثيمةً بارزةً لدى كلِّ شاعر عُمانيٍّ زار الجزائر منذ عقد الاستقلال إلى اليوم، فتمكَّنت الدراسة من مقاربة عدد غير قليل من النصوص التي جسَّدت عشق العُماني الدائم للحريَّة؛ من خلال إبراز إعجابه بتضحيات الشعب الجزائري وكفاحه من أجل بناء دولة حرَّة مستقلة قويَّة، وما ذلك بغريب عن طبيعة العُماني التي جُبلت على حبِّ السلام واحترام حقِّ الشعوب والأوطان في العيش الكريم في ظل العدل والمحبة والوئام؛ فيما كانت الورقة الثانية عن العلاقات العمانية الجزائرية المتبادلة في مجال خدمة القرآن الكريم وقدّمها السيد الدكتور أحمد بن سعيد البوسعيدي وتناول جانب من جوانب التعاون بين عمان والجزائر، والذي بدوره يوثق هذه العلاقة الوطيدة بين هذين القطرين الإسلاميين، ويفتح الطريق نحو وحدة الأمة الإسلامية ويوجهها نحو التعاون والتكامل فيما بينها، خاصة وأن البحث يركز على أبرز عوامل التقارب بينها ألا وهو القرآن الكريم باعتبار أن القرآن الكريم هو المصدر الأساسي الذي يرجع إليه الفقه والعقيدة، والقرآن الكريم هو من أقوى العرى وأوثقها وتناول السيد أحمد البوسعيدي دور القرآن في توحيد جهود المسلمين على مختلف أطيافهم وبقاعهم وإبراز أهم جانب في العلاقات العمانية الجزائرية ألا وهي الأخوة الدينية والتمهيد لمزيد من أوجه التعاون بين عمان والجزائر وسائر البلدان الأخرى كما أن من بين نتائج البحث التوصل إلى عمق العلاقات العمانية الجزائرية وتجذرها الأمر الذي يفتح آفاقا مستقبلية جديدة في مجالات التعاون.
فيما تناولت الورقة الثالثة " القطب وعمان بعيون الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر" من تقديم الدكتور بالحاج ناصر حيث أوضح أن الأرشيف الاستعماري من أهم مصادر تاريخ الجزائر المعاصرة، وبما أنّ الإدارة الاستعمارية الفرنسية كانت لها سياسة خاصة اتجاه الدين الإسلامي، فقد حظيت علاقتها بالعلماء الجزائريين بحيِّز كبير من الاهتمام، وهو ما خلَّف عددا معتبرا من التقارير الإداريّة والعسكريّة التي نقلت بالتفصيل فحوى الاتصالات التي كانت بينها وبين القطب اطفيش حول مسائل عديدة، منها علاقاته بعمان وزنجبار؛ وقال هذا النوع من المصادر مفيد جدّا لفهم الحالة الاستعمارية في الجزائر، ولفهم طبيعة علاقة العلماء بسُلطَةٍ فرضت على الجميع ضرورة التعامل معها كأمر واقع لا مفرّ منه وتناول في بحثه صورتين متقابلتين، أولاهما صورة القطب من وجهة نظر إدارة الاحتلال، والثانية صورة المستعمر الفرنسي لدى القطب اعتمادا –على الخصوص- على رسائله المخطوطة إلى الإدارة الاستعمارية؛ أما الورقة الرابعة فقد تناولت بنية الخطاب الفني في المراسلات العمانية الجزائرية – رسائل سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي نموذجا من تقديم خليل بن محمد بن راشد الحوقاني حيث بيّن أن لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي رسائل متعددة وجهها إلى مشايخ وأهالي وادي ميزاب بالقطر الجزائري؛ نظرا للعلاقة العلمية والفكرية والأدبية التي تجمع بين عمان والجزائر؛ وقد سار الشيخ في رسائله هذه وفق ما أصله النقد الأدبي في مفهوم الرسائل الأدبية؛ فاتسع مجالها؛ لتشمل جميع أشكال الرسائل وعلى هذا يمكن اعتبار خطابات الشيخ الخليلي إلى مشايخ وأهالي وادي ميزاب في مجملها العام رسائل أدبية؛ نظرا لتوفر شروط وضوابط المفهوم الفني للرسالة؛ فلغة تلك الرسائل انفعالية صادرة عن عاطفة، ومثيرة لعواطف المتلقين، وتؤكد علاقة التواصل بين طرفيها؛ وقال في المقابل لهذه الرسائل قيمة اعتبارية في مجالات علمية، وفكرية، وسياسية، وتاريخية، وينضوي تحتها أنواع من الرسائل، تختلف في أسلوبها وموضوعاتها، وتتنوع في أغراضها وأهدافها، وتتفاوت في جمالها وتأثيرها، هذا فضلا عن عناصرها التي تتلخص في المقدمة، والعرض، والخاتمة، وتكون مذيلة – غالبا – بالتاريخ والمكان؛ واختتمت الندوة بالورقة الأخيرة بعنوان المحاورات الفكرية بين علماء الجزائر وعمان من تقديم مصطفى بن دریسو تم فيها إلقاء الضوء على قصيدة مخطوطة في 32 بيتا للشيخ اطفيش مليئة بالمشاعر الرقيقة، ومتضمنة الثناء على الحكم العادل للسلطان الزنجباري: محمود بن محمد بن سعيد بن سلطان إذ عبرت القصيدة بمفرداتها على أواصر التواد الأخوي والترابط العلائقي بين الميزابيين وإخوانهم في عمان وزنجبار، وجسدت نموذجا فعليا للتلاحم بين إباضية مزاب وإباضية عمان وزنجبار.