لا أعرف حقيقة لماذا يحسد بعض الناس بعضًا، لماذا لا يريدونهم يعيشون في سعادة وراحة، لماذا يتمنون زوال النّعمة التي أنعمها الله عليهم، بل يسعون جاهدين حتّى يبعدون الشّخص عنها، وكما تعلمون من أجلّ النّعم على الإنسان نعمة الإسلام؛ لهذا حسد المشركون النّبي (صلى الله عليه وسلّم) وأصحابه على هذا النّعمة العظمية، فقد حكى الله تعالى عن أهل الكتاب قوله:(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة ـ 109)، ويروى أن الأخنس بن شريق وأبا سفيان بن حرب وأبا جهل كانوا يجتمعون في الليل ليسمعوا الكلام العذب القرآن الكريم الذي يقرأه النّبي (صلى الله عليه وسلّم) في بيته، وهذا دفع الأخنس أن يسأل أبا جهل ما رأيه في القرآن؟ فقال: ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحلمنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحازينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلّم):(لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) فقد يتبادر في الذهن بأن هناك حسد في هذين الأمرين العظمين وهذا فضل وأي فضل ولكن أجاب محمد فؤاد بكلام جميل عندما شرح الحديث في صحيح مسلم فقال:(قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما (آناء الليل وآناء النهار) أي ساعاته واحده الآن).
الحسد جرم عظيم قيل عنه:إنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو يتنافى مع خُلُقِ المساعدة والعون والنصر والتأييد، والله سبحانه وتعالى يقول:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة ـ 2)، قال أبو تمام في الحسد:
وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضيلَة ٍ
طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ
لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ، فيما جَاوَرَتْ
ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُودِ
لولاَ التخوفُ للعواقبِ لمْ تزلْ
للْحَاسد النُّعْمى على المَحْسُودِ
مع هذا التجول السريع في بعض جوانب الحسد، احذر ـ أخي المسلم ـ أن تقع فيه وكن ناصحاً موجهاً لغيرك ممن تراه وقع فيه، نسأل الله أن يجنبنا الحسد وشروره والوقوع في شئ منه.

قيس بن خليفة الخزيري