علي بن سالم الرواحي:
أيُّ كتابٍ يناظر القرآن؟ بل أيُّ كتابٍ يحمل صدقاً وعدلاً وكمالاً كالقرآن؟ كل الكتب لا تخلو من الأخطاء، وكذلك حال الكتب السماوية التي حرفت بأيادي الأحبار والرهبان.
لقد نزل القرآن لمصلحة البشر وتبصيرهم بالمسير والمصير, والعمل والجزاء والحقوق والواجبات وبالإصلاح والإفساد وبالخير والشر، وكل ذلك فضل من الله.
ولما كان القرآن دستور المسلمين انكبوا عليه يغتنمون فوائده التي لا يحصونها، ونال القرآن عناية عظيمة لم ينلها كتاب آخر حتى غير المسلمين يتدارسونه لينهلوا من علومه الطبيعية.
ويهدف هذا البحث الكشف عن قواعد التفسير, وهي قواعد إذا التزم بها أحد, تمكن من التفسير, إن شاء الله.
تعريف أصول التفسير ومعالمه: الأصول جمع أصل وهو ما يُبنى عليه غيره, وأصول الشيء قواعده وأسسه, قال الله تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم ـ 24).
أما التفسير فقد قال الخليل: فسر: الفَسْرُ: التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب, وقيل يدور معناه حول الكشف والايضاح والبيان.
والفسر والسفر متشابهان في المعنى، وكل واحد منهما من ناحية ترتيب الحروف مقلوب الآخر.
وعلم التفسير هو بيان معاني كلام الله وبلاغته وعلومه على حسب الطاقة البشرية، وينطوي تحته تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة مع العلم أن القرآن والسنة وحي من الله سبحانه وتعالى لكن فهمهما يكون مناطاً بالطاقة البشرية.
وهناك من العلوم ما استأثر الله بعلمه, كعلم الساعة وقتها، وعلم خروج الدابة وأوصافها وقت خروجها, والكثير من المتشابهات كذات الله وأوصافه الذاتية والفعلية فلا يعلَم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى.
وأصول تفسير القرآن الاصطلاحي له اعتباران، الأول: باعتبار المعنى التركيبي حيث يعرف بأنه أسس علمية يقوم عليها علم التفسير بما يخص المفسر والتفسير.
والثاني: باعتبار تخصصه العلمي حيث هو علم يوصلنا إلى فهم القرآن من خلال تبْين معانيه واستخراج حكمه وأحكامه, ومواعظه وعجائبه، فهو كتاب يحمل دين الإسلام الخالد الهادي لمن تمسك به وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، ولم يستنكف عن طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).
والتدبر نوع من التفسير, قال الله سبحانه وتعالى في حقه:( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء ـ 82).
أما التأويل فقد يعني معنى التفسير عند طائفة من العلماء، واستدلت بما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي ـ أَوْ عَلَى مَنْكِبِي، شَكَّ سَعِيدٌ ـ ثُمَّ قَالَ:(اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)، وقد يعني وقوع الأشياء في آجالها حسب النص الرباني عند طائفة أخرى، حيث استدلت بقول الله تعالى:(هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً) (يوسف ـ 100).