[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
الثاني والعشرون: العمانيون ربابنة البحار :
))شكلت عمان نقطة انطلاق للحركة التجارية النشطة في المنطقة, ويعتبر العمانيون روادا حقيقيين في مجال الملاحة... ويعتقد اليوم بأن المقابر الواقعة على قمم جبال الحجر كانت تشكل نقاطا استدلالية للقوافل التي تنقل البضائع من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي في الخليج..)) من كتاب عمان لمؤلفه Michele Barrault
جاء في كتاب (عمان برها وبحرها تراث وتاريخ) ما يلي: ((تحتل عمان بفضل موقعها على رأس الخليج موقعا فريدا على طريق من أقدم الطرق التجارية في العالم. وبفضل الرياح الموسمية كانت أساطيلها من بين الأساطيل الأولى التي أبحرت إلى كل من الهند وإندونيسيا والصين. وكان يبدأ من شواطئها أطول طرق التجارة في العصر الوسيط وهو طريق صحار ـ كانتون الذي كان يمتد إلى ما لا يقل عن 7000 كم. وعمان كان قد عمها النشاط لآلاف من السنين، ذلك النشاط الذي ينعكس على الدوام في تلك المواقع التاريخية العديدة التي تتناثر داخل البلاد والتي ارتبطت بطريقة أو بأخرى بما يسمى بـ(طريق الحرير البحري)...)). ويعيدنا أقدم الوثائق المكتشفة والمتداولة التي تتحدث عن تاريخ عمان البحري إلى حوالي أربعة الآف سنة مضت, ففي إحدى اللوحات البابلية القديمة (2200 ق.م) يعبر سرجون ـ ملك أكاد ـ وهو أول امبراطور في التاريخ عن فخره واعتزازه بحضارة بلاده فيقول ((نجحنا بجلب مراكب مجان ودلمون وملوخة إلى ميناء أكاد)). ومن المتعارف عليها وكما جاء في العديد من الكتابات التاريخية, والاكتشافات الأثرية والدراسات والأبحاث الحديثة بأن مجان هي عمان المعاصرة، ودلمون هي البحرين، وملوخة هي بلاد حضارة وادي السند. وتوضح اللوحات المسمارية كذلك والتي يأتي تاريخها بعد التاريخ المشار إليه مجان مقرونا بالتجارة، لا سيما النحاس. ويوضح نص آخر من مدينة الأغاش السومرية، يعود تاريخه إلى سنة 2050 ق م. إن أحواض موانئ مجان كانت مراكز لبناء السفن وتجهيزها. وتشير العديد من الوثائق إلى أن أول عربي وطئت قدماه بلاد الصين هو تاجر عماني واسمه أبو عبيد, عبدالله بن القاسم وذلك في العام 133ه، 750م, وقد وصف المسعودي (خانفو) مدينة كانتون الحالية, بأنها ((مدينة عظيمة على نهر عظيم, تدخل هذا النهر سفن التجار الواردة من البصرة وسيراف وعمان...)). وبفضل تقدمهم وسيادتهم البحرية, كان للعمانيين دور واسع في قيادة الجيوش عبر البحار والمحيطات والمساهمة في فتح البلدان والمدن في العراق وفارس بتوجيه من الخليفتين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) خلال الفتوحات الإسلامية, حيث طلب الخليفة عمر بن الخطاب, من والي عمان عثمان بن أبي العاص الثقفي أن يقطع البحر لمحاربة كسرى, فخرج ومعه ((3000 آلاف محارب من الأزد وراسب وناجية وعبدالقيس, وهي القبائل التي كان لرجالها شرف تأسيس أول مسجد في إحدى الجزر الفارسـية...)). كما شارك العمانيون في طلائع ((الفتح الإسلامـي لبلاد المـغرب والأندلـس)), وتوالت أنشطة العمانيين البحرية على مختلف الأطر والمستويات, وخوصا في النشاط التجاري.. فهذا بارسونز الذي زار مسقط في العام 1163ه ـ 1750م, يتحدث عن هذه المدينة قائلا: ((في المدينة تجارة واسعة وتمتلك عددا كبيرا من السفن التي تتاجر مع سورت ومومباي وجاوا على امتداد ساحل ملبار, ثم مع مخا وجدة في البحر الأحمر وهي تشكل مستودعا كبيرا للبضائع التي تأتي من تلك الأماكن, وتؤمها السفن من البصرة في العراق, ومن جميع موانئ فارس والجزيرة العربية والخليج, كذلك من ساحل كرمان ونهر السند ومناطق أخرى مجاورة للنهر...)). من كتاب (العمانيون رواد البحر), إسماعيل الأمين. وقد ذاع صيت أحمد بن ماجد في مختلف أرجاء الموانئ الأوروبية باعتباره مرشدا ساعد البرتغاليين في الوصول إلى ((موانئ الهند وكعالم نذر حياته لعلوم الملاحة... ومن المنطقي الاستنتاج أن الدوافع العلمية كانت وراء موافقة أحمد بن ماجد على القيام بالمهمة التي فتحت آفاقا جديدة في تاريخ الملاحة في العالم...)). ومما أورده كتاب (العمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام) لمؤلفه الدكتور رجب محمد عبد الحليم ما يلي ((وقد أدى ثراء التجار العمانيين نتيجة لصلاتهم التجارية ببلاد الصين إلى ثراء حكام عمان ثراء جما نتيجة لما كان يحصل عليه هؤلاء الحكام من عشور البضائع الوفيرة التي كانت تصل مع هؤلاء التجار من بلاد الصين إلى عمان، وقد ظهر هذا الثراء واضحا في حياتهم التي تميزت بالترف وفي هداياهم القيمة، فقد أهدى أحمد بن هلال حاكم عمان للخليفة المقتدر عام 305هـ/917م هدية أثارت إعجاب المؤرخين حتى أنهم ذكروا مفرداتها بكل تفصيل)). هذه نماذج مختصرة لنجاحات وسيادة استمرت لقرون طويلة تواصلت عبر الأزمنة قديمها وحديثها. لقد أقام العمانيون علاقة تاريخية وطيدة مع البحار والمحيطات فرضها الموقع الجغرافي, وتحققت نجاحاتها ومكاسبها بفضل الشخصية العمانية التي لم تعرف الكسل والخمول والتقوقع, وبنيت على التجربة والممارسة وتراكم الخبرة, فأخذت مسارات متعددة ومجالات مختلفة علمية وتجارية وقيادية وسياسية ودينية كللت بالنجاح والثقة، وقدم العمانيون أنفسهم بصفتهم رجال سلام ودعاة حوار وربابنة بحار وطلبة علم يجوبون طرق العالم القديم ومحطاته ومناراته ومدنه يؤثرون، ويتأثرون يعلمون ويتعلمون يكتسبون المهارة والخبرات ويقدمون ما لديهم منها للآخرين, وتركوا للأجيال سيرة حافلة بالملاحم والإنجازات وروح المغامرة التي خاض غمارها الأجداد مرحلة بعد مرحلة وبناء إثر بناء وإنجازا مكملا لآخر فصاغوا بأحبار الصبر وقرطاس الشدائد والعزائم وأقلام الطموح والإبداع أمجادا سطرتها صفحات التاريخ القديم وحفظت شواهدها وآثارها المتاحف والمعالم وأبرزتها للعيان وأظهرتها للعالم دراسات وأبحاث وحفريات المتخصصين من أكاديميين وباحثين وهواة, صنع المهرة العمانيون السفن بمختلف أشكالها ومسمياتها وأحجامها, وخاضوا بها أمواج البحار والمحيطات الهادرة ربابنة لا ينافسهم في ذلك منافس. وقد لعب موقع عمان على شواطئ بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي وعلى بحر عمان والخليج العربي, ومعه قسوة الحياة والجفاف الذي تمر به عمان على فترات دورا مهما وأساسيا في رحلات العمانيين واكتشافاتهم وهجراتهم وفي ذيوع شهرتهم البحرية خصوصا في قارتي آسيا وإفريقيا. وقام العمانيون منذ العصور القديمة بدور ((الوسيط بين حضارات بلاد ما بين النهرين وآسيا وإفريقيا, وقد أوجد قرب عمان الجغرافي من دول وشعوب ذات ثقافات مختلفة وحضارات راقيـة, كبلاد فارس والهند واليمن, وكذلك نجد والحجاز, وبلدان الخليج العربية أنماطا مختلفة من التواصل مع هذه البلدان في الكثير من المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية...)) من كتاب ((الثقافة الإسلامية والتحديات المعاصرة)), مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم. وقد هاجر العمانيون إلى مناطق الشرق الإفريقي في هجرات متتابعة, يتحدث بعض الباحثين والمؤرخين بأنها بدأت قبل الإسلام وتتابعت بعد ذلك, فتوغلوا في البر الإفريقي وأسسوا ممالك وساهموا في نشر الإسلام، ووضعوا لمسات علمية وحضارية ما زالت تبرز دور العمانيين وتؤكد على إسهاماتهم الواسعة. واتخذ السيد سعيد بن سلطان من زنجبار عاصمة لامبراطوريته في أوج قوتها وسطوة نفوذها وفي مرحلة اتسعت فيه مظلتها السياسية والتجارية والبحرية، حيث ضمت بين جناحيها بلدانا ومدنا وشعوبا وبحارا شكلت في مجملها جسر تواصل وتعاون بين قارتي آسيا وإفريقيا، وأحدثت تعايشا سلميا بين بشر ينتمون إلى لغات وأديان ومذاهب وأعراق قل نظيره. وقد أشرت إلى ذلك في عدد من المقالات بعد زيارتي إلى هناك والتي ضمنتها في كتاب نشر من قبل بيت الغشام, ((العلاقة بين عمان وشرق إفريقيا غائرة في صلب الوجود الإنساني الأول فهي لم تبتدئ بهجرات القرن الهجري الأول ولا بما قبل الإسلام, بل ولا بما قبل الميلاد, فهذه المحطات سلسلة في خط الحركة الزمنية بين عمان وشرق إفريقيا...)). مما لا شك فيه بأن العمانيين قد أسهموا بقوة في نشر الإسلام والثقافة والحضارة وكانوا عنصرا فاعلا في تنشيط التجارة وتعزيز الوعي في عدد من بلدان العالم القديم, وذلك ضمن إسهاماتهم الموثقة في مناطق شبه القارة الهندية والصين وآسيا وشرق إفريقيا بشكل عام, والذي يتطلب الكثير من العمل والجهد بحثا ودراسة وتقديم الإرث الحضاري العماني إلى العالم وإلى أبنائنا الذين لا يعرفون الكثير عن تاريخهم وأمجاد وتضحيات أجدادهم. فقد كانت السفن العمانية ((تجوب البحار وتنقل البضائع بين حواضر التجارة العالمية آنذاك, وقد وثق ذلك العلاقات التجارية العمانية مع العديد من بلدان العالم, فكان العمانيون يتاجرون منذ القديم مع الصين والهند وسيلان...)), وفي انتقالهم من حاضرة إلى أخرى ومن ميناء تجاري إلى آخر نظيرا له كان العمانيون ينشرون الإسلام ويقيمون علاقات إنسانية وحضارية مع شعوب الدول الآسيوية والإفريقية, ويستوطن بعضهم ويتزوجون في تلك المناطق والبلدان. فها هي المصادر الفقهية العمانية تشير إلى الجالية العمانية المقيمة في بلاد الهند, أنهم ((كانوا على اتصال بوطنهم الأم, وأنهم كانوا يوصون ببعض أموالهم لمشاريع خيرية في بلدهم عمان...)). فكم من السفن العمانية التي رست في هذه الموانئ عندما كان العمانيون أسياد البحار وربابنة السفن وقادة الجيوش ورجال دعوة لا ينافسهم في ذلك منافس؟ وكم من الأقدام التي تحركت في دروب وأسواق المدن القديمة ومناطقها المختلفة لا يهم أصحابها إلا تحقيق غاياتهم وأهدافهم في العمل والتجارة والدعوة إلى الله؟ وكم من التجار والدعاة العمانيون الذين ساهموا في نشر الإسلام وتنشيط الحركة التجارية والإسهام في بث الوعي نحن في أشد الحاجة لمعرفتهم وإحياء ذكراهم والاقتداء بهم, بمبادئهم السامية وبقوة تحملهم وشجاعتهم وتضحياتهم الكبيرة وتصميمهم على مواجهـة التحديـات. مما أوردته أوراق الندوة الدولية: (عمان والهند .. آفاق وحضارة) في هذا الإطار ما يلي: ((كانت المراكب العمانية تعبر البحر إلى السواحل الغربية للهند ثم ينتقلون بين مدن الهند وموانئها كما يتنقلون في سواحل شرق الجزيرة العربية بدءا بالإبلة (البصرة فيما بعد) جنوب العراق مرورا بالبحرين حتى مدن عمان كصحار وصولا إلى سواحل حضرموت.... فقد كانت مدن عمان الشهيرة سوقا تجارية تستقبل أصناف السلع التجارية القادمة من الهند فوق سفن هندية أو عمانية وتحط رحالها أولا في مدينة (صحار) حيث يجتمع فيها تجار السند والهند والصين ثم توزع تلك السلع إلى الأسواق التجارية الأخرى في جزيرة العرب، وكان حاكم عمان المعروف بالجلندى بن المستكبر يأخذ العشور التجارية ويحمي ويرعى هذه السوق وسوق (دبا) فإذا ما انتهى استقبال التجارة في (صحار) انتقلت بعد ذلك إلى أسواق أخرى برية وبحرية حتى تصل إلى الشام ومصر)). ويذكر المؤرخ البريطاني لوريمر بأن ((مسقط والبصرة كانتا أهم موانئ المنطقة بالنسبة للتجارة الخارجية، إذ كان أكثر من نصف الواردات من الهند إلى البصرة وبوشهر وجميع الواردات إلى الهند تصل عن طريق مسقط...)) عمان في عهدي الإمام سعيد والسيد سلطان بن أحمد البوسعيدي للدكتور صالح بن عامر الخروصي.

[email protected]