***
طرحت جمهورية الصين الشعبية نهاية عام 2013 مبادرة البناء المشترك للحزام الاقتصادي البري لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين والتي تعرف اختصاراً بـ " مبادرة الحزام والطريق"، إذ نالت اهتماماً عالياً من قبل المجتمع الدولي وتجاوباً ايجابياً من قبل الدول المعنية (يغطي المشروع حوالي 60 % من سكان العالم) التي وصلت الى 170 دولة ومنظمة اقليمية ودولية لغاية كتابة هذه السطور.
وبالاعتماد على بنك الاستثمار الاسيوي للبنية التحتية برأسمال يتعدى 120 ملياردولار وذلك بربط الدول المحتاجة بقروض طويلة الأجل.
وصفت المبادرة بكونها أكبر وأضخم مشروع على المستوى الجيوستراتيجي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين اذ تستهدف محاور تنمية متعددة منها انشاء بنية تحتية من طرق وسكك الحديد فائقة السرعة وطرق برية وإنشاء واستغلال الموانئ البحرية وإنشاء مناطق تجارة حرة وفتح اسواق جديدة واستغلال الموارد الطبيعية فضلاً عن انشاء خطوط الاتصالات والمعلوماتية ونقل الطاقة الكهربائية والنفط والغاز والحوكمة والمبادرات الخضراء لحماية البيئة ونقل وتبادل التقنيات المتطورة ومبادرات أخرى.

البنية الأساسية للمبادرة
لتنفيذ المبادرة فقد تم تحديد خمسة اتجاهات رئيسة للبناء المشترك ثلاثة منها للحزام واثنان للطريق :
الاتجاه الاول: من شمال غربي الصين وشمال شرقيها الى اوروبا وبحر البلطيق مروراً بآسيا الوسطى وروسيا.
الاتجاه الثاني :من شمال غربي الصين الى منطقة الخليج والبحر الابيض المتوسط مروراً بآسيا الوسطى وغربها.
الاتجاه الثالث: من جنوب غربي الصين الى المحيط الهندي مروراً بشبه جزيرة الهند الصينية.
بينما هنالك اتجاهان رئيسيان لطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين:
الاتجاه الاول :من الموانئ الساحلية بالصين الى المحيط الهندي مروراً ببحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا وامتدادا الى اوروبا.
الاتجاه الثاني: من الموانئ الساحلية بالصين الى جنوب المحيط الهادئ مروراً ببحر الصين الجنوبي.
واستناداً لهذه الاتجاهات الرئيسة للمبادرة، طرحت الصين ستة ممرات وستة طرق والعديد من الدول والموانئ، اذ يقصد بـستة ممرات هي ممرات التعاون الاقتصادي الدولي الستة الرئيسة وهي كالاتي:
الاول : ممر الصين – منغوليا- روسيا.
الثاني : ممر الصين- اسيا الوسطى- غرب اسيا.
الثالث : ممر الصين – شبه جزيرة الهند الصينية.
الرابع : ممر الصين – باكستان .
الخامس : ممر الصين – ميانمار- الهند- بنغلاديش.
بطريقة أبسط من حيث الأهمية فان المبادرة تتوزع على ثلاث مناطق:
• المناطق المركزية: تضم كلًّا من الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى الخمس (الغنية بمصادر الطاقة والمواد الأولية)
• المناطق المحاذية: تشمل الدول الأعضاء الدائمين والمراقبين في منظمة تعاون شنغهاي والدول التسع للاتحاد الاقتصادي (الهند، باكستان، إيران، أفغانستان، منغوليا، روسيا البيضاء، أرمينيا، أوكرانيا ومولدافيا).
• المناطق الفرعية: تشمل دول غرب آسيا (الدول العربية) ودول الاتحاد الأوروبي، وتمتد أيضًا إلى اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من دول شرق آسيا.

تطورات المبادرة الصينية

1. وقعت الصين مع 15 دولة على طول الحزام والطريق و16 اتفاقية ثنائية ومتعددة الاطراف بشأن تسهيل النقل عبر الطرق الدولية.
2. تم فتح 356 خطاً للنقل عبر الطرق الدولية بالارتكاز على 73 معبراً حدودياً برياً.
3. وقعت الصين مع 47 دولة على طول الحزام والطريق 38 اتفاقية ثنائية واقليمية بشأن الشحن البحري.
4. وقعت الصين مع 62 دولة اتفاقيات ثنائية بين الحكومات بشأن الشحن الجوي.
وفي مجالي التعاون الاقتصادي والتجاري فقد ارتفع حجم التبادلات التجارية والاقتصادية اذ بلغت القيمة الاجمالية لتجارة السلع بين الصين والدول الواقعة على طول دول الحزام والطريق الى اكثر من تريليون دولار نهاية عام 2018، وبلغت القيمة الاجمالية لتجارة الخدمات بين الصين والدول ذاتها الى اكثر من 160 مليار دولار نهاية العام 2018، فضلاً عن مسعى الصين بإنشاء مناطق التجارة الحرة على طول الحزام والطريق. وقد انضمت معظم دول المنطقة للمبادرة وهناك مشروع قيد التنفيذ لربط شرق تركيا بغربها بقطار فائق السرعة كجزء من المبادرة.

تأثير ممر الصين – باكستان وميناء جوادر الباكستاني على موانئ البصرة والخليج

الأثر الكبير على موانئ الخليج جميعا بما فيها الموانئ الإيرانية، هو أنه يتخذ ميناء جوادر الباكستاني ميناء رئيسيا ومنفذاً للحزام على البحر وبوابة رئيسية لآسيا الوسطى واوربا على بحر العرب ودول الخليج بحيث تتلاشى أهمية البصرة ومينائها الموعود، والعراق كحزام وممر وعبور من الشمال للجنوب وبالعكس.
ان التركيز على ميناء جوادر سيضعف كذلك من أهمية دبي كنقطة بحرية لإعادة التصدير لدول المنطقة وشرق افريقيا وهو الدور الذي كان تقوم به دبي منذ عقود طويلة وهذا كله سينتقل لميناء جوادر.
هناك أيضا آثار كبيرة على موانئ ايران التي تعمل حاليا كمنفذ بحر لبعض دول آسيا الوسطى وهذا كله سينتقل لميناء جوادر والذي يتم فيه انشاء ميناء عملاق ومناطق صناعية وتجارية حرة ومطار ليستقطب النقل الجوي.
تنبع الأهمية الاستراتيجية لميناء جوادر بمصادر القوة في القرن الحادي والعشرين والمتمثل بالطاقة (البترول والغاز) وخطوط نقلها واهميته بالنسبة للصين، اذ يمثل موقعها المميز نقطة مركزية ومحورية في مشروع الحزام والطريق.

العراق ومبادرة الحزام والطريق الصينية
على الرغم من انضمام العراق رسمياً الى مبادرة الحزام والطريق الصينية في نهاية عام 2015، الاّ ان العراق لم يحظ بموقع متميز في المشروع وكذلك كل الموانئ المطلة على الخليج، بينما يمكن للعراق وكذلك الامارات وسلطنة عمان أن يغيروا كثيرا من هذه المعادلة غير المنصفة لهم وللعراق عبر مشروع القناة الجافة المقترح.
ان البديل يكمن بالبدء جديا ودون تأخير في مشروع القناة الجافة الذي يربط البصرة وميناء الفاو المقترح مع شبكة الطرق والسكك الحديد الاوربية عبر تركيا لينشأ حزام اقليمي ينشط تجارة الخدمات والسلع عبر العراق والذي سيكون موازيا لقناة السويس وستستفيد منه كل دول الخليج العربية التي سترتبط بمشروع الحزام وبذلك تحتفظ معظم الموانئ المطلة على الخليج بمعظم امتيازاتها، إذ ان الربط البري هو الأساس الذي يعطي الأهمية الكبرى لأي ميناء بحري ومشروع الربط بالحزام عبر القناة الجافة يحقق مزايا جانبية عديدة منها ربط كيبلات الانترنت لاوربا وللشرق بموازاة الطرق البرية ويعتبر هذا الطريق أقصر وأقل تكلفة من الطريق الذي يربط الصين بأوراسيا.
إن بناء هذا المشروع سيوفر ممرات آمنة لعبور خطوط الغاز والألياف الضوئية التي ستجلب عائدات كبيرة للمنطقة وستجعلها شريكا أساسيا في مشروع الحزام والطريق.
هناك فرصة للموانئ العمانية لأن تكون نقاط اتصال مهمة على طول الطريق البحري الصيني لما تتمتع به سلطنة عمان من استقرار سياسي وقوانين مشجعة وجاذبة لأن تكون واجهات بحرية مهمة وذات قيمة كبيرة تسهم في مشروع الحزام والطريق وعبر المشروع المؤجل وهو مشروع خط السكك الخليجي وربطه عبر العراق وتركيا بشبكات السكك والطرق الأوربية وربط الشمال والجنوب.
على الرغم من الممانعة الأميركية لهذا المشروع والضغوط الاقتصادية التي تمارسها فإن المشروع سيمضي بقوة لأنه يعطي حوافز كبيرة بربط هذه الدول باقتصاد صيني يتنامى ويحقق قفزات هائلة مع غياب جهد أميركي أو اوروبي لتقديم حلول لمشاكل الفقر في أفريقيا او دول آسيا الوسطى او على أقل تقدير وصفات علاج لإقتصادياتها الضعيفة، إضافة الى ان قيادة أميركا للأقتصاد العالمي وربط العالم بها وبعملتها أحدث هزات متتالية للجميع في أول هزة تحدث بأسواق المال الأميركية وتحديدا وول ستريت، لذلك فإن البحث عن بديل لهذا الاستئثار هو مطلب واقعي.

علي مهدي الدباغ
سفير جمهورية العراق ـ مسقط