أيها الإخوة القراء .. إن صلاح الإنسان عند الله تعالى بصلاح قلبه واستقامته وسلامته وقد أخبرنا بذلك المصطفى )صلى الله عليه وسلم( في أحاديثه والتي منها (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، وكان يقول أيضاً:(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، ومن هنا نرى أن إصلاح القلوب وصفائها هو الركن الركين للقبول من الله، وعلامة الوصول إلى علام الغيوب. ولما كان ذلك كذلك فإننا نتساءل ما هي علامات صحة القلب؟ وما الدلائل على ذلك؟ أجاوب على هذا التساؤل فأقول: إن سلفنا الصالح وردت عنه آثار كثيرة في علامات صحة القلب وكذلك آثار عن الانبياء والمرسلين ـ عليهم السلام ـ ومن هذه العلامات ما جاء فيما أوحاه الله إلى الخليل إبراهيم ـ عليه السلام:(يا إبراهيم إنك لي خليل وأنا لك خليل فأحذر أن أطلع على قلبك فأجده مشغولاً بغيري فينقطع حبك مني فإني إنما أختار لحبي من لو أحرقته بالنار لم يلتفت قلبه عني ولم يشتغل بغيري).ففي هذا الأثر يتضح لنا أن أول علامات صحة القلب هي عدم الالتفات إلى غير الله تعالى وعدم الاشتغال بغيره سبحانه. ومن علامات صحة القلب قوة الخشية واليقين والثبات. ويغذي ذك كله العلم اليقيني والمعرفة التامة التي تثمر قوة المحبة وإخلاص العمل. يدل على ذلك ما جاء فيما أوحاه الله عز وجل إلى نبيه موسى ـ عليه السلام:(إني خلقت في جوف عبدي بيتاً وسميته قلباً وجعلت أرضه المعرفة، وسماه الايمان، وشمسه الشوق، وترابه الهمة، ورعده الوفاء، وثمره الحكمة، ونهاره الفراسة، وليله المعصية، وهي الظلمة) وله باب من العلم وباب من الحلم وباب من اليقين وباب من الغيرة وله ركن من الأنس وركن من التوكل وركن من اليقين وركن من الصدق وعليه قفل من الفكر لا يطلع على ذلك البيت غيري.ومن علامات صحة القلب: ما جاء عن التابعين والصالحين ما قالوه وذكروه فقد قالوا من علامات صة القلب، أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا من يدل عليه ويذكر به ويذاكره بهذا الأمر، ومن علامات صحة القلب: أنه إذا فاته ورده وجد لفوته ألماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده، ومن علامات صحة القلب: أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب وكما يشتاق المنهول إلى الراحة، ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرة عينه وسرور قلبه كما كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد قال:(وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وكان يقول لبلال:(أرحنا بالصلاة يا بلال".ومن علامات صحته: أن يكون همه واحداً وأن يكون في الله، ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً ممن هو من أشد الناس شحاً بماله، ومن علامات صحته: التفكر في الموت والاستعداد له والراحة عند لقاء الله تعالى، ومن علامات صحته: ما ذكر الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الذي يقول فيه:(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).ومن علامات صحته: ذكر الذنوب الماضية ونسيان الحسنات الماضية ونظره إلى من هو فوقه في الدين ونظره إلى من هو دونه في الدنيا.ومن علامات صحته: أنه لا خير في القول إلا مع العمل ولا خير في المال إلا مع الجود ولا خير في الصدق إلا مع الوفاء ولا خير في الفقه إلا مع الورع ولا خير في الصدقة إلا مع حسن النية.ومن أجمع علامات صحته: تقوى الله في السر والعلن واتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الأقوال والأفعال وإلاعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار والرضا عن الله القليل والكثير والرجوع إلى الله في السراء والضراء وكثرة الاستغفار وأداء الحقوق.ومن هنا كان الصالحون ـ رضوان الله عليهم ـ يقولون: عمارة القلب في أربعة أشياء: في العلم والتقوى والطاعة وذكر الله تعالى.وخراب القلب من أربعة أشياء: من الجهل، والمعصية ، والاغترار، وطول الغفلة.وكانوا يقولون: خمسة أشياء لا يسكن في القلب معها غيرها، الخوف من الله وحده، والرجاء لله وحده ، والحب لله وحده، والحياء من الله وحده، والانس بالله وحده.وقال الشيخ بن هند الفارسي: القلوب أوعية وظروف وكل وعاء وظرف يصلح لنوع من المحمولات.فقلوب الأولياء أوعية المعرفة، وقلوب العارفين أوعية المحبة، وقلوب المحبين أوعية الشوق. وقلوب المشتاقين أوعية الأنس.وكل من هذه الأحوال آداب من لم يستعملها في أوقاتها هلك من حيث يرجو النجاة. هذه قطرات فيض الصالحين ذكروها لنا في علامات صحة القلب.فهيا نشرب قطرات شفاء القلوب لنهب إلى ذكر وتذكر علام الغيوب.إعداد ـ محمد عبدالظاهر عبيدو إمام وخطيب جامع محمد الامين