.. وقد جاءت مادة (قسم) ومشتقاتها في القرآن الكريم بمعنى اليمين والحلف إلا في قوله تعالى:(أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ..) (الزخرف ـ ٣٢).والقسم إما ظاهر, وهو ما ذُكِر فيه فعل القسم والمقسم به, أو ذُكِر فيه أداة القسم والمقسم به, والأخير هو الغالب, نحو:(والليل اذا يغشى) (الليل ـ ١), أو مضمراً إذا لم يُذكَر فيه شيء من ذلك, بل أن السياق تضمن السياق من خلال اللام الداخلة على جواب القسم وتسمى اللام الموطئة للقسم, (لتبلون في اموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ..) (آل عمران ـ ١٨٦).وأشهر أحرف القسم هي الواو والباء والتاء, وأغلب أقسام القرآن بالواو, أما التاء لا تستخدم إلا مع اسم الجلالة وقد وردت في سور مكية فقط, كسورة يوسف التي احتوى على هذا النوع القسم ثلاث مرات منها.وقد تُحذَف أداة القسم مع الفعل إذا دل عليهما السياق (لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين) (الأعراف ـ ١٢٤), والتقدير: أقسم و.., بل أن لكثرة القسم في الكلام كثيراً ما يُحذَف فعل القسم.والقسم إما أن يكون بالخالق أو بالمخلوق, وأشرف شئ هو القسم بالله او بشيء من صفاته, ويأتي على سبيل التعظيم والتقديس والعبادة.ولما كان التأكيد والقطع في اللغة العربية يتحقق بالقسم وبالشهادة فإن الله جمع بينهما في القرآن في اثبات التوحيد إكمالاً للحجة على الخلق.ولقد أقسم الله بشيء من مخلوقاته لا على سبيل أن نعظمها فوق قدرها أو لنقدسها أو لنعبدها, ولكن للدلالة فيها على كمال عظمة الله سبحانه وتعالى, ولما تقودنا إلى الاعتبار بقدرة الله, وإنما يعرًف الله بوحيه وبمعجزات الأنبياء وبمخلوقاته, والله يحلف بما شاء فهي لا تكون عظمتها فوق عظمته سبحانه وهو ربها الذي خلقها, وهناك نكتتان لطيفتان أخريان في الأمر, فالأولى هو تقدير مضاف وهو (رب) مثل (ورب السماء، ورب الطارق), الثانية: مجاراة العرب الذين كانوا يعظمون هذه الأشياء, والمثال على ذلك افتخارهم بالخيل فجاء القسم القرآني (والعاديات).والقسم بالشيء يكون لأحد أمرين أو هما معاً، أولاً: لفضيلته وعظمته, كما (والسماء وما بناها) (الشمس ـ ٥), وأقسم الله بعمر سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه مبارك وعظيم, (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) (الحجر ـ ٧٢), وكذلك لمنفعته للناس، والثاني: لمنفعته نحو:(والتين والزيتون) (التين ـ 1), و(والشمس وضحاها) (الشمس ـ 1), وكذلك لعظمة الشمس.والمقسم به للفضيلة يكون عادة بعيداً عن الإنسان, وفي القسم به إثارة الفضول المعرفي للاطلاع عليه, كالقسم بالشمس وبالقمر, والمقسم به للمنفعة يكون قريباً من الإنسان كالتين والزيتون, أما القسم بالقرآن وإن كان قريباً لكنه بعيدً في شأوه, لا تستطيع الأفهام الاحاطة به, معجز في جميع شأنه, والقسم به أيضاً يثير الفضول المعرفي إلى جانب منفعته وعظمته, ومن أمثلة القسم بالقرآن, (والكتاب المبين) (الزخرف ـ ٢). علي بن سالم الرواحي