[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/10/godamorsi.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جودة مرسي [/author]"الغاية تبرر الوسيلة" جملة قدمت وصفًا لأحد أهم الكتب في دراسة الفقه السياسي، وبترت خيطًا رفيعًا كان يربط بين الأخلاق والسياسة، ورغم أن الجملة كانت ضمن رسالة أرسلها مكيافيللي من منفاه إلى السياسي الإيطالي الشهير بيير سوديريني، حاكم فلورنسا، إلا أنها اتخذت منهجًا لتبرير قيام الأمير بأي عمل لتقوية الدولة والحفاظ عليها، حتى لو كان مخالفًا للقوانين والأخلاق، وضد رغبات وتطلعات الشعب، وهو السلوك الذي اتبعه بعض الحكام خصوصًا في أوروبا من بعد صدور الكتاب لتحقيق نجاة الدولة أو النظام الحاكم دون شيء آخر.الفيلسوف السياسي نيكولو ميكافيللي من مواليد مدينة فلورنسا الإيطالية إبان عصر النهضة في أوروبا، ألف كتاب "الأمير" وهو في منفاه، بهدف إرسال رسائل ونصائح إلى أمير إيطاليا الشاب من أجل توحيد البلاد المهددة بالسقوط نتيجة التوترات خلال تلك الفترة، لكن الكتاب لم يطبع إلا بعد وفاته، ولم يدر بخاطر ميكافيللي أن مقولته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" بكل ما تحمله من مبدأ يدعو الإنسان إلى أن يرمي بأخلاقه ومبادئه وراء ظهره حتى يفسح الطريق للوصول إلى أهدافه (غير الأخلاقية) ستبلغ هذه الشهرة والتخليد وتكون منهاجًا لأفراد منهم الزعماء أو السياسيون الذين سيستخدمونها في زمن آخر غير زمانه وبعد مئات السنين لتبرير أفعالهم التي تتنافى مع صحيح الأشياء فتأتي بالشيء ونقيضه، فيتم الجمع بين الحرب والسلام، والموت والحياة، والعقل والجنون، والفقر والغنى، والخير والشر...إلخ من المتناقضات، ويكون المعنى والمطلب واحدًا لتبرير أفعال مستغربة، ويطلب من العامة على اختلاف عقولهم تقبل كل ما يبرر ويقال.وإذا حاولنا استدعاء الماضي لسؤال ميكافيللي هل كان يقصد أن تكون مقولته أو كتابه (الأمير) منهاجًا لزمن آخر غير ما خطط له، ولظروف معيشية مختلفة تغلفها وسائل الاتصال الحديثة خلال ساعات اليوم، ومعها قنوات فضائية تتناقل بين انفاس البشر لتسجلها، أو لعالم متسع منفتح غير فلورنسا أو قريته التي قضى منفاه بها، خصوصًا وأن الحياة في هذا العالم متكشفة كقرية صغيرة يعلم شئون قطبها الشمالي من يسكنون الجنوب، وكذلك الغربي والشرقي، ولا تحمل جنبات غرفها المغلقة أي أسرار.فأتخيل أن رد مكيافيللي وخروجه من ظلام تلك المرحلة التي عاشها إلى نور الواقع الحالي لرفض أن يصدق أن ما وقعت عليه أعينه هو الحقيقة، واعتبره خيالات وصورا مزيفة لم تكن لتخطر بباله أن يصبح مرجعًا سياسيًّا مهمًّا لعدد كبير من السياسيين، أو أن يكون ذا شهرة وأهمية في دنيا السياسة، خصوصًا وأن الكتاب أثار جدلًا كبيرًا عندما نشر في أوروبا لأول مرة، لتناول الكتاب أخلاق السياسة وأعرافها، واشتماله على مبادئ ومفاهيم بعيدة كل البعد عن القيم والأخلاقيات جعلت شخصية مكيافيللي ذاتها مثالًا متدنيًا لما يبثه في عقول الناس من أفكار مسمومة اتخذت ميثاقًا ومنهاجًا لقادة ديكتاتوريين وأباطرة أتوا من بعده أثاروا حروبا ومشاكل بين الأمم مثل هتلر ولينين وعصابات اليهود التي احتلت فلسطين.الرابط بين اليوم وأمس أن خطورة أفكار ميكافيللي تتمثل في الأزمة التي يعيش أحداثها أبناء العصر الحالي مع مبررات الإخفاق والتي تستعيض بمبادئ ميكافيللية بدلًا من التعاطف والتعاضد، أو بالتعالي وإبعاد الذات وتمجيدها خنقًا لحقوق الآخرين من أجل رفعة شخص يبرر من أجل البقاء كل المحظورات، ويمتلك لنفسه عناصر القوة، ويلجأ من لديهم النصيحة إلى تقديمها وهم خارج سلطة الحاكم، كحال ميكافيللي في منفاه.وفي منطقتنا العربية قد نكون محظوظين بروافد الأنبياء والرسل والأديان السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي والتي تدعو إلى الرحمة والمساواة والعمل والعدل والتي ترجمت عمليًّا بعيدًا عن الغاية والوسيلة.