اعداد ـ محمد عبدالظاهر عبيدو:
أيها القراء .. إن من أهم وسائل نشر المحبة بين الناس طلاقة الوجه أو الابتسامة العريضة التي تلقى بها الآخرين وهي تبعث الاطمئنان في اللقاء بين الاصحاب والناس بعضهم بعضاً فيأنسون ويتآلفون ويتحابون، وطلاقة الوجه أيضاً من المبشرات بقضاء الحوائج وفيها مرضاة للخالق ـ جلّ في علاه ـ وفيها تأسٍّ بسيد الخلق ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ وكذلك تزيل الوحشة عند المقابلة ومن ثم جاء المثل العربي )لاقيني ولا تغديني(.
هذا ويقصد بطلاقة الوجه انفساحه بالبشاشة وهشاشته عند اللقاء بحيث لا يكون كالحاً ولا باسراً ومن ثم قال أبو جعفر بن صُهبان: كان يقال: أول المودة طلاقة الوجه، والثانية التودة، والثالثة قضاء حوائج الناس، وكان بعض الحكماء يقول:(من جادلك بمودته فقد جعلك عويل نفسه فأول حقوقه اعتقاد مودته، ثم إيناسه بالانبساط إليه في غير محرم ثم نصحه في السر والعلانية، ثم تخفيف الاثقال عنه، ثم معاونته فيما ينوبه من حادثه، أو يناله من نكبة، فإن مراقبته في الظاهر نفاق وتركه في الشدة لوم).
ولما كانت طلاقة الوجه فيها ثمرات المودة والمحبة والتعاون والترابط والتآلف وصفاء النفوس وإزالة الاحقاد والمخاوف حثنا عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حثاً قوياً ودعا إليها بقول وبفعله وبصمته وسمته، بل كان (صلى لله عليه وسلم) كما جاء في صفته وحليته، فقد وصف بأنه كان هشاً بشاً بشوشاً وكان يحب البشاشة والسرور وهناك نصوص في السنة كثيرة تدل على ذلك نختار بعضاً ومنها.
فعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصر صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة).
وفي هذا الحديث وضح لنا الحبيب (صلى الله عيه وسلم) ان الصدقات ليست مقصورة على ما ينفقه الانسان من ماله وفقط بل هناك صدقات معنوية تتمثل في حركات الانسان وأعماله وثمته، فما أكثر ما يضيع منا من صدقات بسبب تصرفات صغيرة قد لا يأخذ الانسان باله منها ولهذا كان سيد المخلوقات ـ عليه الصلاة والسلام ـ في شمائله وخلاله يحث على اكثار هذه الصدقات وعدم ضياعها، فقد روى الترمذي في الشمائل عن عبدالله بن الحارث بن جزء قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً وضحكاً في وجه أصحابه وتعجباً مما تحدثوا به وخلطاً لنفسه بهم، من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه، وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا سر ورضى فهو أحسن الناس رضا، يقول الحافظ العراقي: كان (صلى الله عليه وسلم) أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه وتعجباً مما تحدثوا به وخلطاً لنفسه بهم. ومن هنا فطلاقة الوجه فيها التآسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فما أجمل الانسان حين يلاقي من يقابله أو يدخل عليه من اهل وولد ورحم وصديق أو غير صديق بابتسامة عريضة، ووجه بسوم فيمتلأ الجو بفرحة المقابلة، فتحل الملائكة برحمات الله ويذهب الشيطان بغيظه .. إنها طلاقة الوجه التي تكون بلسم شفاء في المقابلة واللقيا، وعند التلاقي. فما أجمل الوجه المتبسم باخلاص وصدق.
ولما كان الانسان مدنياً بطبعه اجتماعياً بفطرته فإن الانس بين الانسان وأخيه عند اللقاء والتعارف يكون قوياً بالابتسامه في الوجوه ويتم التعارف القوي الذي دعانا إليه القرآن بقوله سبحانه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ) (سورة الحجرات ـ 13).
فما أجملك اخي القارئ حين تقابل من يأتيك في عملك أو متجرك أو بيتك أو معهدتك أو مدرستك أو جامعتك أو مكان عملك بطلاقة الوجه التي تزيل الوحشه وتفرض الانس وتزيد المحبة، جعلنا الله من أهل بشاشة الوجوه آمين يا رب العالمين.
* إمام وخطيب جامع محمد الامين