(162) أنواع العدة (3)بيّنا في الحلقة السابقة النوع الأول من أنواع العدة وهو: عدّة المتوفى عنها زوجها غير الحامل وسنبين ـ بمشيئة الله وتوفيقه ـ في هذه الحلقة النوع الثاني وهو:(عدة المتوفى عنها زوجها الحامل)، فقد اختلف الفقهاء في عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً:أ ــ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها الحامل وضع الحمل، فمتى وضعت حملها انتهت عدتها، وحلّت للأزواج ولو وضعته بعد يوم من وفاة زوجها سواء كان الحمل من زواج صحيح أو فاسد أو وطء بشبهه، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، وبقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لسبيعة الأسلمية، وقد ولدت بعد وفاة زوجها بأيام:(قد حللت فأنكحي من شئت).وهذا الحكم ورد عاماً ليس خاصاَ في سبيعة، لأنّ الأصل عدم الخصوصيّة، ولأنّ الراوية للحديث هي أمّ سلمة ــ رضي الله عنها ــ زوج النّبي (صلى الله عليه وسلم) روته في مقام فضّ النزاع الذي كان في المسألة بين ابن عبّاس ــ القائل بأبعد الأجلين ــ وأبى هريرة وعبدالرحمن بن أبي سلمة القائلين بوضع الحمل، ولو كانت ثمّ خصوصيّة لما جهلتها هي وعَلِمَها من بعدها، ولأنّ في رواية النسائي للحديث أنّ النّبي (صلى الله عليه وسلم) بعد ما قال لها ذلك تلا قوله تعالى:(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، ولأنّ في بعض الروايات التصريح بهذا الحكم.ويُشترط أن يكون الحمل الذي تضعه مستبين الخلقة كله أو بعضه، فإن لم يكن مستبين الخلقة كأن لم يكن ما أسقطته علقة أو مضغة لم تنقض عدتها بوضع الحمل، وقيل: تنقضي عدتها إذا وضعت مضغة أو علقة لأنّ ذلك يُسمَى حَملاً.ب ــ ذهب بعض الفقهاء إلى: أنّ المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين (مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل)، فإن وضعت حملها قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فلا تتزوّج حتى تكمّله، وإن انقضت أربعة أشهر وعشرة أيام من قبل أن تضع حملها فلا تتزوّج حتى تضع حملها، وإن كانت حاملاً باثنين فوضعت واحداً وبقي الآخر في بطنها فلا تتزوّج حتى تضعه، واستدل من قال بهذا القول بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، وبقول الله تعالى:(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، ووجه الاستدلال بالآيتين الكريمتين: أنّ الجمع بين الدليلين أولى للخروج من العهدة بيقين، وأنّ حديث سبيعة الأسلميّة خاص بها... وللحديث بقية.د/ محمد بن عبدالله الهاشمي قاضي المحكمة العليا
[email protected]