[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
العدوان على الأمة مستمر، والمحتل الصهيوني يمارس عدوانه المتكرر بغطاء أميركي، وتغاضٍ روسي، وتشجيع مباشر وغير مباشر من عرب يتحالفون معه ومع الأميركي، ضد أقطار عربية وفئات من أمتهم التي يبدو أنهم يتخلون عن الانتماء إليها، ويوالون أعداءها، في خروج بَيِّن على العروبة وعلى الإسلام وعلى نهيه سبحانه وتعالى للمسلمين عن موالاة غير المسلمين " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، وعن التحالف مع أعداء الأمة والدين.
الدم العربي يسيل "صراع داخلي مميت"، وفي آخر فتنوي "سني ـ شيعي" مقيت وعقيم وفاسد ومفسد وأثيم ما أنزل الله به من سلطان.. ويبدو أننا، معظم العرب، قد فقدنا قدرتنا على التمييز بين العدو والصديق، بين الحق والباطل، وبين ما ينفعنا وما يضرنا.. وأصبحنا محكومين بقرار أعدائنا وحلفائهم وعملائهم.. وأننا نقتل أنفسنا حتى حين نتطلع إلى الدفاع عن أنفسنا، نفعل ذلك بأمر أو إيحاءٍ منهم وبغباء واندفاع جنوني منا.. الأمر الذي يؤسس لموتِنا، ويَفُلُّ ردعَنا، ويؤجل ردَّنا على عدونا الذي يقتلنا.
الأحداث تتطور "داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا"، ومجريات تطورها لا تصب في مصلحة أمتنا ولا في خدمة قضايانا.. أمتنا على المَشرحة تنزف بانتظار اتفاق النطاسيين على تشخيص الداء ووصف الدواء، ومعظم أولئك متنكِّر في زي طبيب وهو العدو والخصم اللدود والكاذب الأشر.. إننا في أتون المعارك الدامية منذ عقد من الزمان، وكرة النار تكرج وتشعل أقطارنا وأجسامنا، قطرا قطرا وجسما جسما.. ربيعنا خريف، وثوراتنا نزيف، وإصلاحاتنا تزييف.. وقبل مواسم "الربيع والثورات والإصلاحات"، كان يتداخل في بلداننا الطغيانُ والعدوان، القحط والقمع، فساد النفوس ونخر السوس، وفوضى متأصلة وأخرى مستحدثة ومؤسسة للتدمير.. فيدلُف الناس من فقر إلى بؤس، ومن اضطراب إلى إرهاب، ومن فساد إلى إفساد، ومن قهر إلى يأس وفيض رعب واستبداد، ومن ظلم وطغيان إلى اضمحلال وضلال.. ضِعنا وأَضعنا.. ومع كل هذا، ورغم كل هذا.. كان الشعب العربي في أرجاء الوطن الكبير يصبر، ويضحي، ويحلُم، ويرفع راية فلسطين، ويسكت على الظلم والظُّلام بانتظار زمن يتحقق فيه انتصار لقضية القضايا العربية، لأعدل قضية وأكثر القضايا تضييعا، "قضية فلسطين"، ويضحي من أجلها لتنتصر الأمة بتحريرها وينتصر الحق وتبدأ النهضة.
لكن للأسف كل ما لاحظناه ونلاحظه، ما واكبناه ونواكبه، وما قرأناه ونستقرئه.. يشير إلى أن القضية تتراجع من مركزية إلى ثانوية، والساسة يتخلون عن إرادة الشعب في العمل من أجل التحرير، وكثير منهم يوالي العدو المُحتل سرا أو علنا، ويتباهى باعتداءات أعداء الأمة والدين على إخوته وذويه.. كما يشير إلى أن العدو الصهيوني وحليفه الأميركي يتحكمون بالقرارات السيادية ويحكُمون، وأن عنصرية وعداوة متجذرة ضدنا في دعوات وتحالفات "صهيونية ـ صليبية" تمضي في اتباع سياسات واستراتيجيات هدفها تفتيت الأمة العربية وتمزيقها ونهبها وتدمير بُناها وسفك دماء أبنائها، بحرب مباشرة وحروب بالوكالة.. إنها تذبحنا وتدفعنا لنذبح أنفسنا في اقتتال عقيم، ولتشويه أنفسنا وقوميتنا وديننا.. وها نحن أولاء، من خلال سياساتنا وحكامنا وتبعياتنا، نسكت على ممارسات العدو الصهيوني، ونتنازل له، ويتحالف البعض منا معه، ونشجعه على التوسع في أرضنا، والفتك بنا، وانتهاك كل محرم ومقدس من محرماتنا ومقدساتنا. وما نراه ونلمسه اليوم من اختراقات "سياسية واقتصادية" يحققها على طريق النهب والتخويف والتطبيع، ويعلي بها أمنه وهيمنته وسيادته ومصالحه فوق أمننا وسيادتنا ومصالحنا، ليس سوى بعض قمم جبل الجليد مما توغل فيه مما هو لنا ونحن، عبر ساسة وحلفاء وأتباع وعملاء شَلوا قدرة الأمة على المواجهة والتمييز، وارتهنوا قرارها وإرادتها وحاضرها ومستقبلها.. إن العدو الصهيو ـ أميركي يعزز وجوده، ويحقق الاعتراف به، وتطبيع العلاقات معه، ويفرض نفسه شريكا ولاعبا رئيسا ومهيمنا في شؤون عربية مصيرية، ولا يكف عن تغذية نار الحروب العربية البينيّة، والفتنة المذهبية المقيتة بين عرب وعرب، وعرب ومسلمين، ومسلمين ومسلمين.. ليستمر إضعافنا ويتحقق انهيارنا، ويتمكن من السيطر كليا على شؤوننا.
إن خوض معركة التحرير مع عدونا الصهيو ـ أميركي الذي يحتل أرضنا، ويوغل في ذبحنا، ويهود فلسطيننا، ويدنس مقدساتنا، ويفتت صفوفنا، ويشعل النار في جسد أمتنا.. كل ذلك لم يصبح وراء ظهور كثرة منا فحسب، بل أصبح ذكرُه والتذكيرُ به من المُستنكرات على لسان أولئك، ومن أسباب قطع الصلة بمن يذكُر ويذكِّر، ومن موجبات التحالف مع العدو، حسب ثوابت بعض الساسة وأدواتهم، وأنه من مقومات الأمن و"السلام والازدهار؟!".. كما تتلفَّظ بذلك ألسنة عربية غريبة مريبة، تدلُق كلاما سما في أسماعنا، وتحاول أن تنفذ إلى تكوين أجيالنا.. وقد وصل الأمر ببعض ألسنة الثعابين تلك إلى حد قلب الحقائق والوقائع رأسا على عقب، باتباع نهج الصهاينة المزوِّرين التاريخيين، وإلباس تخاذلهم وتآمرهم على الأمة العربية وقضيتها المركزية لَبوس الدين، في فيهقة متفيهقين مبتذلة ومرفوضة.. حيث يظهرون أنفسهم مؤمنين وغيرهم كفرة ومارقين؟!.. ولسان تلك النماذج المتهالكة على ظهور وسَند ومَسْند ومال وحضور وشهرة يقول "إنه يتوجب علينا، باسم الدين/الإسلام، أن لا نضطر الصهاينة المسالمين إلى إزهاق أرواح بعض جنودهم في أثناء إزهاق أولئك الجنود لأرواحنا نحن.. وأن علينا ألا نقاومهم في أثناء حَزِّهم لرقابنا بسكاكينهم"؟!.. فهم، حسب أولئك.. "يضحون بنا ونحن خراف إبراهيم التي نُذِرَت للفداء.."؟!.. ومن أنواع الغرائب العجائب في هذا الباب، أن يتوافق كلام هذا النوع من المتنطّعين باسم السلام والإسلام، مع قول الإرهابية العجوز جولدا مائير التي حمَّلتنا مسؤولية أنهم يذبحوننا، حيث قالت بفجور صهيوني عريق: "نحن لا نستطيع أن نغفر للعرب، لأنهم يجبروننا على قتل أولادهم.."؟! فتصوروا يا خلق الله.. تصوروا فجورا إجراميا إرهابيا بهذا الحجم، يستمر ممارسوه في العدوان والذبح مئة سنة، وتكون النتيجة أن يؤاخيهم بعض مَن يُذبَحُ أبناؤهم وتُحتلُّ ديارهم وتستباح حيواتهم وأملاكهم ومقدساتهم؟!.. وتصوروا أيضا "عربيا، مسلما؟!" يقول، بعد هذا، عن اليهود الذين يقتلون منا يوميا في فلسطين المحتلة شبابا ورجالا منذ مئة من سنين، ويحاصرون الملايين منا في غزة لأكثر من عشر سنين بهدف الإبادة، ويسجنون عشرات الآلاف من أبنائنا لسنوات تزيد على الثلاثين، من دون ذنب ولا توجيه تهمة ولا محاكمة في أكثر الأحايين، ويخرج بعض مساجيننا من سجونهم إلى المَقابر.. ويضطهدوننا في كل مكان من وطننا فلسطين، وطن الآباء والأجداد منذ ما قبل الكنعانيين وإلى أبد الآبدين بعون الله.. تصوروا يا رعاكم الله أن نفرا منا يقول: "اليهود يريدون السلام، ولا يريدون التضحية بأولادهم، وعلينا نحن ألا نقاتلهم وألا نقتلهم، بل علينا أن نسالمهم".. بمعنى نستسلم لهم، ونقر بحقهم بكل ما احتلوه من أرضنا، وما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا.. ونقدر فيهم "إنسانيتهم" فهم يقتلوننا ويشكون من أنهم يقتلوننا.؟!
يا أيها العرب.. يا أيها المسلمون.. يا أيها الناس، صاحون ومنومون، "قاتلون ومتقاتلون"، آكلون ومأكولون.. يا أيها البؤساء الضحايا المظلومون.. يا ورثة الأرض والتاريخ وحملة الهُوية وراية الدين/الإسلام.. هلموا إلى فعل منقذ مختلف عن كل ما ألفتم وما تألفون في زمنكم الرديء هذا.. تعالوا لتنقذوا أنفسكم وأبناءكم وبلدانكم وما تملكون.. مشرق وطنكم العربي، ووسطه، وبعض مغاربه، والكثير من ديار الإسلام.. أصبح مستباحا وشبه مستباح لأعداء الأمة والإنسانية والدين.. ويبدو بجلاء أن هناك اتفاقا بينهم، رغم خلافاتهم، على نقض معمار العروبة وإضعاف الإسلام، وجعل المسلمين في أتون فتنة متجددة يحترقون فيها ويتعذبون.. تنافسهم بينهم على قضم هذا الجزء أو ذاك من أرضنا، وعلى السيطرة على المنافذ والممرات الاسترتيجية البحرية والبرية وعلى الأجواء في منطقتنا، وعلى الثروات الطبيعية في بلداننا، وعلى نهب أموالنا وتدمير عمراننا، وإدامة الاقتتال المباشر أو غير المباشر، أصالة أو وكالة، فيما بيننا لنُهلك أنفسنا بأيديهم وبأيدينا وندفع تكاليف الإهلاك والانتهاك.. إنهم يتحكمون تحكما شبه تام بالقرار، وينتهكون السيادة وينهكونها ويقزّمونها، ويصنعون ساسة وسادة وقادة يُحكّمونهم ويتحكمون بهم، ويرفعونهم "ستائر" يمارسون باسمها ومن خلفها كل فعل يؤدي إلى استمرار احتلال أوطاننا وإرادتنا واضمحلال وجودنا، وتدمير أمتنا وتفتيتها، وفرض التبعية عليها، واستعمارها بصورة شاملة تامة ودائمة.. وفق تخطيط وتنسيق متفق عليهما فيما بينهم، ووفق أنصبة ومواقع ومنافع يتفقون عليها.
إن العرب مدعوون، حتى لو كانوا في الرَّمَق الأخير، إلى إعلان وتحرك إنقاذيين مصيريين، تحرك تكاتفي تكافلي مصيري يرفضون بموجبه كل وجود لأجنبي في أرضهم وكل سيطرة لهم فيها وعليها، ويعرون كل تابع لأجنبي وموالٍ له في ديارهم ويرفضونه أيا كان موقع ذاك وادعاؤه وهدفه.. إن علينا، نحنُ العربَ، وقف الاقتتال البيني، والدعوة إلى مصالحة عربية ـ عربية صادقة من خلال الحوار المسؤول، وعلينا أن نوقف تدحرج الفتنة بكل أشكالها في وطننا "مذهبية وعرقية".. وعلينا، بالحوار والوعي، أن نتفق مع إخوتنا المسلمين الذين نختلف معهم، وأن نراعي الوجود والحضور والأخوة والصداقات الحقيقية والجوار الجغرافي التاريخي للدول المستقرة زمانيا ومكانيا في هذه الأرض ـ ولا يدخل في ذلك بأي حال كيان الإرهاب الصهيوني العنصري "إسرائيل" العدو الأول للأمة العربية وللدين/ الإسلام، وللسلم والأمن والإنسانية والأخلاق والحق والعدل والقيم ـ لا صديق لنا اليوم إلا أنفسنا أيها الناس، ولا مخرج لنا من الفخ الذي وقعنا وأوقعنا فيه إلا بوعينا لذلك، واعتمادنا على أنفسنا، وتحركنا للخروج منه "بحكمة وحنكة ووعي وعقل وعلم ومسؤولية وشجاعة، وإجماع ووحدة صف وهدف".
إن على الذين يعارضون بقوة أعداء الأمة، والذين يقايضون الأرض والشعب والقضايا المصيرية والسيادة والكرامة العربية، بوجودهم "ساسة وسادة وقادة، من خلال ولائهم لغير الأمة والدين"، أولئك يدمرون السيادة ويقتلون الحرية والإبداع والأحرار والشهامة، ويقتلون ذويهم ومعارضيهم والمختلفين معهم من شعبهم.. وإنَّ عليهم جميعا أن يكفوا عن العبث بالأرواح والمقدرات والعلاقات، بالوطن والإنسان والحقوق، وبأمة لها قيمها وهويتها وتاريخها ووجودها.. إن عليهم أن يتوقفوا عن التآمر عليها وعن قتل وعيها وإبداعها وأحرارها وأجيالها، وعن تدمير مستقبلها والمساهمة في إذلالها وإنهاء وجودها أو تهميش ذلك الوجود.. وإن عليهم أن يعوا أنه لا وجود لهم "سادة وقادة وقامات وهامات وإرادات ومقامات و.." فوق وجود الأمة وخارج وجودها وعلى حساب الانتماء إليها والدفاع عنها.. هذا إن هم أرادوا أن يكونوا منها وفيها، وأن يتكلموا باسمها، وإن عليهم أن يملكوا المؤهلات المعرفية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية لكينونة من هذا النوع ودور بهذا الارتفاع.. ولذا فإن عليهم أن ينظروا في مرآة الضمير بواقعية ومسؤولية، وأن يتراجعوا عن الأخطاء والخطايا، وأن يدخلوا دائرة وجود الأمة بانتماء صادق لها واقتدار على نفعها وعلى الدفاع عنها وصدِّ أعدائها.
لن يتوقف تنافس القوى الكبرى والقوى الموجودة في ظلها وفي خدمتها على أرضنا وفي بلداننا.. فكل من أولئك يعمل وفق ما يقتضيه وجوده وترسيخ ذلك الوجود، ووفق مصالحه ونفوذه وأهدافه الوطنية والقومية، وكل يتطلّع إلى استثمار في الإعمار بعد مشاركته الفاعلة في الخراب والدَّمار وتوسيع دائرتهما، لأن توسيع دائرة التخريب والخراب تعني على الأقل توسيع دائرة الاستثمار في إعادة الإعمار وجني الأرباح بعد قتل الأرواح.!!.. أهداف الكبار متباينة لكنها قابلة للتنسيق فيما بينهم، فتوازن القوى يملي توازن المصالح أو العكس.. وهم ينجحون في التفاهم والتوافق على مقايضة مواقف ومصالح على مستوى العالم وليس مستوى بلد محدد ومنطقة معينة.. الأقوياء الكبار لا يسألون عن الأوطان ولا عن الشعوب ومصالحها، بل يحققون لشعوبهم وبلدانهم مصالحها على حساب البلدان والشعوب.. إنهم يراعون تبادل المنافع في تقاسم السيطرة على المواقع والمنافع، وفي تسوية خلافاتهم حول قضايا كبيرة وصغيرة عبر العالم باتفاقيات وتوافقت سرية وعلنية.. فمن وجهة نظرهم "العالم رقعة شطرنج واحدة للاعبين رئيسين قادرين، يحسنون اللعب وجذب التابعين والمتابعين، المريدين والمؤيدين، مَن يصفقون ومَن يُبدون الإعجاب باللاعبين، ومَن يفرحون ويهتفون عندما ترجح كفةُ هذ اللاعب أو ذاك.. ولعب الكبار ليس تسلية ولا هو نوع من العبث واللهو.. إنهم يلعبون بنا..

ولنصارح أنفسنا في مقاربة لسؤال: هل بعد هذا الخراب الذي أصابنا مَن يكتفي بما خَرَّبَ ودَمَّر وقتلَ وفرَّطَ وأباحَ واستباح، وبما ارتكب من جرائم، وشتت من شمل، وتحمل من آثام وأوزار؟!.. وهل هناك من الوالغين في الدم والفتنة مَن يكتفي بما خسرَ وخسَّر، أو بما حقق من غايات وأشبع من نزوات وكدَّس من أموال وجنى مِن أرباح"؟! هل هناك مَن راجع نفسه أو يمكن أن يراجعها ووقف أو يقف بشجاعة أمام مرآة ضميره، وحاكم أو يحاكم ذاته وتصرفاته بعقل وحكمة عدل؟!.. هل هناك مَن ندم أو توقف التآمر والمقامرة بالأرواح وعن الذبح والتجارة بالذبائح البشرية والآلام؟! إنه لا بد من ذلك لكي نقف عند عتبة تغيير يبدأ بالذات ومن ثم ينتقل للشأن العام وللآخر الشريك في الوطن والمصير والشرط الإنساني والمصير الإنساني؟! ولا بأس من حكِّ الجُرح بسؤال: هل يقدر على إيقاف المأساة المخلصون للأوطان والأمة والحق والحرية والهوية والكرامة، والآيبون إلى الصواب وحضن الوطن بوعي وإخلاص ومسؤولية.. وهم على ما هم عليه؟! وأين هم أولئك، وكم هم، وكيف أصبحوا، وكيف يفعلون فعلا منقذا في خضم هذه "الزّفَّة الدموية ـ الانتهازية ـ الإفسادية المدوية"؟!.. هل هم هنا فعلا؟! هل هم قادرون على التحرك؟! هل لهم دور؟! هل لهم رأيٌ ولسان؟! هل يُتاح لهم أن يقولوا كلمة، وأن يمارسوا فعلا منقذا حرا محرِّرا على طريق غير تدميري ولا دموي ولا انتهازي ولا تخريبي ولا تبَعي ولا..؟! هل أبقى الزاحفون والزاعقون والمتآمرون والمتاجرون بالوطنية والانتهازيون والقَتلة والإرهابيون والمحتلون وعملاؤهم وأدواتهم.. هل أبقوا لأولئك نصيبا في أوطانهم، أو رأيا وقولا بشأن أمتهم، أو هامشَ حضور فاعل في ذلك كله؟! مِن أسف شديد وحزن بالغ حدَّ اللوعة نقول: إن الدلائل لا تشير إلى ذلك، وإن المؤشرات ما زالت تخطُّ في فضاء المأساة العربية ملامح مستقبل يرسمه مَن صنعوا المأساة واستثمروا فيها، ومن تربعوا على جثث الشهداء، ورفعوا الأوطان والأمة ويرفعونها شعارا.
فلننهِ الاختلاف أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الضُّعفاء والمُستضعفون، أيها المحاصرون بالجوع والقهر والموت، أيها الزاحفون على بطونكم وراء لُقمة عيش وشربة ماء، أيها الغارقون في دمكم ورعبكم وشقائكم وبؤسكم، المتزاحمون في ميادين المعارك بالوكالة أو بالأصالة.. توقفوا وتبصروا وتدبروا أموركم ومصائركم.. فلتتوقف شلالات الدم، وليكن الإنسان "موقفا وخُلُقا وقيمة" كما يليق بالإنسان أن يكون، ذلك الذي خلقه الله في أحسن تقويم وأراد له أن يكون.. ولنكن نحن، أيها العرب والمسلمون خاصة، نحن المستهدفون من العنصريين والصهاينة والمتصهينين والمستعمرين وأعداد الإنسانية.. كما يليق بنا وبأمتنا أن نكون وأن تكون.. إنه لا يليق بنا وبأمتنا أن نكون تبعا، ولا راجلين في ركاب راكبين، ولا محاربين لأنفسنا وهويتنا وديننا نأتمر بأمر مأمورين يحكمهم أعداؤنا، ولا يجوز أن نخوض بدمنا لنرضي أعداءنا وتابعيهم والمتآمرين والإرهابيين.. إن ذلك لا يليق بنا، ولا بأمتنا التي لها تاريخ وحضارة وهوية وعقيدة.. وإن تضحياتنا ينبغي أن تكون من أجل كلِّ ما ينقذنا ويرفعنا ويخلصنا ويخلص خلق الله مِن العنصرية والظَّلَمة والمستبدين، من التبعية والانصياع للأعداء وللأقوياء المصابين بأمراض العظمة وبسرطان ادعاء التفوق العرقي.. وأن يكون عملنا لتحرير أنفسنا وإرادتنا وقرارنا وجعل أمتنا سيدة في أرضها، ذات نهضة حضارية، وقيم أخلاقية وإنسانية رفيعة، وخصوصية وفرادة.
والله من وراء القصد.