[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/03/must.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد مصطفى[/author]ينذر تكرار الهجمات الإسرائيلية بالطائرات المسيرة على مواقع في العراق وسوريا ولبنان في الأيام الأخيرة بتصعيد خطير لما يمكن تسميته "حرب الدرون" في المنطقة، والتي بدأت مقدماتها بهجمات المسيرات التي تشنها جماعة أنصار الله على السعودية في الأشهر الأخيرة. ومن الطبيعي أن يربط المحللون والمعلقون بين هذا التصعيد وبين الأزمة المحتدة بين إيران من ناحية والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى، خصوصا وأن كل تلك الهجمات إما تأتي من أو تستهدف جماعات مرتبطة بإيران من الحوثي في اليمن إلى الحشد الشعبي في العراق مرورا بحزب الله في لبنان والعراق والجماعات المماثلة في سوريا. وبما أن إيران تملك القدرة على تصنيع وتوريد أنواع الدرون المطورة التي يمكن تسليحها، تبقى طرفا رئيسيا في مقابل القوة الأخرى التي تملك تلك التكنولوجيا بدرجة أسبق من إيران وهي إسرائيل. إذ كان الإسرائيليون أول من طور فكرة الدرون للاستخدامات العسكرية (في الاستطلاع والتجسس بداية) في سبعينيات القرن الماضي.وخطورة حرب الدرون أنها غير مكلفة كثيرا، فلا تتجاوز كلفة الواحدة بضعة آلاف بينما الطائرة العسكرية تتكلف ملايين الدولارات، إضافة إلى أن الدرون القتالية يتحكم بها الطيارون من على الأرض وعن بعد فلا خطر من فقدان الطيارين العسكريين في القتال. ثم إن تطوير الدرون من الاستطلاع إلى حمل قنابل دقيقة التوجيه لقتل أشخاص أو قصف أماكن محددة صغيرة النطاق إلى تحميلها بالمتفجرات لتصبح "درون انتحارية" تنفجر بالاصطدام بالهدف يجعلها سلاحا قابلا للتوسع في الاستخدام دون قواعد حرب تقليدية ولا قيود دولية أو تنظيمية. ومع توقعات استمرار التوتر في المنطقة، لا يستبعد أن توسع إيران وإسرائيل استخدامهما لتلك الوسيلة القتالية التي لا تعني حربا بالمعنى التقليدية ولا تعني وقف الصراع في الوقت نفسه. وتلك الوسيلة للأمثل لما سبق ووصفناه في مقالات سابقة "الصراعات الممتدة منخفضة الكثافة" Protracted Low-Intensity Conflicts (PLICs) التي تميز ما يجري في مختلف البقاع الساخنة في المنطقة.صحيح أن استخدام مركبات جوية بدون طيار في عمليات حربية ربما يعود إلى القرن قبل الماضي، وكان النمساويون أول من استخدم بالونا يطير بالهيليوم منتصف القرن الماضي حسب ما يذكر تاريخيا. أما أول استخدام للدرون في عملية قتل مستهدف فكانت المحاولة الأميركية الفاشلة لاغتيال بن لادن في أفغانستان مطلع القرن الحالي. لكن ما يجري في منطقتنا الآن يعد مرحلة جديدة من استخدام الأجيال الجديدة من المسيرات المعدلة والمطورة لتقوم بمهام حربية تتجاوز قتل شخص عن بعد أو قصف سيارة أو منزل. وتجد الأطراف المعنية، خصوصا إيران وإسرائيل، فرصة لتجريب إنتاجها من هذا السلاح الخطير وفي الوقت نفسه إحراز نقاط في الصراع والتوتر الحالي في المنطقة ـ حتى لو انتهى كل ذلك بمفاوضات، فليعلم كل طرف ما بيد الآخر من أوراق مناورة ومنها الدرون الحربية.يكاد يكمل التوتر الحالي، واستخدام السلاح الجديد من المسيرات الحربية، ما يمكن وصفه "دائرة النار" التي تبدأ من باكستان وتنتهي فيها بعد دورة تشمل أهم مضيقين في المنطقة: هرمز وباب المندب. كتبت هنا في هذه الزاوية قبل سنوات عن "قوس النار" الممتد من أفغانستان إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا وذكرت أن الحلقة الباقية في ذلك القوس وقتها هي إيران. وذكرت أن الهدف من ذلك القوس هو إبقاء المنطقة مشتعلة دون احتراق ودون هدوء تحت "البطن الرخو" لروسيا والصين. والآن، جاء الدور على إيران، ليس لإكمال القوس بل ربما لإكمال الدائرة، بما يعنيه من "تسخين" الخليج والبحر الأحمر وربما أيضا إبقاء جذوة رماد الصراع في السودان ومصر (مع سخونته في الصومال وليبيا بالفعل). ومع أن المنطق يقول إن دائرة النار تلك إنما تحيط بإسرائيل، التي لا يسعى الأميركيون والغرب إلا لحمايتها والحفاظ على أمنها، فإن ذلك لا يعني المصلحة في إكمال الدائرة التي تبقي إسرائيل في قلبها ذات ريادة وسيطرة على البقية. ويشبه ذلك إلى حد ما طريقة تجارة الأدوية التي لا تشفي ولا تقتل وإنما تحافظ على المرض والمبيعات والأرباح، وتملك إسرائيل ناصية تلك التجارة "الأمنية" وفي مقدمتها الدرون الحربية.مع ذلك، من الصعب تصور أن يعيش من هم داخل دائرة النار بعيدا عن شررها حتى لو كانت منخفضة الاشتعال، أو على الأقل سخونتها الشديدة. نعم، ربما تحصن الجميع لحماية أنفسهم من تلك الصراعات أمنيا وعسكريا، لكن هناك تبعات أخرى ليس أقلها أهمية التبعية الاقتصادية من الافتقار إلى الاستثمار وتعثر التجارة وغيرها التي يمكن أن يكون تأثيرها ضارا بشدة أيضا. وإذا كانت إسرائيل تملك وسائل الحماية الأمنية والعسكرية فإنها لا تملك ما يدفع الضرر الاقتصادي، ناهيك عن التأثيرات الأخرى التي قد لا يلقى لها بال الآن لكنها تظهر بمرور الوقت. لذا، يقع على عبء الدول الرئيسية في المنطقة العمل وبسرعة ليس فقط لخفض التوتر ولكن أيضا للتوصل إلى سبل مشتركة لمنع تصعيد حرب الدرون. وليبدأ عقلاء المنطقة بإطفاء بقعة واحدة في الدائرة ثم استخدامها مسودة لإطفاء بقية دائرة النار.د. أحمد مصطفى