فنّدت جدلا وأكدت آخرمتابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :حاولت ندوة "الصحابي مازن بن غضوبة الطائي أثره ورؤيته الفكرية" التي أقيمت مساء أمس الأول بالنادي الثقافي تفنيد الجدليات التي كانت وما زالت تثيرها أفكار العامة حول وجود الشخصية من عدمها وحول مكان ميلاده ووفاته وهل هو فعلا أول من أسلم من أهل عمان ؟ وماهي أهم الشواهد التاريخية الدالة على تاريخ مفقود في فترات مختلفة منه، والكثير من التساؤلات التي حاولت الندوة من خلال نخبة من الباحثين المتخصصين تقديم الدلائل والإشارات وتسليط الضوء على السيرة والرؤية الفكرية للصحابي الجليل وخدمته للعلم والمجتمع.بدأت الندوة التي قدمها الدكتور سيف الهادي بكلمة افتتاحية للجنة المنظمة للندوة قدمها الدكتور إبراهيم بن يحيي البوسعيدي عضو مجلس إدارة النادي الثقافي وقال فيها :تاتي هذه الندوة ضمن الأهداف التي يرمي النادي الثقافي الى تحقيقها في ابراز الاعلام العمانية والاسهامات التي قامت بها لخدمة عمان خصوصا والإنسانية عموما في شتى المجالات، الندوة تحمل عنوان مازن بن غضوبه أثره ورؤيته الفكرية حيث ارتبطت هذه الشخصية في التاريخ العماني بطابع خاص واتصفت بمزايا كثيرة فكما هو معلوم تعد اول شخصية عمانية اقترنت بالإسلام بحسب المصادر التاريخية وحظيت بشرف لقاء سيد البشرية عليه السلام، لقاء برز فيه معدن مازن، فحبه العظيم لوطنه جعله لا ينسى عمان وأهلها في الحضرة النبوية فينتهز الفرصة و يطلب الدعاء لعمان واهلها، دعاء عمت خيراته ارض الغبيراء الى يوم المعاد، عاد مازن من الحجاز شخصية أخرى، اصبح الان داعية ورسول رسول الله الى اهل عمان،فبنى المسجد وحطم الاغلال وحرر العقول وبشر النفوس، فانجذب اليه جمع كثير دخلوا في دين الله افواجا، اقترن به ذهاب وفود كثيرة الى لقاء النبي عليه السلام معلنة اسلامها. وهكذا هيأ مازن ارض عمان لقبول الإسلام فكانت رسالة الرسول الى ملكي عمان تتويجا لجهود مازن في سبيل نشر الإسلام. على ان دور مازن ورسالته لم تقف عند هذا الحد وانما عمل على نشر الإسلام في ربوع الأرض فشارك في الفتوحات الإسلامية كما اسهم أبناؤه واحفاده في خدمة الإنسانية من خلال نشر العلم في المناطق التي انتشر فيها الإسلام.بعدها بدأت الندوة بورقة ركزت حول "الحياة الاجتماعية في عمان في عصر الصحابي مازن بن غضوبة" قدمها الدكتور محمد بن ناصر المنذري حيث تناولت المكان والزمان الذي عاش فيهما الصحابي مازن بن غضوبة فالمكان هو عمان بجغرافيتها في ذلك العصر، فعمان كانت ذات استقلال سياسي، فهي مملكة تقع في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية، تحتل عمان موقعاً متميزاً، وتميز موقعها يكمن في أنها بوابة الوطن العربي من الجهة الشرقية، حيث تعد منطقة رأس الحد آخر نقطة فيه.وأضاف "المنذري" موطن الصحابي الجليل مازن بن غضوبة مدينة سمائل وهي إحدى مدن وولايات عمان ذات التاريخ والمجد العريق تقع في داخلية عمان، واليوم إحدى ولايات محافظة الداخلية، خرجت طوال تاريخها الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين، أما الزمان فكان زمن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أي في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي.وتطرق "المحاضر" إلى مكانة الصحابي مازن بن غضوبة الأسرية والقبلية وهي مكانة رفيعة ومن قبيلة عربية كبيرة هي قبيلة طي التي لها انتشار واسع في الجزيرة العربية، وكان رجال الدين هم أعلى طبقات المجتمع مكانة ومنزلة لأنهم يعدون ألسنة الآلهة الناطقة على هذه الأرض فلذا كان الصحابي مازن بين قومه قبل أن يعتنق دين الإسلام من هذه الطبقة العلية في العرف الجاهلي.كما عرج "المنذري" إلى الدين في المجتمع العماني قبل الإسلام والأوضاع المعيشية في عمان في عصر الصحابي مازن بن غضوبة حيث كانت عمان في تلك الحقبة من التاريخ في ازدهار معيشي ففيها التجارة والزراعة والصناعة مما كان لها الأثر في أن تكون عمان بأسواقها الشهيرة محل اهتمام عرب الجزيرة العربية وغيرهم.واستعرض "الباحث" عمل ومكانة كل من الرجل والمرأة في عصر الصحابي مازن بن غضوبة فعمان هي من البلاد الحضرية التي اشتغل أهلها بالزراعة والتجارة والصناعة وعرف رجالها بركوب البحر واشتهروا بالملاحة ومكانة الرجل في تلك الحقبة هو السيد المطاع ولم تكن المرأة لها نفس التقدير والإجلال حتى جاء دين الله القويم فرفع مكانة المرأة، كما قدم سردا وافيا حول العادات والتقاليد السايدة في المجتمع العماني في ذلك العصر وعمان هي جزء من البلاد الحضرية في الجزيرة العربية فيسري فيها ما كان سائدا في ذلك الزمان فالمجتمع ينقسم إلى طبقات حيث كان الناس يعاملون حسب منازلهم ودرجاتهم، حتى في الثأر كان القتيل لا يقتل قاتله المباشر ولكن يأخذ القصاص بمن يكافئه في المنزلة حتى أبطل الأسلام هذا السلوك وكذلك في الزواج فالمرأة لا تزوج إلا بمن يكافئها في النسب.بعد ذلك قدم الدكتور بدر بن هلال العلوي رئيس قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس المحور الثاني للندوة بعنوان "مازن بن غضوبة نسبه وحياته" والذي أشار فيها إلى أن الصحابي مازن بن غضوبة الطائي يعتبر أول من أسلم من أهل عمان حسب رواية المؤرخين والذي كان أحد الأشخاص المشهورين في مدينة سمائل حيث كان سادنا لصنم يعبده اسم (ناجر او باجر) ويعبده بنو خطامه وبنو الصامت من طي، كما عرّج البحث أيضا إلى العديد من الجدليات حول مولده ونسبه، وحياته في الجاهلية، وحياته بعد إسلامه،أثره في نشر الإسلام في عمان، ثم وفاته التي لم تحدد مكانا وزمانا جازما بها.فيما قدم الدكتور المكرم إسماعيل الأغبري عضو مجلس الدولة المحور الثالث بعنوان "إسلام مازن بن غضوبة وأهل عمان"واستعرض مقومات الحقبة السالفة وأسقطها على بعض المقومات الحالية سياسيا وإجتماعيا.في حين اختتم الدكتور راشد الحارثي عميد كلية العلوم الشرعية للشؤون الإدارية والمالية الندوة بتقديم المحور الرابع الذي تناول فيه "أسرة مازن بن غضوبة في خدمة العلم" حيث تحدث البحث عن عائلة مازن بن غضوبة الذين اشتهروا بالعلم وأسهموا في الحضارة الاسلامية عاى مدى العصور وقد بدا الحديث بقصة اسلام مازن بن غضوبة التي تناقلها علماء الحديث وتراجم العلماء عبر العصور وما روي عن مازن من حديث وكذلك من أسرته ومن في حكمهم مثل صالح بن المتوكل. ثم تتبعت "الورقة" من نسب الى مازن من ذريته من اهل العلم والذي وجد فيها الباحث له تراجم في كتب الرواية يزيد عن اثنتي عشرة شخصية من احفاده بدءا بحرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن وأولاده وأحفاده.وقال المحاضر : كان من أشهر أحفاد مازن علي بن حرب الذي ترك آثارا جليلة من رواية حديث وادب وشعر كما يظهر ذلك في ثنايا البحث وكذلك أشهر أحفاد مازن البعيدين هم احفاد علي بن حرب، فقد رويت لهم آثار جليلة أشهرهم أبو جعفر محمد بن يحيى الذي روى روايات عن جده علي بن حرب وقد عرف عن أحفاد مازن الورع والتقوى والسفر في طلب العلم مثل حرب بن محمد بل كان يصطحب ابنه علي في ذلك لتربيته على الجد والاجتهاد والجهاد في سبيل الله خصوصا في الدفاع عن ثغور دولة المسلمين مثل أحمد بن حرب وللبعض منهم انتاج ادبي مثل ما يروى عن مازن من شعر وما يروى عن حفيده علي بن حرب، ومنهم اشتهر في علم القياس والظاهر هو علم تخطيط المدن مثل حرب بن محمد الذي استفاد منه الخليفة المامون في ذلك.وقد شهد ختام الجلسة نقاشا واسعا من الحضور وسجالا طالب المحاضرين بتفنيد الجدل في بعض الجوانب، وقد قدم المحاضرون إجابات تفصيلية حول تلك المطالبات الا انها خلصت إلى إبقاء ما هو قائم حتى تدحضه الدراسات بالحجة، فيما أكد البعض على ان الجهل في تفاصيل هذه الشخصية وقلة المصادر أسهم في عدم الإلمام التام بحقيقتها وبالتالي إثارة جدل لا ينتهي، وطالب الحضور بالمزيد من الدراسة في هذا المجال.