د. بدر بن جمعة المسكري:
الشركة كشخص اعتباري يجب أن تحمل جنسية دولة ما، وهذه الجنسية يجب أن تكون مستقلة عن جنسية الشركاء المؤسسين لها، حيث إن شخصية الشركة مستقلة عن شخصية باقي الشركاء. ويعرف الفقهاء الجنسية بأنها رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، وهذه الرابطة تقوم على أساس الشعور بالولاء والانتماء بين الفرد والدولة، وهذا الولاء قد لا يتصور وجوده لدى الشركة كشخص اعتباري؛ لذلك ذهب رأي قديم في الفقه بعدم الاعتراف للشخص الاعتباري بالجنسية حيث لا يتصور وجود الولاء والعاطفة لدى الشخص الاعتباري. ولكن هناك رأي حديث يرى خلاف الرأي الأول حيث يرى أن الشخص الاعتباري يمكن أن يتمتع بالجنسية؛ وذلك لأن الجنسية تقوم على التبعية، وهذه التبعية قد تكون من الشخص الطبيعي أو من الشخص الاعتباري. وعليه فالشخص الاعتباري يتمتع بالجنسية لخضوعه لقوانين تلك الدولة، حيث إن هذا القانون الذي تنتمي إليه الشركة بجنسيتها ينظم أمورها من لحظة نشأتها إلى انتهائها من حيث الحقوق والواجبات.
وهناك عدة معايير تتبناها الأنظمة القانونية المختلفة والتي على أساسها تستطيع الشركة أن تكتسب الجنسية، مثل معيار جنسية الشركاء حيث إن مفاد هذا المعيار الرجوع إلى جنسية الشركاء في الشركة، فإذا كانت جنسية الشركاء هي الجنسية العمانية فتكون الشركة عمانية. والمعيار الآخر الذي ناقشه الفقه هو معيار مركز الإدارة الرئيسي الذي ينظر إلى مكان انعقاد اجتماع الجمعية العمومية للشركة أو مكان الإدارة المالية والإدارية والفنية للشركة حيث إن مركز الإدارة الرئيسي هو العقل الموجه للشركة، ويبدو أن هذا المعيار هو الأكثر قبولاً ورواجاً بين الفقهاء.
وهناك معيار آخر وهو معيار دولة التأسيس ومفاد هذا المعيار النظر إلى مكان تأسيس الشركة أو تسجيلها فإذا تم تسجيل الشركة في سلطنة عمان فإنها تُعدُّ شركة عمانية وفقاً لهذا المعيار. وكما اقترح بعض الفقهاء معيار مركز النشاط أو الاستغلال ففي هذا المعيار يتم النظر إلى المكان الذي تمارس الشركة فيه نشاطها بصرف النظر عن أي معايير أخرى، فعلى سبيل المثال لو مارست شركة مسجلة في الكويت نشاطها في السلطنة فإنها تعد شركة عمانية وفقاً لهذا المعيار.
وعند قراءة قانون الشركات العماني السابق وتحليله نجد أن المشرع العماني لم يتعرض للأسس أو المعايير التي من خلالها تكتسب الشركة للجنسية العمانية، إلا أن قانون الشركات الحالي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 18/2019 قد نص في المادة 12 على الآتي (كل شركة تؤسس في السلطنة تكون عمانية الجنسية، وتتمتع بالمزايا التي يقررها هذا القانون. ويجب أن تتخذ السلطنة مركزاً رئيسياً لها، ولها أن تتخذ فرعاً أو أكثر داخل السلطنة أو خارجها). ويتضح لنا عند تحليل النص وقراءته بشكل فاحص وعميق أن المشرع العماني في القانون الحالي قد نص بشكل صريح على المعايير التي بموجبها تكتسب الشركة الجنسية العمانية وهما معيار دولة التأسيس ومعيار مركز الإدارة الرئيسي، فكأن المشرع العماني قد تبنى معيارا صريحاً ولم يترك الأمر لاجتهاد الفقه والقضاء مقارنة بالقانون السابق وهذا أمر يستحق الثناء والإشادة. إلا أن الصعوبة تظهر في تفسير هذه المادة حيث إنها تحتمل أكثر من تفسير، فالتفسير الأول هو أن المشرع العماني قد عد الشركة عمانية بمجرد تأسيسها في عمان بصرف النظر عن المكان الذي تتخذه الشركة مركزاً رئيسياً لها. وهناك تفسير آخر وهو أن المشرع قد اشترط توافر المعيارين معاَ وهما معيار دولة التأسيس ومعيار الدولة الذي تتخذ فيها الشركة مركزاً رئيسياُ لها.
وقد يكون هناك تفسير آخر محتمل وهو أن المشرع العماني قد تبنى معياراً واحداً وهو معيار دولة التأسيس، وما اتخاذ الشركة لسلطنة عمان مركزاً رئيسياً لها إلا أحد الالتزامات المفروضة على الشركة. ويبقى السؤال بعد ذلك ماذا لو تم تأسيس الشركة داخل السلطنة، ولكنها لم تتخذ السلطنة مركزاً رئيسياً لها، ماهي النتائج المترتبة على ذلك؟
ولا شك أن الجنسية التي تكتسبها الشركة ضرورية في معرفة حقوق والتزامات الشركة، فعلى سبيل المثال تعد معرفة جنسية الشركة مهمة في تحديد القانون الواجب التطبيق على الشركة حيث إن الشركة تخضع لقانون البلد الذي تحمل جنسيته.
وفي الختام، يتضح من خلال ما ذكر سلفاً أهمية اكتساب الشركة لجنسية دولة ما وذلك لمعرفة الحقوق والتزامات الشركة تجاه الدولة التي تحمل جنسيتها. يُحمد للمشرع العماني في القانون الحالي نصه صراحة في المادة 12 على المعايير التي بموجبها تكتسب الشركة الجنسية العمانية وعدم ترك الأمر لاجتهاد الفقه والقضاء إلا انه كان من الأفضل لو صاغ المادة بطريقة أكثر وضوحاً بحيث يزول اللبس والغموض عند تفسيرها.

*مساعد العميد للدراسات العليا والبحث العلمي
كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس
[email protected]