[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]بالوقائع ذات الأدلة الدامغة، تختزن الذاكرة السياسية العربية الكثير من التنصل والنكوس وتفكيك الشراكات، بل والضياعات المتعمدة للعديد من التعهدات والاتفاقيات، ليس فقط في إطار الأعراف والمعايير التضامنية المبدئية، وإنما أيضا ضمن نصوص تم الاتفاق عليها خلال مؤتمرات قمة، أو اجتماعات مسؤولين من مختلف صنوف الحقائب الوزارية، أو يمثلون درجات أعلى، أو أوطأ في السلم الوظيفي العام لهيئات عربية رسمية وأهلية نشأت على أساس تلبية الحاجات القومية.لقد تم توظيف المزيد من الاهتمام لصالح أغلب تلك التعهدات بهدف أن تكون فتحا لمستقبل عربي يستنسخ على الأقل وقائع تكتلات إقليمية تتواصل نموا في الساحة الدولية، بأمل أن تضع حلولا غير مسبوقة تلبي تطلعات شعوب المنطقة برمتها على طريق السلام والعدل والحقوق المتضامنة، بل وهناك تعهدات أخرى اشتغلت الدول العربية عليها أيضا بوصفها جزءا من المنظومة الدولية على أساس التضامن المناطقي والإقليمي بموجب ميثاق الأمم المتحدة في مقاصدها النبيلة التي جاءت مقدمةً لميثاقها العتيد، ويمكن الاستدلال على ذلك من العلاقات العربية التي كانت قائمة مع إيران وتركيا ودول الحزام الإفريقي على المستويين، الثنائي، والعام، وإن تخللتها بعض التوترات وليس كما هو الحال في الوقت الحاضر.السؤال هنا: أين هي الآن أغلب تلك الحزمة من التعهدات؟ وكيف انتهى بها المطاف تحت طائلة الخمول، أو قل النسيان؟ ولماذا بعضها يغطيه الغبار السياسي؟ بل أين مضمون بنود ميثاق جامعة الدول العربية 2 و3 و4 و5 و6 و7 و8 من أصل المواد العشرين للميثاق التي على أساسها بدأت الجامعة عملها منذ عام 1945؟ ولماذا تتصدر الخصومات الآن في منافسة غير عادلة ضد التضامن والعدل والمصالح المشروعة؟ ولماذا حل الحقن المذهبي الحصصي والاثني والمناطقي بدل الأواصر؟!إن مجرد وضع مقارنة بين هذه المواد المشار إليها والوضع العربي على الأساس السائد ضمن قاعدة العلاقات العربية ـ العربية، وكذلك بينها وبين دول الجوار، فستجد أي بون شاسع يقطع الطريق على فرص تطبيق تلك المواد بأهدافها المتوخاة، وكيف هو الواقع الآن من تنصل يملي شروطه في تكريس القطيعة والتنابز والملاحقة التشكيكية والاستعداء، وتصنيع المزيد من الأطلال للوعود القومية.الخلاصة، إن العالم العربي يتعايش الآن على حافات أزمات متداخلة تنبئ بالمزيد من المخاطر الإضافية، حرب (على وفي) أكثر من ساحة عربية، وأموال طائلة تهدر على السلاح وسط تضليل إعلامي غير مسبوق لتشويه الحقائق الميدانية بألسنة إعلاميين وقادة رأي وسياسيين لتكريس الخبث المسؤول عن خلط (الحابل بالنابل).إنها صور مأساوية حقا، صور يظل الاقتراب منها محفوفا بالمزيد من الأسئلة المدجّنة، المركونة جانبا، لكي لا يتم التصدي لها، والمفارقة أن المياه السياسية العربية الموصوفة بالراكدة حاليا، هي مياه تغلي على مدار الساعة، وبين الغليان والركود تتلظى الذات العربية، فأي محنة أشد من ذلك؟ وأي حافة أمهر من حافة التماهي بين الشعور بالسقوط وأمل النجاة؟إن فرصة الوصول إلى الشاطئ لم تتبدد تماما، ولكن ليس من الحكمة أن نظل نتلهى بالأسئلة، تحضرني هنا فطنة الملاح العربي ابن ماجد، أجزم أنه كان يتحرك على مناصفة شديدة النباهة، عين على قاع السفينة، وعين على الشراع والباقي توابع، أجزم أيضا أن ابن ماجد كان يختبر نفسه قبل أن يختبر هول أمواج البحار والمحيطات، بل وتحضرني أيضا التوصيتين البريطانيتين، أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، وعليك أن تقس مرتين لكي تقطع مرة واحدة، وفي كل ذلك الأمل مؤلم في بعض الأحيان، ولكن ليس في اليد إلا انتظار أن نلتقط الفرصة مع حقيقة أن المتاح من الخير والسلام في الضمير العربي ليس قليلا أصلا.لقد أمعن مغرضون عراقيون يناكدون بلادهم في تأليف مغالطات ظالمة من خلال القول (العراق ما تصير له جاره)، بمعنى فصيح، لا يمكن إصلاح الشأن العراقي، وتتكرر هذه الصورة في لبنان، وذات الصورة على الصعيد العربي العام، وللحقيقة أن هؤلاء المغرضين يتماهون مع هذا الحيز المشوه من الواقع وكأنه قدر لا بد منه لتسويق القطيعة في حين أنه استثناء استطال بغير وجه حق.