تجسيدا لواقع التراث وتنوعه ..صور ـ الوطن:تجسيدا لواقع التراث العماني الفريد، وانطلاقا من مبدأ المحافظة عليه ونقله للأجيال بصوره المتعددة، لا تزال قرى منطقة وادي بني جابر بولاية صور تقدم تواصلها الثقافي في فنون الرزحة وأشكالها المتعددة، حيث التجمع الاستثنائي لأهالي هذه القرى بين حين وآخر لإبراز خصوصية هذه الفنون وجمالياتها. قرية حلم، هي إحدى قرى هذا الوادي والتي استضافت مؤخرا أمسية ثقافية فنية لفنون الرزحة العمانية الأصيلة، حيث حضر هذا التجمع جمع غفير من أبناء قريتي "حلم" و "حول"، ضمن تجمع دوري لبرنامج تم التنسيق له مسبقا من قبل أهالي القريتين لإحياء هذا الموروث وتقوية الروابط الأسرية الاجتماعية بين السكان التي تجمعهم منذ عقود. وقد تحاور في هذه الأمسية الفنية شعراء القريتين ارتجالا مثلما هو معروف فن الرزحة، فكانت المحاورة الأولى بين الشاعرين حارث بن محمد الصلتي وسالم بن جمعه الصلتي وكانت في فن (اللال الطويل) والذي هو على بحر الرجز ، ثم بعد ذلك انتقلت المساجلة بين الشاعرين احمد بن خلفان الصلتي ونبهان بن مسعود الصلتي وكانت على (لال المثل) أو ما يسمى أيضا بـ"المربوعة"، تخلل ذلك تقديم القصافي العماني في صور فنية متنوعة. في هذا الإطار يقول الشاعر نبهان بن مسعود الصلتي وهو أحد الشعراء البارزين في فن الرزحة بوادي بني جابر والشعراء العمانيين الذين أوجدوا بصمة واضحة على مستوى الساحة العمانية والخليجية: كل أمّة ذات تاريخ حضاري لابد أن تقوم على إرث ثقافي تواجه به تقلبات الحياة وتستمد منه صور حضارتها وتفاصيل تاريخها العريق، والسلطنة من الدول التي كان لها حضور تاريخي في كل حقب التاريخ، وهذا يجعلها غنيّة بالكثير من الثقافة والإرث الانساني الذي له جذور بكل الحقب الزمنية التي مرّت بها، كما أن الفنون التقليدية العمانية مثلها مثل العادات والتقاليد والحكايات، وكل الثقافة المجتمعية الموروثه دائما هي صوت الماضي الذي يخبرنا عن تفاصيله الدقيقة ويستعيد لنا الانسان العماني قديما وثقافته الشعبيّة وصور حياته اليوميّة.ويضيف الشاعر نبهان الصلتي: من بين الفنون التقليدية التي تتميّز بها السلطنة دون سواها فن "الرزحة" ومصطلح الرزحة له الكثير من الأبعاد منها الرزانة والتوازن والرفعة والرقي وغيرها من المعاني المختلفة في اللسان العربي، ويمارس فن "الرزحة" في أغلب مناطق السلطنة مع بعض الاختلافات الصغيرة في التفاصيل من محافظة الى اخرى، ولكن عموما هي لا تختلف في المبدأ العام والتفاصيل الاساسية وأوقات إقامتها التي هي مناسبات الأعياد والأفراح وأيضا ابتهاجا بالزيارات بين القبائل، وفي ظل النهضة الحديثة لا تزال الرزحة حاضرة بتوجها وبشكل منظّم، فأسست الفرق الشعبية المختصّة بهذا الفن ولا ننسى دور وزارة التراث والثقافة أيضا في إسهامها بذلك من خلال إقامة المسابقات وتسليط الضوء على هذا الارث الاصيل، فعادت الرزحة أكثر نشاطاً وتوهجاً وعاد الرجل العماني يستعيد تاريخه ويجعله نافذة على الماضي ومعبراً للمستقبل فالأمم تتكئ على ماضيها للصعود للاعلى، ولم يطرأ الكثير من التجديد والتطوير على الرزحة عدا ما يفرضه الواقع الاجتماعي كالألحان والمفردة التي تتماشى مع الوضع الاجتماعي الحالي، ولكن حتى هذا التجديد يصاحبه الكثير من الحذر حتى لا تفقد الرزحة ملامحها الاصيلة التي اكتسبتها من بصمة ماضيها وامتداد حضارتها عبر التاريخ.