محمود عدلي الشريفقدم وفد بني عامر بن صعصعة، كما في الروض ـ وهو من قيس عيلان ـ عليه (صلى الله عليه وسلم)، قال ابن إسحاق لما فرغ أي: رجع من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت, ضربت، أي: سارت إليه وفود العرب، فدخلوا في دين الله أفواجًا، يضربون إليه من كل وجه، (انظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 5/ 130)، وقال ابن كثير: الظاهر أنها متقدمة على الفتح، وإن ذكرها ابن إسحاق والبيهقي بعده، قال: قدم وفد بنى عامر على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كان منهم أربد بن قيس (وأربد) بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الموحدة ومهملة, ابن قيس بن جزء، وخالد بن جعفر, وحيان بن أسلم بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي العامري، كان يقال لأبيه: سلمى نزال الضيف، وأسلم جبار بعد ذلك وصحب ـ رضي الله عنه، كما في ابن إسحاق وغيره، وكان هؤلاء النفرـ لفظ ابن إسحاق: رؤساء القوم وشياطينهم ـ أي: عتاتهم، فكل عات متمرد، من جن وإنس ودوابّ شيطان، كما في المصباح المنيرـ وكان فيهم عامر ابن الطفيل. فقدم عامر بن الطفيل ـ عدو الله ـ ابن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وهذا صريح في أن قصته كانت بعد الفتح على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهو يريد الغدر به، وقد قال له قومه: يا عامر، إن الناس قد أسلموا فأسلم. قال: والله لقد كنت آليت ألا أنتهى حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش! ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل، فإني سأشغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف. فلما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال عامر بن الطفيل: يا محمد، خالني ـ أي: انفرد لي خاليًا حتى أتحدث معك ـ قال: لا والله حتى تؤمن بالله وحده. قال: يا محمد، خالني. وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد لا يحير شيئاً ـ أي لا يصنع شيئًا, ويبست يده على السيف، فلم يستطع سلّه. فلما رأى عامر ما يصنع أربد، قال: يا محمد، خالني خالني: أي تفرد لي خاليا أتحدث معك، قال: لا، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له. فلما أبى عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً، قال: ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال: "لك ما للمسلمين, وعليك ما عليهم، قال: أتجعل لي الأمر بعدك، قال: ليس ذلك لك، ولا لقومك, ولكن لك أعنة الخيل، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، أتجعل لي الوبر ولك المدر؟ قال:لا، فقام عنه وقال: والله لأملأنَّها، أي: المدينة عليك خيلًا، زاد في رواية: جروًا "ورجالًا", زاد في رواية: مردًا, ولأربطنَّ بكل نخلة فرسًا، فقال (صلى الله عليه وسلم): يمنعك الله، فلما ولى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اللهم اكفني عامر بن الطفيل. زاد في رواية: بما شئت وابعث له داء يقتله واهد قومه، فلما خرجوا من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال عامر لأربد: ويلك يا أربد! أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك، وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال: لا أبالك! لا تعجل علىّ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره، إلا دخلت بيني وبين الرجل، ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟ ـ والمعنى: إن الله تعالى منع أربد عن رسوله بإراءته صورة صاحبه بينهما. قال في الروض: وفي رواية غير ابن إسحاق: إلّا رأيت بيني وبينه سورًا من حديد، وفي رواية: لما أردت سل سيفي، نظرت فإذا فحل من الإبل فأغرفاه بين يديّ يهوي إليَّ، فوالله لو سللته لخفت أن يبلغ رأسي، وجمع بأن ما في الرواية الأولى بعد أن تكر منه الهم، وما في الثانية بعد أن حصل منه هم آخر، وكذا يقال في الثالثة، (ولما كانوا ببعض الطريق) بمكانٍ يقال له: الرقم ـ بفتح الراء والقاف, موضع بالمدينة ـ وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من بنى سلول ـ والمتبادر من ذا السياق قتله سريعًا، ووقع في رواية، فمكث الرسول (صلى الله عليه وسلم) يدعو عليه ثلاثين صباحًا ـ ثم خرج أصحابه، حين واروه، حتى قدموا أرض بنى عامر شاتين، فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شئ والله، لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن، فأرميه بالنبل حتى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين، معه جمل له يتبعه، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة، فأحرقتهما. وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه (انظر الموسوعة القرآنية (1/ 262)، وكذا جاء شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (5/ 132)ـ مرجع سابق، وفي صحيح البخاري: أن عامرًا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أخيرك بين ثلاث خصال، يكون لك أهل السهل، ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء. فطُعِنَ في بيت امرأة, فقال: أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل بني فلان. ائتوني بفرسي, فمات على ظهر فرسه. وفي رواية: ركب فرسه وأخذ رمحه، وأقبل يجول ويقول: يا ملك الموت ابرز لي، فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتًا. قال الداودي: كانت هذه من حماقات عامر، فأماته الله بذلك ليصغر إليه نفسه، وبنو سلول كانوا موصوفين باللؤم، فرغب أن يموت في بيتها. (المرجع السابق 5/ 131) قال ابن هشام: وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: فأنزل الله في عامر وأربد:(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى) إلى قوله:(وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)، وأما ثالثهم: جبَّار بن سلمى، فقد أسلم مع من أسلم من بني عامر. وذكر الواقدي عن عبد الله بن كعب بن مالك، قدم وفدهم وهم ثلاثة عشر رجلًا، فيهم لبيد بن ربيعة، فنزلوا دار رملة، وكان بين جبار بن سلمى وبين كعب بن مالك صحبة، فجاء كعب فرحَّبَ بهم، وأكرم جبارًا، وانطلق معهم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأسلموا وأسلم جبار وحسن إسلامه. ذكر في الإصابة (4/321) .. والقصة بها روايات كثيرة. *[email protected]