دائما ما يخطر على بال الكثيرين منا أن نعرف مثلا كيف كان يعيش أجدادنا وآباؤهم؟ كيف هي طباعهم وعاداتهم وسلوكياتهم، ما يحبونه وما يكرهونه، كيف يفرحون؟ وكيف يعبرون عن حزنهم؟ ما هي أعمالهم التي كان يكسبون منها قوت يومهم؟ وكيف كان حكامهم؟ وغير ذلك كثير مما نجهله عنهم.
ونجد في كتب الأقدمين من كُتّاب الرحلات ما قد يروي ظمأنا لمعرفة تلك الأخبار والآثار وعلى رأس تلك الكتب رائعة محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة (1304-1377م) والمسماة "تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" المعروف أيضا باسم رحلة ابن بطوطة، وهو كتاب يصف رحلة ابن بطوطة، ويتحدث فيه عن أهل البلدان التي زارها وحكامها، ويصف الألبسة بألوانها وأشكالها وحيويتها ودلالتها، كما يصف الأطعمة وأنواعها وطريقة صناعتها، بعد أن أمضى 30 عاما في الرحلات بين بلدان العالم زار فيها أكثر من 44 دولة حديثة شرقا وغربا.
والكتاب يندرج تحت نوع من الأدب يسمى "أدب الرحلات" وهو الأدب الذي اشتهر قديما كبديل عن وجود وسائل إعلام كالتلفزيون والصحافة ينقل للجمهور من وجهة نظر الكاتب ما يحدث في البلاد الأخرى، سواء من أحداث ووقائع أو يصف معيشة وحياة الأمم الأخرى.
لقد روى ابن بطوطة في كتابه مشاهد من رحلته إلى عُمان قديما ذكر منها أنه لما وصل مدينة قلهات كان قد بلغ منه الجهد مبلغه، وضاقت نعله على رجله من المشي حتى كاد الدم يخرج من تحت أظفارها، فلما وصل باب المدينة قال له موكل بالباب: لا بد لك أن تذهب معي إلى أمير المدينة ليعرف قضيتك، ومن أين قدمت. فذهب معه إليه فرأه فاضلا حسن الأخلاق، وسأله عن حاله وأنزله عنده وأقام عنده ستة أيام.
ووصف ابن بطوطة المدينة بأنها "حسنة الأسواق، ولها مسجد من أحسن المساجد. حيطانه بالقاشاني، مرتفع، ينظر منه إلى البحر".
وذكر أنه أكل بهذه المدينة سمكا لم يأكل مثله في إقليم من الأقاليم، وكان يفضله على جميع اللحوم، ذاكرا أن صنّاعه كانوا "يشوونه على ورق الشجر، ويجعلونه على الأرز، ويأكلونه". وذكر أن أهل البلاد "هم أهل تجارة، ومعيشتهم مما يأتي إليهم في البحر الهندي. وإذا وصل إليهم مركب فرحوا به أشد الفرح. وكلامهم ليس بالفصيح مع أنهم عرب. وكل كلمة يتكلمون بها يصلونها بلا. فيقولون مثلا: تأكل لا، تمشي لا، تفعل كذا لا".
وقال أيضا ابن بطوطة عن مدينة نزوى أنها مدينة "تحف بها البساتين والأنهار يأتي كل إنسان بما عنده، ويجتمعون للأكل في صحن المسجد، ويأكل معهم الوارد والصادر، ولهم نجدة وشجاعة، والحرب قائمة فيما بينهم أبد".
كما ذكر ابن بطوطة شيئا عن سلطان عمان وقال عنه "سلطانها عربي من قبيلة الأزد بن الغوث، ويعرف بأبي محمد ابن نبهان.. وعادته أن يجلس خارج باب داره في مجلس هنالك، ولا حاجب له ولا وزير، ولا يمنع أحدا من الدخول إليه من غريب أو غيره، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعين له الضيافة، ويعطيه على قدره. وله أخلاق حسنة".
لقد ذكر ابن بطوطة الكثير عن أهل عمان وبلادها، ومنه ما جاء على شكل انتقادات أيضا رد عليها الكثير من الباحثين بشكل علمي لا تنقصه الحجة ولا التوثيق.
ولكن بصفة عامة فقد أنصف الرجل حينما وصف أهل عمان بالكرم وعشق الضيافة، وأنهم أهل تجارة ولهم نجدة وشجاعة، وأن أميرهم فاضل حسن الأخلاق، يكرم الضيف ولا يمنع أحدا من الدخول إليه، وأن لها مسجدا من أحسن المساجد.

إيهاب حمدي
كاتب مصري
[email protected]