[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
يقول د.احمد سوسه: تتفق التواريخ المسيحية والكتب الطقسية القديمة على ان اولى الجماعات النصرانية في الشرق تألفت من اليهود المتنصرين وان تلميذي السيد المسيح ادى ومارى هما اللذان بشرا اولاً بالمسيحية بين اليهود منذ الجيل الاول للمسيح، وان اول اسقف عين في اربيل عاصمة حدياب كان من اليهود المتنصرين، وكان قد تنصر على يد المارادي في اربيل، وتواصلت حملة التبشير هناك وقام بتلك المهمة بعد (ادى ومارى) اساقفة من اليهود المتنصرين، وكانت اعمالهم تتركز في التبشير بين اليهود من ابناء طائفتهم، وقد تولى كرسي اسقفية اربيل عشرة اساقفة بين سنة 104-312م، وكانوا جميعهم من اليهود المتنصرين وتشير إلى ذلك اسماؤهم وهم (بقيدا، شمشون، اسحاق، ابراهام، نوح، هابيل، عبيد، مشيحا، حيران، واحاد بوي) وكان الاخير قد تولى الكرسي من سنة (254-312) وتقول المصادر التاريخية ان (بقيدا) الذي عين اول اسقف في حدياب، هو من الذين تتلمذوا على المارادي في اربيل وكان من عائلة يهودية فقيرة وكان قد تنصر سنة 99م فاضطهده اهله وحبسوه، ولكنه هرب ولحق بمارادى وبقي عنده خمس سنوات، ثم جعله اسقفاً ارسله الى اربيل سنة 104م وتمكن بقيدا ان ينصر اهله وكثيرين من سكان المدينة، توفي سنة 114م ودفن عند اهله (تاريخ كلدو واشور ج2ص14) ولا شك ان د.احمد سوسه قد درس بصورة موسعة موضوع اليهود في حدياب، واشار إلى ان غالبية اليهود هناك والذين جاءوا في زمن الآشوريين قد تنصروا، والدليل ان يهود بابل الذين جاءوا في ما بعد لم يشيروا في كتاباتهم إلى وجودهم في جبال الشمال، وسبب ذلك انهم كانوا يعتقدون انهم اندمجوا بمحيطهم الوثني، واخذوا بالوثنية ديانة أهل المنطقة التي حلوا بها. (ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق ص55).
ولا بد ان يكون اليهود الذين تواجدوا في المناطق الجبلية في شمال العراق، قد هاجرت اعداد كبيرة منهم إلى المناطق المجاورة إيران وتركيا ثم الى المناطق الاكثر بعداً، ومثلما كانت مجاميع من اليهود الساكنين في بابل وفي بغداد في ما بعد قد هاجرت إلى مناطق مختلفة من الشرق ووصلت الى الهند والصين، فإن شمالي العراق كان منطلقاً لليهود للذهاب إلى اماكن متفرقة بحثاً عن سبل العيش، وما يثير الاستغراب ان هناك قلة في المنحوتات والمدونات، التي تتحدث عن تلك الحقب الزمنية في المناطق الجبلية، وبرغم ان الاثاريين والمنقبين قد عثروا على مسلات وتفاصيل كثيرة عن الفترة التي حكم فيها الملوك الاشوريون بحيث وجدت رسومات للملوك ولملوك يهوذا وهم في اوضاع مختلفة، الا ان مثل تلك الغزارة في الوثائق لم تكن بمثل تلك التفاصيل في اماكن اخرى، وربما يعزا ذلك إلى تباعد المناطق الجبلية، وتخصص المجاميع اليهودية هناك بالزراعة، وانقطاعها عن الحروب والاحداث التي كانت تحصل بين القبائل والامبراطوريات، وتبقى الحقائق العلمية تشير الى ان اعداد اليهود التي وصلت الى شمال العراق في العصر الاشوري قد ازدادت بصورة كبيرة خاصة ان تلك المجاميع كانت من الفلاحين، الذين يعرفون بحرصهم على زيادة عدد افراد عائلاتهم ليساعدوهم في الزراعة والرعي وفي تأمين الحماية للعائلة، وبالاخص في الاماكن الجبلية النائية.
وبصورة عامة فإن الطائفة اليهودية في شمال العراق قد خضعت للظروف التي يعيشها السكان هناك، وبسبب الطابع الزراعي والحياة القبلية التي سادت منذ اكثر من الفين وخمسمائة سنة، وتوزع الجماعات اليهودية بين القبائل الكردية فإنها لم تتمكن من تأسيس طائفة ذات معالم واضحة، كما حصل في بابل مثلاً ولا شك اننا نجد ان يهود بابل قد تمكنوا خلال خمسين سنة تقريباً من تكوين جماعة ذات ملامح ثقافية ودينية، وحتى على الصعيد الاقتصادي فقد أسسوا هناك مصرف (جباي) الذي تحدثنا عنه، وساعد ذلك في ما بعد على توسع النشاط الديني بينهم ومحافظتهم على تقاليدهم وعاداتهم الدينية والاجتماعية، ولهذا كان من الصعب تحويلهم الى النصرانية او ديانة اخرى، ولا شك ان ذلك التماسك جاء نتيجة حرص البابليين على رعايتهم لليهود، ومنحهم فرصاً واسعة في الزراعة والتجارة والصناعة ايضاً، وهذا الأمر يختلف تماماً بالنسبة لليهود في المناطق الجبلية النائية، ولهذا لا يتوفر الباحثون على احصاءات وتفاصيل دقيقة عن حياة اليهود ومشاركاتهم مثلاً في الحروب والصراعات، التي غالباً ما تحصل سواءً بين العشائر او حتى بين الاقوام التي دأبت على الحروب والمنازعات.