رؤية : طارق علي سرحانلم يكن النجاح الساحق والشهرة التي حققتها شركة "مارفل" للانتاج السينمائي، وتأثيرها على شكل ومضمون السينما الحالية، ليقف عند محبي تلك الفئة من أفلام "الكوميكس" و"السوبرهيروز"، بل تجاوزها ليصل الى فئات اكثر من جمهور الفن السابع عامة، الذي صارت لديه رغبة جامحة لسبر أغوار هذا العالم الخيالي المليء بالاثارة والتشويق. البداية كانت منذ عام 2008 حينما أطلقت مارفل عالمها الممتد الأكثر تعقيدا وتشعبا، الذي يضم 3 مراحل و22 فيلما حتى الآن، حيث اختتمت مرحلته الثالثة أواخر ابريل المنصرم بعرض التحفة الفنية "Avengers: Endgame" أو "المنتقمون : نهاية اللعبة"، الذي صار الحدث الأبرز في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي على مدار الشهرين المنصرمين. لقد أبهر "نهاية اللعبة" جمهوره ونقاده على السواء، حيث آتى بكل شئ تمنيناه وأكثر، متجاوزا جميع التحديات والتوقعات التي وضعت قبل بدء عرضه، حيث حطم الرقم القياسي لأعلى افتتاحية لفيلم داخل أميركا بايرادات بلغت 357 مليون دولار، متجاوزا حاجز مليار دولار في 5 أيام فقط!، وذلك وفق قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت الـ"Imdb".ترجع أهمية "نهاية اللعبة" تاريخيا، في أنه ينهي سلسلة أحداث مترابطة منذ 11 عام أسست بعناية، وضعت فيه مارفل قواعد محددة ليست عبثية لمسألة العودة بالزمن يكون "Quantum Realm" أو "عالم الكم" العامل الرئيسي المحدد لها، الذي يشدد على أن ما حدث قد حدث ولا يمكن تغيره، فقط من الممكن خلق مسارات مختلفة أو عالم مواز أو واقع بديل سمها كما تشاء. هذا وقد راعى صناع العمل بناء سير أحداثه وهو ما أدى الى فهم واستيعاب شريحة كبيرة من جمهوره لما حدث بالتحديد، كما أرغمتهم للقبول بالنتائج حلوها ومرها على كافة المستويات، وذلك وفق قواعد اللعبة التي بدأها الشرير ثانوس في فيلم "المنتقمون: الحرب اللا نهائية" العام الماضي. الفيلم مقسم لـ3 فصول، جاء الاول تمهيدا له وإرساء قاعدة الزمن، وآلية عملها لاسترجاع الوضع ما قبل "طرقعة أصابع ثانوس" حيث قضت على نصف الكون، فيما حمل الفصل الثاني مغامرات الفريق أثناء رجوعه بالزمن واستعادة "Infinity Stones" أو أحجار اللا نهاية، وهنا تمت صياغة الأحداث باحترافية كونه سوف يؤسس لمراحل قادمة من عالم مارفل، الممتد منه أو قصص منفصلة لابطاله الخارقين. أما عن الفصل الثالث والأخير فقد تميز بطابع ملحمي، حيث ينطلق مع حدوث خلل في نظام عودة "نيبولا" النسخة المستقبلية لوقتنا الحالي واستبدالها بأخرى من الماضي، ماأدى الى مواجهة ملحمية مع ثانوس وفريقه من الأشرار تنتهي بعودة الأمور لسابق عهدها مع الحفاظ على القواعد التي أرسيت منذ الفصل الاول. دراميا .. فإن أفلام الـ"كومكس" عامة تحمل طابع فانتازي خيالي يطغى على محتواها الدرامي، وهذا ما جعل الكثير يصنفها بالأعمال السطحية التي لا تأتي سوى بـ"شطحات خيالية" فقط بمجرد الحديث عنها امامهم، لا ننكر جميعا انها افلام هدفها تجاري بحت، لكنها ليس بالضرورة أن لا تحمل رسائل عديدة ومفردات على المستوى العميق، فعلى سبيل المثال ذاك الثقل الدرامي الذي جاء في "نهاية اللعبة" والذي يتلخص في الصراع الداخلي لتوني ستارك "ايرون مان"، بين الاستقرار واختيار حياة رب الاسرة بجانب زوجته وابنته، أو الرجوع مرة أخرى لهذا العالم في مسعى لاسترجاع ما فقدته البشرية، خاصة مع شعوره بمسؤلية ما حدث لبيتر باركر "سبايدر مان" الذي تلاشى مع غيره في الفيلم السابق، أيضا نجد الحمل النفسي الذي اثقل كاهل كل من "ثور" وستيف روجرز "كابتن اميركا" و ناتاشا رومانوف "بلاك ويدو" الأرملة. على الجانب الاخر فقد اثارت فلسفة ثانوس بإبادة نصف الكون، غضب كل من حوله انطلاقا من مبدأ إنساني بحت وهو عدم امتلاك أحد منا قرار من يعيش أو يموت، برغم أنها فلسفة جاءت بهدف حماية البيئة والكون من خطر الكثافة السكانية المتزايد وذلك في منظور ثانوس. سيناريو الفيلم لم يخل من التنوع كعادتها مارفل، حيث سنجد لحظات هزلية، أحلاها تلك التي يظهر خلالها بطل "ثور" ببطن كبير منتفخ، بعد إصباته بالاكتئاب، وأخرى ظلامية أكثرها كآبة حينما نعلم جيدا أن شخصيات رئيسية كـ"أيرون مان" و"بلاك ويدو" قد فقدناهم للأبد بالفعل. على المستوى التقني، حدث ولا حرج فهذا ملعب مارفل التي تستخدم منذ البداية مؤثرات بصرية وتقنيات عالية ساهمت جميعها في خلق لوحات فنية خلابة، يكفي تلك الـ "De-aging" التي تعمل على تصغير عمر الشخصيات والتي أصبحت علامة تجارية خاصة بمارفل. كما لا ننسى الاخراج المتميز للاخوين روسو أنتوني وجوزيف، اللذين تمكنا من الصعود بالعمل دراميا دون الاخلال بتوازنه العام لنصل في النهاية إلى الملحمة الكبرى بين الخير والشر وما تحمله من معارك جانبية تكفي كل منها لعمل فيلم لحاله. عن الأداء التمثيلي فقد حدث تطور هائل للشخصيات على مدار الاعوام الماضية مع تقدم أجزاء السلسلة، وهو ما منح الممثلين فرصة كبيرة للتألق وإظهار طاقتهم التمثيلية الهائلة وترك بصمتهم الخاصة داخلنا، كالممثلين كريس هيمسورث في دور "ثور" و روبرت داوني جونيور بشخصية "ايرون مان" وأخيرا وليس اخر كريس ايفانز في دور "كابتن أميركا" وغيرها من الشخصيات التي عشنا معها طوال السنين الماضية.نتوقف هنا عند المرحلة الرابعة أو ما بعد الثالثة المنتظرة من عالم مارفل، التي يتوقع أن تشهد كثيرا من المتغيرات، أهمها قد سبق البناء له في "نهاية اللعبة" كإنضمام ثور لفريق "Guardians of the galaxy" أو حراس المجرة ورحلة البحث عن "جامورا" النسخة من الماضي وليست المستقبلية التي لاقت مصرعها الفيلم السابق، أيضا تسليم ستيف روجر درعه لصديقه سام "عين الصقر" ليصبح كابتن أميركا القادم. فيما ستساهم بالطبع حبكة العودة للزمن التي خلقت عالما موازيا لبعض الشخصيات كـ "لوكي" حينما هرب بـ "التساراكت" الى مكان غير معلوم، و"كابتن أميركا" عندما اعتزل حياته كبطل خارق وقرر العيش مع حبيبته بيجي كارتر، في استحداث حكايات جديدة منتظرة، دعنا لا ننسى "بلاك بانثر"، و"دكتور ستراينج" في أجزاء جديدة، وهي جميعها خطط لاستمرار عالم مارفل الفانتازي. في الأخير سنتابع مطلع يوليو القادم فيلم "Spider man Far from Home" أو "الرجل العنكبوت : بعيدا عن المنزل" والذي وفق لعرضه الترويجي سوف يحمل مفاجآت وتحولات من العيار الثقيل وظهور شخصيات جديدة كـ"ميستريو"القادم من هذا العالم الموازي، كما ان الفيلم يمهد لبناء دور أكبر لسبايدر مان بحمله لواء معلمه توني ستارك بعد تكهنات سابقة بأن الفتى هارلي كينر الذي تعرفنا عليه صغيرا في فيلم "Iron man3" هو من سيحمله، خاصة بعد ظهوره شابا في جنازة توني ستارك.باختصار فإن مارفل عملت منذ البداية على توسعة العالم الخاص بها ليس زمنيا فقط كما شاهدنا بل جماهيريا أيضا عبر سلسلة أفلام ناجحة قادرة على التميز وتقديم المزيد والمزيد في عالم لن تتوقف قصصه، وذلك بفضل رؤية ناجحة لواقع السينما وتحديات صناعتها، من قبل جميع العاملين بتلك المؤسسة الضخمة وعلى رأسم رئيس استوديوهاتها المنتج كيفن فيج. وسيبقى "نهاية اللعبة" خير شاهد.