[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
في هذه الأيام المباركة، العشر الأواخر من رمضان، فضل من الله ورحمة ومغفرة، وليلة فضلها على لياليه المباركات كبير.. والله يتولى الذين آمنوا واتقوا وأحسنوا، والذين سلم الناس من أذاهم ومن تحريضهم على الأذى والغلو والشر، وكانوا دعاة خير ووئام وأمن وسلام.. لا سيما من بيدهم أمر الناس يسوسونهم ويوجهونهم، إن هم عدلوا وحقنوا الدماء وأتمروا بأمر الله خالقهم ورازقهم وآمرهم بأن: ﴿ ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿٢﴾ - سورة المائدة. وبأن:﴿... وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥﴾ سورة البقرة. فيا أيها الآمرون المؤتمرون المقبلون على حوار وقرار فيهما أمور مصيرية، وعلى تحالفات قد يكون من شأنها أن تثير الحرب، والحرب تجر الخراب والدمار والقتل والثأر،‏ ‏‏فخذوا بتحالفات تهدف إلى نصرة الحق وإقامة العدل وردع الظلم والظالمين وتذكروا وأنتم في سرًة الأرض موقف الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم" من حلف الفضول الذي كان قبل الإسلام حيث قال فيه "‏‏ لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت‏‏‏.".‏.. اتقوا الله فيما آتاكم، وجنبوا البلاد والعباد فتنة ولودا، وكوارث حرب ضروس ما بعدها سلام، واحفظوهم وأنفسكم من جحيم دنيا يضاف إلى جحيم آخرة، جحيم يعد لمن يقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ومن يرتكب أو يأمر بارتكاب ما لا يرضي الله من أفعال، ولا يحفظ الناس من شرور حرب إن هي وقعت أفنت، وجعلت الأمتين العربية والإسلامية وقودا لها.. حرب لا يستفيد منها إلا أعداء تينك الأمتين الكريمتين، وأعداؤهما معروفون موصوفون وذوو تاريخ إرهابي عدواني أسود ضد البشرية، على مدى تاريخهم الحافل بالجريمة ضد الناس والقيم والعمران والحضارة.. إنهم المستفيد الأول والأخير من تدمير بلاد العرب والمسلمين، ومن ضربهم بعضهم ببعض، ومن تزوير الحقائق والوقائع، ومن تشويه صورة المسلمين ومحاولات تشويه الدين/الإسلام.
ألا اعملوا بما أمركم به الله، ولا توالوا أعداءه وأعداءكم الذين ينطلقون من عنصرية ـ صهيونية بغيضة، ومن حقد قديم على الإسلام والمسلمين، ولا يكترثون بأرواح الناس وحقوقهم، ولا ببؤسهم وشقائهم، ولا تعنيهم إلا الأموال ينهبونها، والثروات الطبيعية للبلدان يسيطرون عليها ويستنفدونها، والأرواح البريئة يزهقونها، والبلدان يستعمرونها ويقسمونها ويقزمونها ويدمرونها.
لا توالوا أعداءكم ولا تخدموهم.. لا تبيحوا لهم أرضكم وسماءكم وأموالكم، لا تسفكوا دماءكم وتزهقوا أرواحكم في حروب يزجونكم فيها، ولا تكونوا لهم عونا ولا تبعا.. فلن يرضوا عنكم حتى لو اتبعتم ملتهم، فالعربي الطيب والمسلم الطيب بنظرهم هو الميت؟! لا تهدموا صروحكم وما بناه آباؤكم وأجدادكم بأيديكم ولا تسمحوا لغيركم بهدمها، ولا تفرطوا بدينكم وقيمكم وهويتكم وقوميتكم وأوطانكم ووطنيتكم وإنسانيتكم لترضوهم، فلن يرضوا عنكم حتى لو اتبعتم دينهم وصرتم موالي لهم وتفانيتم في خدمتهم.. كونوا أنتم ولا تهنوا، وحتى لو لم تكونوا الأوائل في سربكم البشري فهذا أليق بكم من الهوان وجر الأمة إليه، ومن يهن يسهل الهوان عليه فلا تهنوا خيرا لكم، واجتهدوا لتكونوا ولتأخذوا مكانا في أوائل السرب البشري، فليس فيكم عيبا خلقيا أو تكوينا طبعيا يحول بينكم وبين أن تكونوا، وأنتم أبناء وأحفاد من كانوا وتصدروا مسيرة البشر بجدارة.. ألا واعملوا ولا تواكلوا كي لا تتآكل في الأمة الملكات والذوات، وأبدعوا وهيئوا بيئة الإبداع، فربنا سبحانه، بديع السماوات والأرض، هو القائل الأمر: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴿٣٣﴾ - سورة الرحمن.. فالأمم تتمايز بذواتها وخصوصياتها ومواقفها وإنجازاتها، وتستلهم ماضيها لتتجاوز عثراتها ومآزق حاضرها وتستشرف مستقبلها، وتكون كما ينبغي وكما تحب أن تكون.. تعمل وتصبر وتضحي ولا تقبل أن تتآكل وتتواكل وتتهافت، ولا أن تتهالك على خدمة أمم أخرى لتستظل بظلها أو لتكون بكنفها، بل تصنع كينونتها بالعقل والفعل والتضحية والإبداع، ولا تنتظر أن تنهض بطفرات البدع واتباع من لا يريدون لها سوى التردي في المهاوي والمهالك.. فمن يريدك كائنا متخلفا أو عبدا ذليلا، لا يعينك على أن تتعلم وتستقل وتنهض وتتقدم وتكون سيد ذاتك وصانع مصيرك.. بل سيقضي عليك عند أول محاولة منك، إن أنت حاولت أن ترفع رأسك وتعلم وتتعلم وتحمي حماك وتحلق في الفضاء الفسيح، فكيف إذا زاحمته على موقعه أو على موقع قريب من موقعه، أو إذا حميت مصالحك وتطلعت مثله إلى ما هو في صالحك أو ما فيه مصالح لك؟! إن من يريد تمزيق أمة وإنهاكها وغزوها وسلبها خصوصيتها وما تملك وتدميرها تدميرا.. لا يعينها ولا يحميها ولا يرحمها ولا يقبلها شريكا أو مزاحما أو ندا له..
ألا إلام تؤولون ونؤول إذا لم تنقذوا أنفسكم وتنقذونا من هول مهول ومصير مجهول؟! وماذا تفعلون ونفعل بأنفسنا وبأمتنا وعقيدتنا، بحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا، إذا ما اخترنا خيارات مدمرة، وسلكنا سبلا تفضي إلى الندم والعدم.. وقد أعطانا الله عقولا لنفكر، وعيونا لنبصر، وقلوبا بصائر تهدي إلى سواء السبيل.. فما حافظنا على نقاء ضمائرنا وعلى حسن نياتنا، وطهر أرواحنا لننتفع بما وهبنا فنطيب أنفسا وتطيب الدنيا بنا؟!.. إننا حينذاك ـ لا سمح الله ـ في "لات حين مناص، ولات حين مندم"، وقد نستكر قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿٤٦﴾ - سورة الحج.