إنّ الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات، وإذا كان علم الفقه يدور حول هذه الأشياء الثلاثة، فإن علم أصول الفقه هو بمثابة الشمس الشارقة عليه وهو مفتاحه، ومن عرف الأصول سهل عليه معرفة الفروع.(الحكم الأول): يجب البحث عن المخصص إذا عُلِم قبل العمل بالعام وفي ذلك إجماع لأن الأخذ بالعام فقط قد يخطأ فيطبق حكمه على المخصوص وفي ذلك حكم بغير أنزل الله، حيث إنه سبحانه جعل للخاص حكماً آخر وهو معلوم.(الحكم الثاني): إذا لم يُعلَم المخصص فهل يلزم البحث عنه أم لا؟, فقال الصيرفي: لا يلزم البحث بل يُعْمَل بالعام لأنه حقيقة لا وهم، ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يبعث أصحابه إلى الأقطار ليعلّموا الناس الدين بما عندهم من العلم ولم يلزمهم (صلى الله عليه وسلم) بالحث عن الناسخ والمنسوخ ولا عن التخصيص، وهذا رأي بعض المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنفية.واحتج القائلون بلزوم البحث عن مخصص إنه ما من عام إلا وقد خصص إلا القليل القليل, وإن الذي يوجب العموم ويقتضيه هو صيغته المجردة من الخاص، فلزم البحث لمعرفته وإن تبين إنه لا يوجد الخاص فيقال أنه تجرد العام منه رأساً, وهؤلاء افترقوا في كفاية البحث فقول الأكثر: أنها متحققة عند ظنُّ فقدان المخصص، وقال بعض: لا بل عند تيقن فقدانه.(الحكم الثالث): في العمل بالعام في أفراده, قيل: يجب العمل بأقل ما يتناوله العام من أفراده المستنَد إلى لفظه, فالجمع يتطلب ثلاثة مثلاً وهكذا, وهذا العدد الأدنى هو المتحقق إرادته من العام, ولا يحتاج في ذلك البحث عن مخصص, و(ردَّ) أن العام يراد منه الأكثر والأقل من أفراده لأنه يعمهم فلا يتخصص في الأقل فقط, وكذلك لو عُمِل في الأقل ربما بعض أفراده قد خرج بمخصص فيكون الحكم خلاف الحق.(العام الوارد على سبب خاص): اللفظ العام بحسب السؤال أو السبب ينقسم إلى: الوارد بدون سؤال أو سبب ـ أي حادثة، مثاله قوله تعالى:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة ـ 185) فلا يوجد سؤال، واللفظ (من) يقتضي العموم, وحكمه العموم إجماعاً.أو يرد بسؤال أو بسبب وهو: الوارد بسؤال أو سبب عاماً، كمثل قوله تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (الأنفال ـ1), فالسؤال عن (الإنفال) التي هي مستغرقة في جنسها من نقود وذهب ومواشي وأسلحة وقصور.. الخ، فهو سبب عام فكان الجواب أيضاً بلفظ عام كذلك, فالحكم هنا: العموم اتفاقاً، أو يكون السبب أو السؤال خاصاً, ويتشكل على صورتين.