لكل أمة قدوة، تتخذه رمزًا وعلمًا لها، ومثلًا أعلى يحتذى ويقتفى، تقتدي به وتتأسى بشخصه، وتلتف حوله وتسير على نهجه، هو قطب رحاها، تسمع له وتطيع، تأتمر بأمره، وتنتهي بنهيه لا تخالفه ولا تعصيه كلمته مسموعة نافذة، ومكانته مرموقة عالية، ومنزلته محفوظة سامية، ونحن المسلمين قدوتنا النبي (صلى الله عليه وسلم) من بعثه ربه رحمة للعالمين وسراجًا للمهتدين وإمامًا للمتقين.كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إنسانًا رائعًا عظيمًا، وقدوة حسنة في بيته، وبين أصحابه، وفي وسط الناس جميعًا، نعم كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة وقدوة طيبة ومثلًا أعلى في شمائل الأخلاق وكريم الخصال، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) ما انتقم لنفسه قط وما كان يقابل الإساءة بإساءة، بل كان يقابل الإساءة بالإحسان، ويقابل الإحسان بمزيد من الإكرام والإنعام، ويقابل المعروف بمزيد من البر والجميل.إن موضوع التأسي والاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) موضوع مهم في حياة كل المسلم، فهو يعد من أساسيات الاعتقاد ومن جوهر الإيمان، يقول الله تعالى:(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا) (الأحزاب ـ 21)، فهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أقواله وأفعاله وأحواله.إنّ التأسّي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي درج عليه المسلمون منذ عصر الصحابة بحاجة إلى تأمّل ونظر وتدبّر في أنفسنا وفي واقعنا، بحاجة أن نقف عنده فهمًا وتطبيقًا، علمًا وعملًا. لقد جسّد النبي (صلى الله عليه وسلم) الإسلام الذي هو دين الله تعالى الخالد العظيم، جسده في حياته وترجمه في واقعه، مع نفسه وأهله وأصحابه والناس أجمعين، بل جسده مع كل ذرة من ذرات هذا الكون، جسده في إيمانه بالله تعالى وعبادته، جسده في أخلاقه وتعامله ومنهجيته، جسده في أبعاد شخصيته، وفي رؤيته للحياة والكون. نعم .. إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد جسد الإسلام في كل شؤون حياته فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد اقتدوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فساروا على نهجه، وترسموا خطاه، واتبعوه، ولا ريب أن تأسي الصحابة برسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشكل قاعدة صلبة مركزية لنا، ويمثل أساسًا جوهريًا في كيفية التأسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) باعتبار أنّ الصحابة شهدوا نزول الوحي، وعاصروا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اغترفوا من معينه مباشرة، تعلموا على يديهم يربيهم ويسدّدهم ويصحح تصرفاتهم ويصوغ حياته ويوجه بصائرهم إلى معاني الهداية والاقتداء فحققوا صفة الخيرية بشهادة الله تعالى ورسوله لهم تلك الخيرية في تحقيق الوعي، وعي الرسالة والعمل، وعي الاتباع والطاعة، وعي الامتثال والاقتداء، وعي الاعتزاز وبناء الشخصية.لقد نجح الصحابة الكرام بجدارة في فهم الإسلام وتطبيقه وفي تبليغه للناس ونقله للعالمين، وفي إدارة شؤون الحياة وإسعاد البشرية وإعمار الأرض به.إن التأسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعني اتباعه مع الطاعة المطلقة، والتسليم الكامل له، يقول الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران ـ 31).لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قدوةً كاملةً في جميع جوانب سيرته، وفي جميع أحواله. إن التأسي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنما هو ثمرة الفهم الصحيح للإسلام من حيث كونه اعتقادًا وعملًا، إيمانًا وعبادة، نظامًا ومنهج حياة، فليس للمسلم أن يقف من الإسلام موقفَ الانتقاء والاختيار، فيأخُذَ منه ما يشاء، ويدَع منه ما يشاء، ويَقبل منه ما يشاء، ويَرُدَّ منه ما يشاء، كلاَّ، إنَّما الإسلام يُؤخَذ كلُّه جملةً واحدة، بلا تبعيض، ولا تجزئة ولا انتقاء ولا تفريقٍ بين أصوله وشرائعه وأحكامه، يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة ـ 208) أيْ: في الإسلام جميعًا، ويقول سبحانه وتعالى محذرًا من الانتقاء والتفريق بين أحكام وتعاليم الإسلام:(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة ـ 85)، فهذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ يتأسى برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في تقبيل الحجر الأسود، ويقول:(إنَّي لأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرُ، ما تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، ولولا أنَّي رأَيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقَبَّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ).