هذي عمان كميل الشمس مشرقة ... للمبصرين ولا عمي تدانينا الوسط الثقافي ينعيه و"الكتاب والأدباء" تدعو لدراسة شعرهإعداد ـ فيصل بن سعيد العلوي :ودّعت الأوساط الثقافية فجر يوم الأحد 21 سبتمبر 2014 م الفقيه والشاعر والقاضي الأديب الشيخ حميد بن عبدالله بن حميد الجامعي العماني السمائلي "أبو سرور" أحد عمالقة الشعر والأدب في السلطنة عن عمر ناهز الــ 72 عاما ، حيث يعد "الراحل" أحد المراجع في السلطنة التي يلجأ إليها الناس في علم الفقه والأدب.الشاعر الراحل الشيخ "أبو سرور" ولد في سمائل عام 1942م ، وحظي بقدر وافر من الشهرة على المستوى المحلي والعربي، له العديد من القصائد الرائعة والعذبة ، تتلمذ على يديه العديد من الشعراء العمانيين البارزين على الساحة الشعرية العمانية، حيث درسنا قصائده وتتلمذنا عليها ونحن على مقاعد الدراسة..وهو ـ كما كتب عنه ـ من سلسلة رجال أكثرهم خدمة علم وحملة وفاء فهو مع ما طبع عليه من حب الأدب والولوع بالشعر والنبوغ، رجل سُنة وفقيه حديث وحامل فقه لأنه علق قراءة كتب الحديث ودأب عليها بكل جد وإجتهاد.وهو من طبقة كادحة فتجد عنده منجله ومحراثه والكتاب بين يديه يقرأ جمله أو جملتين أو حديثا أو تفسير آية فيلتفت إلى عمله الشاق يردد بين يديه ما قرأ من كتابه يناجي به نفسه الطامحة ليكون فيها مع بعض ودائعها المكتنزة بها، وطالما تجده يتخذ خلسة من عمله ليمد براعة ليده المفتولة وفكره الوقاد مسألة من كتابه أو من وحي نبوغه أو أبياتا من شاعريته أو نماذج مما لا تزال تجيش نفسه الحرة الأبية.صحب الدنيا في صلابة رجال البواسل تناديه الدنيا عن كثب فلا يعيرها أكثر من نظرة النافر ووقفة الهارب ويناجية الدهر كالمتخشع فتراه يجعل أصابعه في أذنيه ولكم نفح له طيب الحياة فجعل كمه في أنفه واستقبلته الدنيا في محاسنها وجمالها الخلاب فوضع فضل عمامته على عينيه.نشأ أبوسرور بولاية سمائل بقرية القديمة وتتلمذ على كبار رجالها، بدأ بقول الشعر في الرابعة عشرة من عمره، في عام 1967عين مدرسا بولاية المضيبي فبقي فيها ما شاء الله مدرسا في الفقه والقواعد العربية والحديث الشريف وشرحه، عين قاضيا بوزارة العدل 1/1/73 م، من مؤلفاته ديوان باقات الأدب (شعر) مجلد واحد، وديوان إلى أيكة الملتقى (شعر) مجلد واحد، وبغية الطلاب (فقه) مجلد واحد، والفقه في إطار الأدب (فقه) أربعة أجزاء في مجلدين، ونحوية أبي سرور (نحو) ميمية في مجلد واحد، وإبهاج الصدور (شرح نحوية أبي سرور) مجلدان، ورياض في الإسلام مجلد واحد.نعي الوسط الثقافيوكان قد نعى الوسط الثقافي رحيله حيث نعت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء الراحل وقال النعي إن الشاعر "كرس حياته في خدمة الشعر واللغة والفقه في عمان وأنتج منذ ستينيات القرن الماضي شعرا غزيرا في مواضيع الشعر التقليدية المختلفة، وكان خلال ذلك بين الأسماء القليلة التي حافظت على عمود الشعر العربي في المشهد العماني". وأكد البيان أن الشاعر "رغم أنه عرف عنه ولعه بالأدب، والشعر منه بشكل خاص، إلا أنه كان إلى ذلك قاضيا وفقيها، ورجل لغة. وأكدت الجمعية في نعيها أنه بوفاة الشاعر "يكون المشهد الشعري في عمان قد فقد شاعرا مجيدا، عذب الكلمة وجزيل اللفظ".واعتبرت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أن شعر أبي سرور لم يحظ حتى الآن بالدراسة والبحث رغم ما يحمل في طياته من الأصالة التي حافظت عليها سلسلة الشعر العماني الطويلة. واختتمت الجمعية نعيها بالقول إن "الشعراء يخلدهم شعرهم فهم لا يموتون أبدا".فيما أصدر صالون "مساءات ثقافية" نعيا للشاعر الراحل حيث جاء فيه "تلقت الساحة الثقافية بالسلطنة نبأ وفاة الشاعر العماني أبو سرور الجامعي ، وهي خسارة أخرى تضاف إلى قائمة الراحلين المبدعين على الساحة المحلية والعربية. وقد نعى الصالون المكتبتين الثقافية العمانية والعربية غياب هذه القيمة الأدبية الإنسانية الرفيعة.ما قاله "الابن"وفي احتفاء سابق لـ "أشرعة" حول الراحل قال "ابنه" الشاعر عبدالحميد بن حميد الجامعي : عندما تفتح النفس عينها ومداركها على الباسقات في بطون الجبال الشم فانه لا بد لذلك المنظر من شاعرية تُخلق في النفس الإنسانية، يستلهم صاحبها خيالاته وايحاءاته من واقع خرير الماء في سواقي الافلاج الغناء، وهكذا كانت عند سيدي والدي الشيخ حميد بن عبدالله الجامعي أبي سرور، وهكذا ترعرعت وشبت على لبانات افلاج سمائل ودروبها/ سكيكها الرابطة بين قرى في الواقع، وامشاج في الحقيقة.من تلك البيئة كانت البداية، بيئة تمتد أصالتها في العمق، ويشهد رسول الامة صلى الله عليه وسلم في احدى منعطفات التاريخ الكبرى على مثلها، في مقابلة تضرب في عمق الشاعرية الجمعية ( لو اهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك)، ومن صلبها كان ميلاد والدي الحبيب.لقد نشأ الشيخ إذ نشأ يتيما فقد احد ركني الاسرة، والده في سن مبكرة، لم يكن بعد الطفل الصغير قد تجاوز الرابعة، لتكون تلك الحقيقة الحزينة دافعا ثانيا لتولد الشاعرية المضاعفة، ولتنطبق مقولة (من رحم الألم يولد الأمل)، فرغم الم غياب الاب، الا ان ذكراه على لسان الام والابن، وخياله المعانق لروحيهما كان الأمل الذي ولَّد تلكم الأحاسيس المبثوثة في مشاركات الشيخ وادبياته على مدى عطائه الأدبي والقضائي والشرعي.لقد كان لأمه المثل الأعلى بين مجموع البشر الذين نشأ فيهم، وكم قد عزى الفضل في غير مكان الى تلكم الام المربية، والتي نذرت نفسها وحياتها لتربية ابنها الوحيد وتعليمه.لقد كان لذلك المنهج التربوي اثره في أدبية الطفل، إذ هو منهج مبني على مخاطبة الذات واستثارتها، وعلى تفتيق الأكمام العميقة داخلها، بما يساعد في عملية الإدراك والوعي الشعوري، ويسمح بسريان شيء من الطاقة الإيجابية في عموم الانسان الكامن في ذات الشاعر.لقد كان لتلك الشاعرية والحس المرهف اثرها على حياة الشاعر عموما، فقد تعلقت به اللغة وتعلق بها، حتى بات يذهب الى ما وراء ظاهر الآية من القران ليصل الى قيمتها العالية في المعنى السامي لها، فقد كان وصديقه الشيخ عبدالله بن علي الخليلي الشاعر الكبير يغرفان من كأس الادب ويشتركان فيه، بل كانا يعقدان حلقات أدبية بحضور اهل كل من الشيخين وزوجه، على مائدة أدبية كريمة، تجمع الأسرتين، وآية ( أو صديقكم) تلفهم جميعا، بل وصل النسب الأدبي بين الشاعرين الى أبعد من مقابله الاجتماعي، حيث يسقط التكلف بينهما، ويجمعهما الادب وروضه، الى درجة انه ما اشتهى احدهما شيئا لنفسه اشتهاه لأخيه، وسقط بينهما التكلف وحضر مكانه البساطة والفطرة وإخلاص الانسان، رغم فارق السن بينهما بما يزيد على خمس عشرة سنة!لم يكن الشيخ عبدالله بن علي من جمعة ووالدي حب الادب والتغني به، بل هناك من الأصحاب الذين عرفهم المجلس الأدبي السمائلي من امثال القارئ علي بن منصور والأستاذ حبراس والقاضي غسان وغيرهم، يجمعهم وادي سمائل فوق حصبائه الطاهرة، كل ذلك كان امتدادا روحيا وغذاء أدبيا لمراحل العمر السابقة، وتفعيلا ومرانا وصقلا لموهبة الذات وتثبيت لها.بذاكم المحيط وبتلكم البيئة كانت شاعرية والدي في استنفار وعطاء مستمر. فهو شاعر المجتمع في أسرته. ولم يكن الوطن العربي ولا الاسلامي في معزل عن شاعريته التواقة، فهو يحلق سعادة بنصرها، ولو من على النخلة.وأضاف "الجامعي" (الابن) : لقد. عاش الشاعر كل تلك الأغراض الشعرية وزيادة، وهو انعكاس لخصوبة القريحة الشعرية، وحضور الشعور الأدبي والإنساني بامتياز، وقد ساعدته البيئات المختلفة، وفي مراحل حياته المختلفة، على تمكن الانسان الشاعر والحكيم والقاضي العدل من شخصه، وتشكيلها الآثافي التي تقوم عليها وتعرف بها شخصيته، فهو شاعر أديب أبدع في الشعر وفنونه حتى لقب في فترة ما ب"بحتري العصر"، وهو قاض عدل شهرت عنه أحكامه، وتضرب مثلا في مواقف عدة، حتى قيل فيه " من شاء لينظر الى رجل (نرجوه) من اهل الجنة فلينظر الى القاضي "ابو سرور" وهو رجل مجتمع وصول، لا ينسى الفضل لأهله، ويتأسى بالمعلم الاول عليه السلام في تواصله، فالميت من أهله لا يموت عنده، فهو قائم على قبره زيارة، وعلى وصل أهل الميت الاحياء بشكل متواتر، لا يرجو لذلك من لدنهم شكرًا، حتى أعيانا نحن عياله فلم نستطع ان نرتقي مرتقاه. أبو سرور يكتب قصيدته الأخيرةمحمد سيف الرحبيليس لدينا من الكلمات ما يكفي لرثاء شاعر كأننا به يأخذ قاموس القصيدة معه ويترك لنا مفردات التوجع فقط..وسمائل مسكونة بعشق الشعر ومحبة الشعراء؛ شأن أي بقعة عمانية تغرف من أودية القصيدة ما تروي به سفوح جبالها؛ ومن ينابيع البلاغة ما تسقي به نخيل اللغة وهي تسمق أبيات شعر تلوح بجمال المعاني بين شموخ جبل .. وشموخ نخلة.ترجل شاعر عن صهوة الحياة أشد إيلاما من أي رحيل آخر؛ هو تاريخنا المكتوب إبداعا ولغة؛ وهو فارسنا يحفزنا للسير نحو مجد لم تعرفه أقدامنا بعد؛ كما أنه الشاهد على مجد كان قبلنا لم تره أعيننا فقرأناه على شفتي قصيدة... ورحل شاعر سمائل أبو سرور؛ وسمائل تعرف ما معنى الرحيل إذ يقطف وردات الشعر من بساتينها؛ فهو الذي عودنا على قطف رطب البلاغة من عذوق نخيلها وأطعمنا تمرا شهيا إذ هز بجذوعها.. كيف وهي التي عرفت أبا مسلم البهلاني وأمير البيان عبدالله الخليلي وقافلة طويلة من الشعراء والعلماء زرعوا في كل ضاحية عمود شعر وتحت كل غيمة مسألة علم.عرفت الشاعر أبا سرور في مرحلة عمرية مبكرة؛ كان قاضيا في بدبد؛ وجلست إلى أمسيات الشعر في بيته إذ نجتمع إليه بصحبة معلمين مصريين في مدرستنا ليؤكد لهم بجمال شعره أن هواه المصري لم يفارق روحه حيث المنصورة مرادفة لحالة عشق قضت مضجع الشاعر فهام في صحراء القصيدة يبحث عن ليلاه "عتابك أحلى من الفستق" .. وبين هذه القصيدة وتلك لا يهدأ جهاز التسجيل ليستنسخ الوالد تلك الأمسيات بصوت أبي سرور الدافئ.. وأتذكر طرقات أصابعه على جهاز التسجيل متمثلا حالته حينما يطرق باب حبيبته.كان القاضي الحازم .. لكنه الشاعر الطيب البسيط؛ تأتيه القصيدة إذ يقود سيارته فيتوقف لاستكمالها؛ وتأتيه وهو (يخرف) نخلة فيكتبها على ساعده؛ وفي زيارات المتابعة القضائية والصلح وعلى الطريقة التقليدية العمانية يبتهج مرافقوه بحالة حبه لإلقاء قصائده؛ ويزعجه أن لا يجد اهتماما من أحدهم.في مهرجان للشعر بصحار كان تكريمه كرمز شعري عماني؛ لن يعجبه ما قاله ناقد رأي أن شعر أبي سرور نظما يفتقد التكثيف اللغوي والبلاغي؛ وكاد يترك المهرجان لولا تدخل محبين.رحمك الله شيخنا الشاعر؛ كنت حالة متفردة؛ قاضيا وشاعرا وإنسانا.. هزمك المرض وأعجزتك الشيخوخة والزمن.. لكنك خرجت من الحياة منتشرا.. والشعراء مثلك لا يموتون. مواقف...وذكرياتمع الشيخ القاضي الجامعي رحمه اللهنصر المحاربي [email protected]تمر الأيام وتنقضي السنون عاماً بعد عام والرحيل هو سنة الله في هذه الحياة اذ كلنا سنرحل عن وجه الحياة مؤمنين بأنه هنالك حياة أخرى ستكون خالدة ،ما يبقيه الراحلين للأحياء هي ذكريات جميلة جداً نظل نتنفسها إلى أن نرحل مثلهم من هذه الحياة الفانية ونبقي نحن بدورنا ذكريات أخرى يتنفسها من يأتي بعدنا .ُفجعنا هذه الأيام بنبأ وفاة الشيخ القاضي حميد بن عبدالله الجامعي المعروف بأبو سرور رحمه الله فأهتزت ساحة الأدب العماني وتصدعت أركانها كون الشاعر الأديب عملاقا من عمالقة الأدب العربي والعماني وخصوصاً في الشعر الكلاسيكي الرائع في زمن كثرت فيه المدارس الشعرية وتنوعت وتعددت.ولأنني من الذين جمعتهم لقاءات جميلة جداً مع الشيخ الجامعي رحمه الله كانت سريعة كالطيف ولكنها رائعة كالحلم ،جميلة تلك اللقاءات لأنها تحمل سلوك فقيه وأديب ومعلم عرف كيف هي التربية وكيف هي أساسيات التصرف في خضم حياته المليئة بالعطاء والخير ما بين تلقي العلم وحمل الفأس والمسحاة للعمل في الحقل وما بين العمل معلماً وقاضياً كلها حياة مليئة بالتجارب الرائعة بحلوها ومرها .كانت زيارتي الأولى للشيخ في بيته الكائن بالخوض بمحافظة مسقط تقريباً منذ أربعة عشر عاماً كنا نجري معه لقاء بمناسبة افتتاح مكتبة الشيخ العلامة حمدان بن خميّس اليوسفي الأهلية ببلدة الفرفارة من أعمال ولاية بدبد لكون الشيخ الجامعي أحد تلامذة الشيخ اليوسفي كان كرمه يفوق كل تصور ولا أقصد هنا الكرم كرم المائدة لا أقصد كرم بشاشة الوجه وجمال المحيا ناهيك ن الكرم الحاتمي في المائدة العامرة ،في نهاية الجلسة وزع علينا الشيخ نسخاً من كتبه وكان أخي من ضمن الحاضرين فأعطاه نسخة ثم أتى ليعطيني نسختي هنا اعترض أحد الحاضرين قائلاً تكفي نسخة واحدة له ولأخيه فقال الشيخ الجامعي : لا لكل شخص نسخته الخاصة تعلمت من هذا الموقف حبه لجعل الجميع يقرأ ويتعرف على أبو سرور في تلكم اللحظة أحببت القراءة لأنه أصبح لدي كتب خاصة بي فكان درساً وذكرى رائعة.انتقل الشيخ إلى سمائل وسعدنا جداً لانتقاله ورجوعه إلى مرابع صباه سمائل الفيحاء هي مدرسته الأولى التي انطلق منها إلى عمان ككل من قريات إلى بدبد إلى مسقط ..الخ تارةً معلماً وتارةً أخرى قاضياً ، وكنت في أحد أيام العيد قد ضاق صدري ولا أعلم ما السبب فأحياناً تضيق النفس بدون مسبب لذلك فإذا بهاتفي يرن أحد الأصدقاء يتصل بي قائلاً سأذهب لزيارة الشيخ أبو سرور فهل تذهب معي؟؟ قلت نعم على مضض بسبب الضيق ذهبنا استقبلنا الشيخ ببسمته المعهودة الطيبة وما أن صافحته حتى انزاح الضيق من صدري جلسنا جلسةً أريحية لم نحس بأنه أعلم منا لأن التواضع من شيمه يقطع لنا الفواكه ويعطينا إياها بيديه المباركة وما إن خرجنا حتى انزاح كل الضيق وفاضت روحي بالسعادة.في إحدى المرات زرناه بصدد أننا نريد نؤلف كتاب عن شيخه اليوسفي رحمه الله فقال : الذاكرة لا تسعفني ولكنني أقول لكم بأن الشيخ اليوسفي كان أشهر من نار على علم رحمه الله بعدها تحلقنا حوله فقال هل أحد منكم يحفظ لأبو سرور أبيات فصمت الجميع ورأيت سحنة حزن على وجهه رحمه الله فقلت له أنا يا شيخنا فأنشدت :هذي سمائلُ والأثار شاهدةٌوالحب أصدق من حب يفديهاهنا ابتسم إبتسامة لطيفة جداً جداً مسحت الحزن من وجهه رحمه الله فأرتاح فؤادي بالرغم أنه علق نهاية قولي البيت قائلاً لي :فقط!! أي هذا ما تحفظه قلت نعم وكأنه يعاتبنا على عدم قراءة الشعر وحفظه هي رسالة أخرى تجعل منا مقصرين تجاه شعره الغزير .. إن الذكريات كثيرةٌ جداً ولكن هذا ما خطفته ذاكرتي المتواضعة من مواقف جميلة ورائعة لرجل من الزمن الجميل كإنسان بعيداً عن الفقه والأدب ،فرحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون." أبو سرور.....الراحل"السيف العيسري(الحياة الحقيقية هي تلك التي تمتدُّ بعد موت صاحبها ولا يمدها إلا عمل صالح أو علم نافع) .. هكذا عزّاني الخاطر وأنا أحترق بجمر خبر مفجع مع الفجر: "لقد رحل الأديب الجامعي" رفيق الطفولة وإن كان شيخا،ولو لم نلتق أنا وهو إلا عن بعد يجمعنا كتابه (بغية الطلاب) ولنبدأ الحكاية من أولها ندعمها بلسان الشيخ الذي سال النظم على لسانه كما ينهمر الغيث من الغيم.. إنه الشيخ الفقيه الأديب القاضي حميد بن عبدالله بن حميد بن سرور بن سليم بن علي الجامعي العماني السمائلي المكنَّى بأبي سرور المولود في عام 1942م ..كفل الجامعيَّ جدُّه لأمه،بعد أن قبض والده عبدالله، وهو صغير السنِّ ،وقد كان عوده بالتربية على الجمع بين العلم والكدِّ للعيش الكريم،ولقد كان جدُّه يرسله للعمل فيهرب لطلب العلم ،إذ تتلمذ على يدي العلامة الفقيه حمد بن عبيد السليمي، والنحوي حمدان بن خميس اليوسفي وغيرهما. يحكي الفقيد ذلك قائلا:وطالب العلم لوجه اللهيحظى من الله عظيم الجاهلذاك قمت طالبا للعلموكسبه مسامــرا للنجميبيت حولي الناس في النوم السريوإنني في العلم طي السهرولأنه فقير المال لم يرث من والده ما يقيم وأده إذ صرف والده ماله في طلب العلم كما يصف الجامعي:عشت يتيما ليس حولي والدييدفعني للعلم والمحامدكان أبي ذا ثروة فباعهافي طلب العلم فما أضاعهاولم يخلف غير سيف باتروكتب عظيمة الجواهرقضى حياته كادحا عاملا لا يعرف إلى الراحة سبيلا ومتعلما لا يمل ولا يكل من طلبه.. فصبحه كما يقول لنا:وإن بدا الصبح حملت معوليومنجلي ملتمسا لمأكلوكم قطعت حجر الجبالوكم سردت كوم الحبالوكم غرست باسقات النخلمستَأجرا وبت أشكو وحليوكم بنيت جدرا وجدولامؤجرا حتَّى أنال مأكلاهكذا انقضت زهرة شبابه عاملا باذلا وقد عمل أيضا مدرِّسا بالمضيبي للنحو والحديث والفقه وعمل بسمائل لذات المواد وثم عين مدرسا لها أيضا بالمدرسة - التي سماها مازن بن غضوبة - لـخمس سنين ..انتقل - رحمة الله عليه - للعمل بالقضاء بجزيرة مصيرة ثم بالكامل والوافي ثم لولايتِي إبراء التي يذكره أهلها بالخير ومنها لصور ثم لصحار ثم لبدبد وبعدها لقريات ثم عاد لبدبد ..وعاد بعدها منتدبا للتدريس لأصول الفقه والنحو والحديث في معهد القضاء ثم عاد لبدبد قاضيا ومنها انتقل لولاية صحم مواصلا مهنة القضاء .....أما عن حياة الجامعي في طلبه للعلم فهي كما يقول:والعصر إن جاء لبست ثوبيمطهرا من تربه والعيبأمشي كأني ملك الزمانوما بكيسي ثم درهمانوأنتضي دربي لنحو العلماملازما دروبهم تعلمافأي صبح كان صبحه، وأي عصر كان عصره، وأي همة كانت همته،التي نشر بها علما يبقى له - ما شاء الله - ذكرا حسنا. كان أبي - رحمه الله - متعلقا بأدب الجامعي تعلقا عكسه علينا ومن ذلك ما تقوله أختي التي حظيت بحظ من حفظ أبياته على يد أبي:(أدمن والدي رحمات الله عليه حفظ أبياته،وكان يرددها على القريب والبعيد، ضيفا كان أو من أهل الدار، ولتلك الكتب التي يكثر أبي الترداد عليها قوانين خاصة،كلها تضمن حفظ الكتاب من الضياع، وكانت لي معه حصص ثابتة بعضها للتحفيظ ،وأخرى للقراءة والمناقشة.- ما دفعتني بالعصا للمدرسةأمي وكانت برة وكيسةالجميل في أبياته أنها سهلة وسلسة،ذات معنى راق جدا،ومن ظريف هذا البيت خاصة، كنت أسمِّع هذه الأبيات لأحد الأطفال ليلقيها في محفل،فقال بعفوية: كيف اقول ذلك وأمي تدفعني للدرس أحيانا! فأبى ان يقرأه إلا بعد إقناع دام مدة طويلة.)عاش ابن عبدالله الجامعي عاملا للكسب الحلال طالبا للعلم النافع الرافع،راجيا من الله أن يأجره ويبقي وجوده ولو اندرس رسمه..إنه يقول مقدما لكتابه بغية الطلابأي شيء أهديه يبقي وجوديغير علم وروضة من بيانفاذكروني يا قارئيه بخيرإن ذكرى الأحباب يرعى مكانيبلِّغوا الناس ما وجدت لأخرىغير تقوى ورحمة الرحمنولقد ذاع صيته في عمان قاطبة وهو الذي جال ربوعها معلما وقاضيا ، وقد رحل - غفر الله له - وله كتب منها : الفقه في إطار الأدب ، و بغية الطلاب في أركان الإسلام الخمسة ، وقصيدة رائية في النحو ، وديوان باقات الأدب ، وديوان إلى أيكة الملتقى ، وغيرها من الكتب النثرية الفقهية والمنظومات والدواوين الشعرية :أسألك اللهم حسن الخاتمةوجنة بكل خير دائمةاللهم اكتبه من أهل الجنان، واغفر له يا كريم يا منان وألهم أهله الصبر على فقده والسلوان.. دمعا لفقدكمحمد الشعيليأضحت سمائل في الظلماء والقتمبفقد أقمارها السارين في الظلموأصبحت فجر هذا اليوم ناعيةأبا سرور عبيد الله ذا الشيمهو الفقيه فقيه في مجالسهوفي محاريبه بالحل والحرممعلم مرشد إن جئت زائرهأو جئت طالبه زادا من القيموشاعر وأديب في موائدهوفي تبتله يخلو بلا سأمسمت الملوك على أخلاقه ولههدي النبيين معروفا بكل فمإذ كان في بلدة الفيحاء رائدهاوفي المضيبي بها اﻷستاذ كالعلموقاضيا في صروح العدل تعرفهتلك الصروح بحد حده بعميمجالس العلم في الفيحاء شاهدةبالفقه والأثر المنسوب والحكموبغية وكذا نحوية ذرفتدمعا لفقدك يا من فهت بالكلمحي وإن مت فاﻵثار ناطقةبما نثرت من اﻵثار والقيموما سبكت من اﻷشعار في وطنأودعته قلبك المحفوف بالنسموسطرته يد تروي بمحبرهاصحائفا بروي الهاء في نغممنظومة النحو سفر نير علمبما حوته من اﻹعراب للكلمبها القواعد قد صيغت منضدةمنظومة سهلت للعرب والعجمفعش سعيدا بعلم كنت حاملهومت حميدا به إذ مت في كرم مصباح علمموسى بن قسور العامريمصباح علم بهذا الكون قد رحلابين التراب غدا في الرمس محتفلاكان المعلم والقاضي لشرعتنافقيهنا عالما بالحكم ممتثلاوالشعر مجريه كالياقوت يسبكهيجمّع الناس في درس الهدى عملاأبو سرور غدا بالموت مبتعداعن الحياة إلى الرحمن منتقلاالعلم يبكيه والقرطاس يندبهوسجدة الليل هامت ذكره سبلاوسورة الحمد باتت ترتجي رجلاتعاهد الذكر بالآيات مبتهلابكت سمائل شيخا عالما فطناتقلد العلم فيها صادقا جزلافجاوبتها جميع الأرض باكيةعمان صبرا غدا مقدامنا طللاتبيكي المحاكم والأحكام صاحبهاوقد غذاها بحكم الحق إذ عدلايبكيه حزنا بفيحا العلم منزلهوأهله وكتاب الفقه مذ رحلاتبكيه آي الهدى في كل زاويةيبكي القريب وأهل العلم من كملايا رب وسع له في القبر منزلةأسعده يا ربنا من بعد ما نزلاقربه من صحبة الرسل الكرام غداأسكنة في زمرة تزدان بالفضلاوبالختام صلاة الله أرفعهاإلى مقام رسول الله من كملافسبحوا الله يا قوم الحبيب هدىفنعم من سبح الرحمن ثم تلابرحمة الله تغشى من له كلميالجامعي الذي من علمه نهلافقيد الفقه والأدبمحمد بن عبدالله الخليليما للقصائد تنأى عن رؤى قلمي..كأنها عن ندا نجواه في صممترى تبعثر أفكاري وحيرتها..بين القوافي ولم تنبس ببنت فمولم تنم عنه مذ أمست وسادته..وغيره نام مرتاحا ولم ينموظل يجمع أشتات الرؤى جملا..ما بين متصل منها ومنفصممن سيرة لعميد الفقه شاخصة..في وحي إحساسه بالفقد والألمأبي سرور حميد الجامعي ومن ..تسنم الشعر في تياره العرموكان كالنجم تأتم السراة به..إذا ادلهمت خطوب الجهل والظلمفكم أضاء لياليه ووحشتها..بشمعة الذكر يحييها بلا سأموكم تريض منبتا بخلوته..لله يعبده في أصدق الكلمحتى تنور علماً من لدنه له..به على الخلق إعلاء على القممما قام يدعوه في قول وفي عمل ..إلا وأولاه من علم ومن نعمفأجمل الفقه نظما رق منهله..من منبع العلم أو من مورد الحكموطرز النحو في ألفية فزهت..بتاجها وهي في در من الكلموخط مصحفه بالنور شاهدة..آياته بعزيز الذكر من قلموسامر الشعر في أسمى مجالسه..فبز أقرانه في رقة النغموسل سيف القضا فامتد طائله..عدلا على كل جبار ومنتقمأباسرور وقد قدمت محتسبا..لله مكتسبا فاهنأ بمغتنمفالخلد تدعوك في شوق وفي لهف..والحور تهفو إلى لقياك في ضرمكأنما انت ملك حل ساحتها ..في موكب أينما تمضي وفي حشمفأنت ممن تباهي الأرض في شمم..أهل السماء بهم في مرتقى الهممفالأرض تبكيك مذ أثكلت موطنها..كالأم تبكي وحيداً غير منفطموالشمس في هرج والنجم في مرج ..ما بين منصدم منها ومنعدموالناس لولا عرى الإيمان لانفرطت..دموعهم بين منهل ومنسجمأما بنوك فرغم الخطب ثابتة..قلوبهم لم تزعزعها يد الألموذاك ملمح فضل منك مصدره..كالراسيات تكل الريح في شممفيهم عزاء لنا ما حافظوا ومشوا..على خطاك على الإيمان في عزمواستمسكوا بالهدى نورا وتبصرة..فلا يخافون يوماً زلة القدميظل جسر الدعا بالبر متصلا ..منهم اليك على راس من الشيمأن يرحم الله ما أبليت من جسد..في حبه جل أو قاسيت من سقموأن تظلك منه سحب مغفرة..بغيث مرحمة كشفا من الغمميا راحلا وظلال الله تصحبه..فيالها صحبة تنجيك من ندمأقر السلام رسول الله سيدنا..وانعم بصحبة خير الخلق في سلمعليه خير صلاة الله ينفحها..عطر القوافي على بدء ومختتموالآل والصحب والأتباع من حفظوا..عهد النبوة موصولا إلى الأمم جئتُ وفاءْعقيل اللواتيبكاكَ القصيدُ رثاكَ القضـاءْوكلُّ العُلومِ تصـوغ الـرِّثاءْوينعاكَ فِـقهٌ بعينِ المَصَـابِوفيحـا عُـمانٍ تنـوحُ وفـاءْنُـقِـرُّ بـأنَّ الـقَـضَـا نَـافِــذٌولا شيءَ يُجـدي لـردِّ القضاءْوإلا فدتـكَ نفـوسُ الجميـعِوحقَّ لها اليومَ هذا الفِـداءْجَمعتَ المعارفَ يا جَـامعـيوأيتمتها رَغبـةً للسَّـمَـاءْقوافيكَ تأتي، بهـا حُـزنُـهـايُـعـزِّي الخِصالَ ويبكي النَّقاءْوحَـرفُ رِثاكَ يعـودُ حَـزيـناًويرسِـمُ فوق الضَّريحِ العَزاءْعُـيـونُ القصائِـدِ تبكي عَليكتُبـلِّلُ قَـبـراً سَـما بالـضِّيـاءْليجـري باسم المَـودَّةِ نَـهْـراًيطوفُ عليكَ طوافَ الـعَطَـاءْفأنتَ لقُـدسِ الحُروفِ قَصـيدٌيُـوحِّدُ فيكَ الـرُّؤى و الـرُّواءْأتيتُـكَ أسـعـى بقلـبٍ كلـومٍتزاحَـمَ فيه نَـزيـفُ البُـكـاءْرأيـتُ وفـاكَ وعَـلَّـمـتـنـيهفجـئتُ لمعنـى الـوفَـاءِ وَفَـاءْ موت الكرامحمود بن علي بن خميس الرواحيموت الكرام على الكرام ثقيللكن امر الله وهو سبيليمضي على كل اﻷنام وما درىفي اي يوم ثم حان رحيلهذا هو اﻹنسان في ايامهمتجوﻻ بين الورى مشغولدنياه تمضي وهو فيها ﻻهياما كان يدري حامﻻ محمولشيخ القريض مضى وصار مودعاللقاء رب العرش طاب نزيلكم كان في بحر القريض موجهالسفائن الفصحاء هو المأمولاقرأ له ما خط باﻷسفار منتلك المباهج اذ تحار عقولشعرا ونثرا كم قرأنا اسطرامن فيض فكر الشيخ وهو يقولﻻ زال للعلم الشريف معلماحلقاته بين اﻷنام دليلصبرا سمائل والدموع سواكباحزنا على الوجنات وهي تسيلماذا نقول وقد مضى متقدمانحو الجنان ليجتني المحصولفهناك يلقى كل ما قد ساقهقدما كزاد واﻹله جليليارب فارزقه الهناء تفضلافي جنة فيها المياه تسيلما بين حور العين والولدان فيروض به ضل السرور ضليلوصلاة ربي والسﻻم كﻻهماتغشى النبي المصطفى المرسولواﻵل واﻷصحاب ما شعر بداموت الكرام على الكرام ثقيل