لم يدع الله عباده على دون هدى في قراءة القرآن بل أبان لهم طريقة أدائه عندما أمر جبريل ـ عليه السلام ـ بتعليم ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) وبالتالي تعليم النبي أمته بذلك، وهذا كله من رحمة الله ـ جلّ جلاله ـ ومن جمعه تعالى لهذه الأمة على قرآن واحد يعيشون به في واقع حياتهم، ولو كان هناك أكثر من قرآن واحد لتفرقت وللعن بعضهم بعضاً ولتقاتلوا فيما بينهم.ونحن إنما تلقينا القرآن عن النبي (صلى الله عليه وسلم)عبر الأجيال بالنقل المتواتر، وقد كان الصحابة يجودون القرآن ويحسنون به أصواتهم وينقلونه كذلك إلى التابعين وتابعي التابعين حتى انبثقت القراءات السبع المتواترة عند مجيء القراء السبعة وقد تلقتها الأمة بالقبول وأضيف إليها ثلاث أُخر ليكون مجموعها عشر قراءات مقبولة لدى الأمة, هذه القراءات تحكي كيف قرأ النبي (صلى الله عليه وسلم)، فكان حرياً بنا أن نقرأ القرآن كما أنزل عليه توقيفاً من الله, دون أن يصح الاجتهاد فيه وهذا من دواعي حفظ الله لكتابه الكريم.وعلم القراءات هو علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة، والقيد الأخير يمنع القراءة بالاجتهاد ويسندها إلى النقل المتواتر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم), واختلاف القراءات يكون في ثلاث جهات: اختلاف في النظم, وهو التركيب النحوي, نحو قراءة قوله تعالى:(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة ـ 37) بنصب (آدم) ورفع (كلمات)، واختلاف الكلمات في موضع واحد، نحو قراءة (ولا يخاف عقباها) بالفاء عند نافع وابن عامر وأبي جعفر وبالواو عند غيرهم، واختلاف أداء الكلمات, نحو ضم هاء (عليهُم) عند حمزة, وكسرها عند غيره.فالشرط الأول في القراءة الصحيحة أن توافق قواعد العربية, نحو قراءة قوله سبحانه:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) (النساء ـ 1), بكسر (الأرحام)، حيث يجيز النحو الكوفي بعطفه على الضمير في (به)، والشرط الثاني موافقته للرسم العثماني كقراءة (ملك يوم الدين), و(مالك يوم الدين) فإن الأخير تكتب في الرسم هكذا (ملك)، والشرط الثالث اتصال السند إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلى ذلك تكون أنواع القراءات كما يلي: قراءات متواترة التي تصح وحدها في القرآن، وقراءات مشهورة وهو القراءات الصحيحة التي لم تبلغ حد التواتر، ولا يجوز ردها لثبوتها عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، مثالها تحقيق همزتي (أئمة)، وقراءات أحادية صح إسنادها لكن خالفت النحو أو الرسم العثماني كقراءة قوله تعالى:(من حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (الأنفال ـ 42) بيائين ظاهرتين مخالفة للرسم العثماني الذي جاء بياء واحدة، وقراءات شاذة لم يصح إسنادها وإن وافقت الرسم العثماني وقواعد النحو، نحو قراءة:(ملك) كفعل ماضي في الآية:(ملك يوم الدين)، وقراءات موضوعة وهي المختلقة المكذوبة، وقراءات مدرجة وهو إدخال شئ من التفسير في القرآن، نحو قراءة:(كل سفينة صالحة غصباً).ولا يصح التعبد بالقراءات عدا المتواترة، ولا يجوز أن تجعل قرآناً, لأن القرآن يجب التيقن فيه والقطع به، وقابل ابن الجزري في نظمه, القراءة الصحيحة بالشاذة فتشمل عندها الأحادية والشاذة والموضوعة والمدرجة، ومن قسم القراءات إلى متواتر وأحاد جعل القراءة المشهورة ضمن الأحادية. علي بن سالم الرواحي