.. والتقدير: إذا حالت فأحْر أن أتحول، أي جدير بي ذلك التحول، وكذلك نحو قولك: ما أحسن ـ بالرجل ـ أن يصدق، وما أقبح ـ به ـ أن يكذب، وأما مثال الفاصل الجار والمجرور والمنادى فكما قال عليٌّ (رضي الله عنه) عندما مر بعمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ وهو مقتول، فمسح التراب عن وجهه، وقال: أعْزِزْ عليَّ أبا اليقظان أن أراك صريعاً مجدلاً، وإعراب هذا القول المأثور عن عليٍّ ـ كرم الله وجهه ـ فكالآتي: أعزز: فعل ماض ورد على صورة الأمر لا محل له من الإعراب، وعليَّ :جار ومجرور متعلق بالفعل (أعزز)، وأبا: منادى منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، واليقظان: مضاف إليه، وأن: مصدرية ناصبة، وأراك: فعل وفاعل ضمير مستتر تقديره أنا، والضمير مفعول به أول، وصريعاً: مفعول به ثان، ومجدلاً: صفة منصوبة، والمصدر المؤول مجرور بحرف جر محذوف قياساً، وهو فاعل لأعزِزْ مجرور لفظاً مرفوع محلاًّ.
وأما الحكم الخامس فيتعلق بحذف المتعجب منه، يحذف من الصيغتين، وهذا لا يكون إلا بتوفر بشرطين، هما: أن يدل على المحذوف، وأن يكون المحذوف ضميراً، ويشترط مع صيغة (أفعل به) أن تكون معطوفة على صيغة أخرى مثلها مذكور معها المحذوف، ومن نماذج ذلك قول الله تعالى:(أسمع بهم وأبصر)، وإعرابه كالآتي: أسمعْ: فعل ماض ورد على صورة الأمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وبهم: الضمير (هم) فاعل مجرور لفظاً مرفوع محلاًّ، وهو المتعجب منه، وأبصر: فعل ماض ورد على صورة الأمر والمتعجب منه محذوف لتوفر الشرطين السابقين والتقدير: وأبصر بهم، ونحو قول الشاعر:
فذلك إن يلق المنيةَ يلقها
حميداً وإن يستغن يومًا فأَجْدِرِ
وإعراب هذا الشاهد يكون كالآتي: فذلك: اسم إشارة للبعيد مبتدأ مبني في محل رفع،واللام للبعد حرف لا محل له من الإعراب، والكاف حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وإنْ: شرطية جازمة حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ويلق : فعل الشرط مجزوم بحذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره هو، والمنية: مفعول به، ويلقها حميداً: جملة جواب الشرط و(يلق) فعل مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل مستتر جوازاً، تقديره هو، والضمير مفعول به أول، وحميداً: مفعـول به ثانٍ، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب الشرط لأن الجواب لم يقترن بالفاء، وإن: شرطية جازمة حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ويستغن: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الياء لأنه معتل الآخر، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو.
يوماً: ظرف منصوب، وفأجدر: فعل ماض ورد على صورة الأمر، مبني على السكون وحُرِّكَ بالكسر لأجل القافية، والمتعجب منه محذوف والتقدير: فأجدر به، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
وقال الشاعر الآخر شاهدا على حذف المتعجب منه:
جزى اللهُ عني والجزاء بفضله
ربيعة خيرا ما أعفَّ وأكرمَا
وإعراب مثل هذا الشاهد يكون كالآتي:
جزى: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر، لا محل له من الإعراب، والله: لفظ الجلالة مرفوع على التعظيم، وعني: شبه جملة في محل نصب حال، والواو: واو الحال، وهي حرف مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب، والجزاء: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وبفضل: شبه جملة في محل رفع خبر، والجملة في محل نصب حال، وربيعة: مفعول أول للفعل )جزى(، وخيراً: مفعول به ثانٍ، وما: مبتدأ في محل رفع ، وأعف: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والمتعجب منه محذوف تقديره: ما أعفها، وأكرما: (فعل وفاعل) والمتعجب منه محذوف، والتقدير: أكرمها، وأما الحكم السادس، فهو متعلق بجمود الصيغتين: فكل من صيغة (ما أفعله، وأفعل به) جامدة، أي: غير مشتقة فلا تأتي منهما صورة أخرى؛ ولذلك لا يتقدم عليهما معمولهما، فلا يقال مثلاً: فاطمة ما أعفَّ!، ولا بفاطمة أعزِزْ!.
وأما الحكم السابع من أحكام أسلوب التعجب فيتعلق بزيادة الفعل:(كان) بين (ما) التعجبية، وفعل التعجب، كما تقول: ما كان أعف فاطمة! (أي: ما أعف فاطمة)، ويكون إعراب (كان) عندئذ فعلا ماضيًا زائدًا، لا محل له من الإعراب، فصل بين (ما) التعجبية، وفعل التعجب (أي: فصل بين المتلازمين نحوياً).
وأما الحكم الثامن، والأخير من أحكام التعجب فيتصل بالأفعال الملازمة للبناء للمجهول، حيث يجوز صوغ التعجب منها، فالأفعال:(عُنِيَ وزُهِيَ وجُنَّ وزُكِمَ) ملازمة للبناء للمجهول، فيقال عند التعجب منها: ما أعناه!، ما أجنه!، ما أزهاه!، ما أزكمه!، وهكذا، كأنها ـ لأجل لزومها صيغة البناء للمجهول ـ عوملت معاملة المبني للمعلوم، فصيغ منها التعجب بطريقة مباشرة، والأولى إعراب ما بعدها فاعلاً، لا نائب فاعل، والضمير مفعول به في (ما أزكمه!)، والجملة ـ كما سبق ـ اسمية وجب فيها التزام الأصل وترتيبه .. هكذا بدا هذا الأسلوب في كتاب الله، وجاء أغلبه في شواهده، وجاءت أحكامه متسقة مع لغة القرآن الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
جامعة القاهرة بكلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية