محمود عدلي الشريف*لقد منَّ الله تعالى علينا بحبله المتين، وكتابه المبين، من أمعن فيه النظر، وجد فيه ما فيه مما لا يتناهى من العظات والعبر، ومما أودع الله تعالى في طيات الآيات والسور، يلهم الله فهمها من يريد من عباده، ويفتح تعالى بها على من يشاء من خلقه، ومن السور المعجزة العظيمة التي تظهر عظمة الله تعالى في الخلق والتدبير (سورة التكوير).وما دعاني ـ قرائي الكرام ـ لاختيار هذه السورة المبهرة، والتدبر فيمعجزاتها الظاهرة، ما ذكر لي بعض الأخوة عن هذه السورة الكريمة أن منهم من لا يستطيع أن يحفظها أوأنها تشق عليهم في حفظها وتثبيتها لأنهم يخطئون خاصة في بدايتها، ظناً منهم أنها متشابهة مع غيرها من السور، وإن كان هناك شيء من ذلك، ولو تدبرنا هذه السورة العظيمة ـ إخوة الإيمان ـ لوجدنا أن حفظها سهل وميسّر بإذن الله تعالى، ولكن دعونا أولاً نقرأها:(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ .. الى آخر السورة).وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة باختصار وتبسيط "جاء في كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (15/ 297 وما بعدها) ما ملخصه:(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) أي: أزيل ضوؤها ، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة، ومستتره بعد أن كانت بارزة.(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أي: تناثرت وتساقطت وانقلبت هيئتها من اللمعان والظهور، إلى الميل نحو الظلام والسواد، يقال: انكدر البازي، إذا نزل على فريسته بسرعة، وانكدر الأعداء على القوم إذا جاءوا أرسالا متتابعين فانصبوا عليهم.ويصح أن يكون المعنى: وإذا النجوم تغيرت وانطمس نورها، وزال لمعانها، من قولهم:كدرت الماء فانكدر، إذا خلط به ما يجعله مائلا إلى السواد والغبرة.(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أي: اقتلعت من أماكنها فسارت في الفضاء بقدرة الله تعالى، قال تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)، وقال سبحانه: (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً).(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ): والعشار جمع عشراء كنفساء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، وتسمى بهذا الاسم إلى أن تضع لتمام السنة، والنوق العشار كانت من أثمن الأموال عند العرب، وكانوا يحافظون عليها حتى في أشد حالات الخوف، ومعنى (عُطِّلَتْ): أهملت وتركت بدون راع يحميها، أو يلتفت إليها، وهذا تصوير بديع لما يصيب الناس من أهوال، تجعلهم لا يلتفتون إلى أعز أموالهم لديهم.أي: وإذا النوق العشار ـ التي هي أغلى الأموال ـ عطلت، أي: تركت دون أن يلتفت إليها أحد، لانشغال كل إنسان بنفسه، وقال القرطبي ما ملخصه:(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أي: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها، الواحدة عشراء، وخصت بالذكر، لأنها أعز ما تكون عند العرب، وهذا على وجه المثل، لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، ولكن أراد به المثل، أن هول يوم القيامة، بحال ما لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أي: وإذا الحيوانات المتوحشة ـ كالأسد والنمر وغيرهما، حُشِرَتْ أي: جمعت من أماكنها المتفرقة، وقيل: حشرت: بعثت للقصاص، فيحشر كل شئ حتى الذباب. *[email protected]