[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لي صديق سافر إلى الصين بناء على دعوة من احدى مؤسساتها .. رافقه في الزيارة عرب آخرون وخصوصا من الاخوة الفلسطينيين .. هنالك جرى تعارف تطور إلى صداقة سريعة .. اللافت بالنسبة له، مرور فترات من الراحة انعكست لقاءات بين الأطراف، وخصوصا بينه وبين المجموعة الفلسطينية.
أثناء ذلك، ولملء الفراغ اقترح الصديق غناء من الأناشيد الفلسطينية التي سطعت إبان العمل الفدائي، فاكتشف أن لا أحد من الفلسطينيين له دراية ولو بجملة واحدة منها .. بل شعر أنهم حبذوا تجاوز هذا النوع من الغناء، كأنما لا يريدون العودة إلى الحقيقة الفلسطينية بمسمياتها النضالية.
المؤسف أيضا أن تلك الأناشيد ممنوعة من شتى الإعلام الفلسطيني .. ليس من مسؤول فلسطيني أو ربما أكثرهم يسعى لتجاوز ذلك الزمن، وكأنه لا يريد جيلا مجبولا بتلك المعطيات التي يولدها هذا النوع من الغناء والأناشيد.. في الوقت الذي يعرف هؤلاء أن الأجيال الفلسطينية تجاوزت مفرداتهم الميتة، وحتى الفلسطينيين الموجودين في الأرحام يحفظون سر الأرض الفلسطينية كي لا أقول معرفتهم بتلك الأناشيد وتأثيرها على نفوسهم.
شكّل النشيد الفلسطيني إبان العمل المقاوم والكفاح المسلح حالة تأثير كبير على جموع الفلسطينيين في كل مكان، حتى ليمكن القول إنه هز العمق الفلسطيني ودفعه إلى الالتحاق بالمسيرة تلك. فقد صدحت في المخيمات وعبر مكبراتها وصارت لازمة يومية، حفظ مضمونها الجميع بلا استثناء. وكلنا يعلم مدى تأثير النشيد الوطني في النفوس، في فترات الصراع وعبر تاريخياته، كان هنالك أغنيات وأناشيد خاصة تحرض الشعب وتدفعه إلى الالتزام الفوري بدون أي نقاش.
الأناشيد الفلسطينية المقاومة أدت في ما أدت إليه إلى تعبئة الشعب الفلسطيني، إلى غسل دواخله من كل إطار فني لم يحقق له شعورا بالانتماء بالثورة. كثيرة هي الأغنيات عن فلسطين ومن كبار المطربين العرب، لكنها لم تكن لتشكل حالة دفع مثلما هي عليه النشيد الفلسطيني الذي تمايز بكلماته الدقيقة والمنتقاة بعناية، وبموسيقاه الشعبية القريبة إلى وجدان كل فلسطيني وعربي .. كانت أناشيد ذكية للغاية، بل واكبت كل التحولات التي طرأت على الثورة في شتى مجرياتها، من الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية، إلى معنى التضحية من أجل فلسطين، إلى سكان الأرض المحتلة، إلى الصمود، والشهادة، وهو امتياز كبير أن يقول نشيد مثل هذا التوجه.
قال لي الصديق إنه شعر وكأن كبار السن من الفلسطينيين تعبوا، في الوقت الذي عليهم أن يكونوا المرجع الصالح للتأثير على الأجيال الفلسطينية التي شقت طريق وعيها منذ نعومة أظفارها، بل هي تجاوزت الكبار وغير الكبار، صارت منذ طفولتها مدرسة محققة لا يمكن التأثير السلبي عليها، بل هي على طريقتها تحتفظ بكل مناخات العمل الفدائي الذي سبقها وتحتفظ منها بكل جمالياته وما صدر عنه.
أقول لكل متعب من الفلسطينيين، إن الأمور ما زالت في بداياتها، والصراع ما زال في ألف بائه ولم يتجاوزه بعد .. لكن يمكنكم الاعتماد على أجيالكم الطالعة التي ستتجاوزكم حكما، ولديها مفاتيح جديدة للنضال وهي لم تتعب ولن تتعب، بل سعيها أن تصل إلى أهدافها، وكل تعبير تقوم به ضد الإسرائيليين، هو بالنسبة إليها تعبير عن مضمون أبعد بكثير من آنيته.