[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author] قد يرى البعض أن "عقدة الخواجة" هي حالة أصبحت من الماضي بعد مرور عقود طويلة على عهد الاستعمار الأوروبي والتحرر منه، وأن كثيرا من شعوب العالم التي كانت دولها مستعمرة من قبل الأوروبيين (الذين نستخدم هنا في وصفهم، ومعهم الأميركيون والأستراليون ـ وكلهم نتاج أوروبي ـ وأمثالهم، التعبير الشعبي: خواجات) تخلصت من مركبات النقص تجاه الخواجات. لكن واقع الحال يظهر أن عقدة الخواجة ما زالت موجودة، خصوصا في منطقتنا وبين شعوب بلادنا. ولا يقتصر الأمر على الجماهير العريضة التي ربما ما زالت ترى الخواجة في مرتبة أعلى كثيرا لأنها تستهلك ما ينتجه وتتعلم ما يبتكره وما إلى ذلك، وإنما العقدة لدى النخبة أكبر وأعمق. وليس أدل على ذلك من المعاملة التي يلقاها الخواجة في بلادنا مقابل ما يلقاه غيره، حتى لو كان من بلاد أقرب إلينا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا. وببساطة، انظر لو أن هناك مشروعا أو غيره في بلد من بلادننا وتقدمت له شركة لخواجة وشركة محلية أو إقليمية، فمن يفوز بالعقد؟ وليس للأمر علاقة بمهارة الخواجة في تسويق نفسه، فلدينا من كفاءات التسويق والدعاية والترويج (وربما حتى النصب) من هم أكثر مهارة من الخواجات.هنا، ربما يكون للخواجة ميزة خاصة وأنه في كثير من المجالات ما زال اقتصادنا بحاجة لنقل المعرفة والخبرة التي سبقنا فيها الخواجات كثيرا. لكن حتى في القطاعات التي قد لا توفر هذه الميزة، وهناك محليا ما يقابل ما لدى الخواجة، تجد أن النخبة الاقتصادية ستفضل الخواجة حتى ولو من باب "الغالي ثمنه فيه" باعتبار أن كلفة الخواجة بالطبع أعلى ومن ثم فالحكمة التقليدية أن ما سيقدمه سيكون أفضل. ولسنا بحاجة لتعداد الأمثلة والنماذج، فالقوائم طويلة جدا. ولنراجع الأخبار في السنوات الأخيرة لنحصي كم من خواجة جئنا به ليتولى رئاسة شركة وتركها وهي في وضع أسوأ مما تسلمها، وبعض من تلك الشركات بلغت خسائره في ظل قيادة الخواجة المليارات. ولم نسمع عن خواجة تمت محاسبته من هؤلاء، وذلك لأنه ببساطة هناك أسباب وتبريرات تساق في مثل تلك الحالات دون إلقاء اللوم على الخواجة كي لا نظهر وأننا أخطأنا الاختيار أو أننا نعاني من "عقدة الخواجة". صحيح أن كل ما سبق يمكن أن يحدث مع الخواجة وغير الخواجة، وأن الأخطاء يجب ألا تعمم ونخرج منها باستنتاجات تعسفية صارمة. وصحيح أيضا أن هناك بين الخواجات، كما هو بيننا، من يعرف ومن لا يعرف ومن هو ماهر في مهنته ومن هو مدعي ...إلخ.إنما ترسخ عقدة الخواجة لدينا تتجاوز مجال الاقتصاد والأعمال، ويبدو أنها متعمقة ثقافيا بشكل يكون مرضيا. وتتجاوز مخاطرها مجرد المظهر، بل تؤثر سلبيا بشدة على محاولات التطور والتقدم لبلادنا ومجتمعاتنا. وللأسف الشديد تحضرني هنا مزحة بريطانية مريرة جدا: "انضم بروفيسور هندي لجامعة مرموقة في لندن ولم يكن زميله البروفيسور الإنجليزي يعيره اهتماما حتى عندما يحاول السلام عليه. فتصور أنه لأن سيارته نيسان والخواجة سيارته مرسيدس، فاشترى مرسيدس .. ولا تغيير. فقرر نقل سكنه إلى بيت مجاور لزميله الإنجليزي في حي راقٍ شمال لندن، و.. و.. والإنجليزي لا يهتم. إلى أن ناداه ذات صباح قائلا: بروفيسور فلان، أنت بروفيسور وأنا بروفيسور، لديك مرسيدس ولدي مرسيدس .. و... و.. إلى أن قال: تسكن في شارع كذا وأنا أيضا، لكني أفضل منك. فاستفسر زميله، فرد: لأني جاري المباشر إنجليزي وجارك المباشر هندي". وإن اعتبر البريطانيون تلك نكتة، فإنها أشعرتني حين سمعتها للمرة الأولى بغصة لعنصريتها القائمة على مركب الدونية وعقد النقص حين يعتبر البريطاني الهند وكأنها ما زالت مستعمرة متخلفة تحت التاج. لكن بعيدا عن النكتة، تطورت الهند وتجاوزت عقدة الخواجة وأصبحت اقتصادا وغيره تبز بريطانيا وغيرها من الخواجات.ونحتاج في بلادنا أن نتخلص من تلك العقدة إذا كان لنا أن يكتمل استقلالنا أساس وبالتأكيد حتى يمكننا التطور والتقدم. فلا يجوز أن ننتظر ماذا سيقول إعلام الخواجة عن أمر عندنا حتى ننبري للدفاع والتغيير، أو نسعى لأن تكون صورتنا في إعلام الخواجة جيدة بغض النظر عن الحقيقة على الأرض. ليس ذلك فحسب، فحتى الآن لم أفهم ذلك النواح العربي على الخروج العسكري الأميركي من سوريا إلا في السياق ذاته. وكأننا نندب حظنا أن يتركنا الخواجة ندبر أمورنا بأنفسنا .. والأمثلة ممتدة في السنوات الأخيرة. ويشعر المرء بالأسى والغيظ وهو يرى نخبتنا تتصور أنها تهم الخواجات، وكأنهم لا شغل لديهم إلا شؤوننا وقضايانا!! والحقيقة أن الخواجة من فرط عمليته وبراغماتيته لا يهمه أمرك، ولا حتى يهمه أن يعرف أين تقع بلدك ـ إلا بما يخدم مصلحته الانتهازية جدا. غير ذلك، لا يهمه حقوق الإنسان في تلك البلدان، ولا الحرية والديموقراطية التي يعزفون سيمفونيتها كلما كانت لهم مصلحة. هؤلاء هم الخواجات، وبالله عليكم إنهم لا يستحقون حتى أن يكونوا "عقدة".