[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author] كنت أظن أن الموت أصعب شيء في الحياة، ولكن بعد تجربتي المريرة مع مرض زوجتي الراحلة، تبين لي أن هناك شيئا أصعب من الموت؛ ألا وهو الألم الذي تعجز أعتى المسكنات عن تخفيفه، لدرجة أن يظل المريض مستيقظا عاجزا عن النوم لأيام وأسابيع وربما شهور من شدة الألم، وربما يطلب من المحيطين به أن ينزعوا عنه الأجهزة التي تساعده على التنفس والتغذية، أملا في الدخول في غيبوبة تنقذه من هذا الألم، وقد يصل الأمر أن يطلب منك المريض بإلحاح أن تساعده على الموت.وأنا صغير كنت أتعجب عندما أسمع أمي تصيح في فزع عندما يحدث مكروه لي أو لأحد إخوتي بكلمة "يا كبدي" وأقول في تهكم لماذا لا تقول "يا قلبي أو يا كليتي" وبعد تجربتي المريرة مع مرض زوجتي عرفت لماذا اختارت أمي هذا العضو، وقديما قال الشاعر: "أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض" فيبدو لي أن الكبد أهم عضو في جسم الإنسان.وما زالت أمراض السرطان تتربع على عرش الألم، وأظن أن أصعبها هو سرطان الكبد؛ حيث يفتك الورم الخبيث بخلايا الكبد ويؤدي إلى فشله في القيام بوظائفه، فترتفع العصارة الصفراء المسؤولة عن هضم الطعام، ويفقد المريض شهيته وتنعدم رغبته في تناول الطعام أو الشراب وتنخفض نسبة الألبومين في الدم فيفقد الكبد قدرته على التحكم في سوائل الجسم، وتتدفق السوائل منه لتتجمع في بطن المريض وتتورم ساقاه وقدماه، وهو ما يسمى بـ"الاستسقاء". وإذا بدأ المريض في البذل "شفط المياه المتجمعة في تجويف البطن" ـ لتخفيف الضغط الحاصل على الرئة تزيد درجة ارتشاح الكبد ويدخل المريض في غيبوبة ويحدث الفشل الكلوي وتهبط نسبة الصوديوم والبوتاسيوم في الدم؛ حتى تنهك عضلة القلب وتنتهي حياة المريض بهبوط حاد في الدورة الدموية. ورغم التطورات الكبيرة التي طرأت على علاج الأورام السرطانية، وكان آخرها ظهور العلاج المناعي على يد صاحبي نوبل في الطب للعام 2018 الياباني تاسكو هونجي والأميركي جيمس أليسون والذي يعتمد على رفع كفاءة الجهاز المناعي للمريض وتثبيط المادة المقاومة للمناعة داخل الورم الخبيث حتى يسهل القضاء عليه.وهو الدواء الذي استخدم في علاج الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي كان يعاني من سرطان الجلد وكان العلاج المناعي سببا في شفائه.ولكن يبدو أن العلاج المناعي حقق نجاحات في أنواع محددة من السرطانات مثل: "الميلانويا" والرئة والغدد الليمفاوية وبدرجة أقل مع الكلى والبنكرياس ولم يحقق نفس النتائج مع سرطان الكبد، خصوصا في الحالات التي تكون نسبة التليف في الكبد عالية أو أن الورم الخبيث قريب من الوريد البابي المسؤول عن دخول الدم للكبد، كما أن تكلفته حتى الآن باهظة وليس هناك مدة محددة لاستخدامه.من فضل الله علينا أن نكون إنسانيين، وأن نساند أعزاءنا ونقف معهم في محنة المرض حتى ينفذ أمر الله، مهما كانت المشقة ومهما بلغت التكاليف، وأن يظل الأمل في الشفاء حاضرا مهما تدهورت الحالة الصحية للمريض الذي يحتاج إلى رفع روحه المعنوية، ويشعر أن المحيطين به متمسكون بوجوده بينهم مهما بلغت معاناتهم، وأنهم يبذلون أقصى ما يمكنهم من جهد ومال من أجل إنقاذه والتخفيف عنه وتحمل آلامه بحب دون تململ أو إكراه، فليس هناك إنسان بمنأى عن المرض ويوما ما ستأتي النهاية، وما تزرعه اليوم من خير وصبر وعطاء ومروءة ستحصده إن عاجلا أو آجلا.في الغرب شرعت بعض الدول القتل الرحيم بناء على رغبة المريض أو أسرته للخلاص من الألم والأمراض المستعصية على الشفاء، تحت إشراف طبي، بإجراء تدخل متعمد لإنهاء حياة المريض عن طريق إعطائه حقنة قاتلة على سبيل المثال، وهو ما أقره القانون في كل من هولندا وبلجيكا بعد جدال ونقاش استمر ثلاثين عاما، والقانون هناك يعتبر القتل الرحيم مشروعا وفق حالات وشروط دقيقة حددها المشرع ولا تتم ملاحقة الطبيب المسؤول.غير أن المعارضين للمشروع في هولندا اتهموا الحكومة بأنها أصدرت هذا القانون لتخفيف مصاريف الرعاية الطبية.وعن موقف الأطباء من القتل الرحيم في أميركا وافق 16% فقط منهم على القيام بتوقيف حياة المريض إذا طلبت أسرته ذلك، حتى ولو كان هذا الإجراء سابقا لأوانه، بينما هناك 55% منهم رفضوا ممارسة هذا الإجراء تحت أي ظرف، أما النسبة الباقية 29% فكان جوابها بأن القرار يعتمد على الظروف والحالة المرضية، واتفق 46% من الأطباء المشاركين في الاستبانة أنه ينبغي السماح للأطباء بالمساعدة في إنهاء حياة المريض في بعض الحالات الميؤوس من شفائها.الأديان جميعها تحرم القتل الرحيم تحريما مطلقا وتعتبره جريمة قتل عمد، لأن الله هو الذي يحيي ويميت، وهناك كثير من الآيات القرآنية تؤكد أن الموت هو من حق الله وحده واهب الحياة، وأن النفس ملك لله؛ استودع الإنسان إياها فلا يجوز له الانتحار ولا التفريط فيها بواسطة الغير حتى لو كان طبيبا يهدف إلى إراحته من آلامه، وإنما علينا تدريب أنفسنا على الصبر على البلاء ومساعدة مرضانا والالتفاف حولهم حتى نمكنهم من تحمل الألم والإيمان بقدرة الله على الشفاء.