[author image="http://alwatan.com/files/2014/04/ahmedalma3shany.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد المعشني[/author]أخي أبي عبد الرحمن.. كتبت هذه الكلمات قبل آذان الفجر بقليل. عندما بدأت أتلمس لوحة حروف جهاز الحاسوب لنقل خواطري، شعرت بك والله كما لو كنت تقرأ معي ما أكتب، كما لو كنت ترى مشاعري، وتنظر من أعلى متحررا من كل ما يسحبنا نحن أهل الدنيا نحو الأرض ويلبسنا العاجلة بكل جاذبيتها ومخاوفها وتوافهها أحيانا. قالوا عنك الكثير وهو قليل في حقك، وفوجئ أهلك ومعارفك ومحبوك باتساع مساحة محبتك وشعبيتك وتقديرك في نفوس الناس شرقا وغربا، فهناك من رثاك في باكستان وهناك من نعاك في أميركا وفي فلسطين شيعوك بالدعاء وذكروك كبطل. أما في وطنك عمان فقد أظهر الإعلام العماني المرئي والمقروء والمسموع والرقمي سيرتك العطرة مقرونة ببعض انجازاتك وختموا الخبر بالتأبين والدعاء. وعندما هممت أن أكتب عنك في الأسبوع الأول من رحيلك إلى الحياة الرحبة الجميلة وظلال رحمة ربك، هربت مني الكتابة وسيطرت علي مشاعر الفراق وكانت صورتك لا تغادر عقلي وقلبي، صورتك وأنت تقابل الناس بابتسامتك الرضية وتبسط لهم محياك وقلبك، ولا يمكنك أن تتخيل أخي ابي عبد الرحمن ما قيل في تأبينك من شهادات، فجميع الجروبات التي كنت عضوا فيها، لا تزال كلماتك والصور التي تبثها مقرونة بتعليقاتك الذكية عليها والأدعية الجميلة التي كنت ترسلها إلى أحبابك في أوقات السحر وصبيحة الجمعة، لا تزال حية تنبض بالخير الذي كنت تشحنها به.أنا أعلم أنك تعلم كل ذلك وتعرفه، فأنت كائن روحي والأرواح خالدة لا تموت، فقط تنتقل من حالة وعي إلى حالة أخرى، فأنا أعلم بأن الموت هو بداية حياة، واستمرار وجود، وخلودك يبدأ برحيلك عنا.أخي أبي عبد الرحمن، عندما كنا نصلي عليك ونذكر مآثرك ونشعر بفراقك، كان هناك فرح بمقدمك عند الذين كتبت عنهم في حياتك وذكرتنا بمآثرهم وأخلاقهم من علماء وشيوخ ومناضلين، كنت تحيي تاريخهم في ذاكرتنا، والآن ها أنت توسع اهتمامنا وتوجه تفكيرنا وانتباهنا لنذكرك ونذكرهم ونستفيد مما تراكم لدينا من مقالاتك وكتبك وأبحاثك، فأنت حي بيننا بالرغم من رحيلك عنا. لقد جمعتني بك الظروف في ندوات ومؤتمرات ومحاضراتك وجلسات نقاش عديدة، ولم يسمع منك الناس إلا خيرا.لقد عشت حكيما في الدنيا ورحلت بصيرا وأنت ساجد، كنت ترى الدنيا على حقيقتها وجمالها ولكنك لم تفتتن بها، ولم تشغلك عن الحياة الحقيقية التي تعيشها الآن. كنت تعيش الدنيا بقيم وأخلاق ومعنى الآخرة، وكنت تسعى في قضاء حوائج الناس، وتجمع التبرعات للشعوب المنكوبة، وفي نفس الوقت كنت تكتب تاريخا وفكرا حول الحقيقة والمعنى والدين والعلم والفلسفة والتاريخ.وكنت تسير مع البسطاء تعلم الناس الدين بالأخلاق والقدوة بدون خطب أو كلام، جعلت حياتك مدرسة يتعلم فيها من كل يعرفك. لقد شرفك الله برسالة الفكر والثقافة والعلم منذ كنت طفلا في المرحلة الابتدائية عندما تم تعيينك مسؤولا لغرفة القراءة في مدرسة حطين بولاية طاقة، ثم جمعت بين النضال والدراسة، فشاركت الإخوة الفلسطينيين نضالهم، وعندما عدت من الكفاح إلى مقاعد الدراسة كنت من بين الأوائل في شهادة الثانوية العامة لعام 1982 على مستوى السلطنة، وكللت مسيرتك الدراسية بالحصول على البكالوريوس من الولايات المتحدة الأميركية في مجال الإعلام، ثم استأنفت عملك الفكري والإعلامي في خدمة القضايا العلمية والإنسانية، إلى جانب اهتمامك بالبحث في العلم والفلسفة والفلك والتاريخ. وداعا أخي أبي عبدالرحمن، صدق من قال: عندما نعيش لذواتنا فحسب تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة تبدأ من حيث بدأنا نعي وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود، أما عندما نعيش لغيرنا فإن الحياة تبدو طويلة عميقة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه الأرض.