اعداد ـ أم يوسف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .. نعيش مع سورة الأنبياء من خلال تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
سميت ‏‏(‏سورة ‏الأنبياء) ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏جملة ‏من ‏الأنبياء ‏الكرام ‏في ‏استعراض ‏سريع ‏يطول ‏أحياناً ‏ويَقْصُر ‏أحياناً ‏وذكر ‏جهادهم ‏وصبرهم ‏وتضحيتهم ‏في ‏سبيل ‏الله ‏وتفانيهم ‏في ‏تبليغ ‏الدعوة ‏لإسعاد ‏البشرية‎، وهي مكية من المئين عدد آياتها (112) ترتيبها الحادية والعشرون نزلت بعد سورة (ابراهيم)، وهي تعالج موضوع العقيدة الاسلامية في ميادينها الكبيرة: الرسالة، الوحدانية، البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها والقيامة وأهوالها وعن قصص الأنبياء والمرسلين.

قال تعالى:(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ).
قوله تعالى:(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) فيه أربع مسائل، الأولى: لما لم يكن السماع عاماً ولا ثبتت الشهادة استفهموه هل فعل أم لا؟ وفي الكلام حذف فجاء إبراهيم حين أتى به فقالوا أأنت فعلت هذا بالآلهة؟ فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم:(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)، فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) أي: إنه غار وغضب من أن يعبد هو ويعبد الصغار معه ففعل هذا بها لذلك، إن كانوا ينطقون فاسألوهم. فعلق فعل الكبير بنطق الآخرين تنبيها لهم على فساد اعتقادهم، كأنه قال: بل هو الفاعل إن نطق هؤلاء، وفي الكلام تقديم على هذا التأويل في قوله:(فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، وقيل: أراد بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، بين أن من لا يتكلم ولا يعلم ولا يستحق أن يعبد، وكان قول من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب أي: سلوهم إن نطقوا فإنهم يصدقون، وإن لم يكونوا ينطقون فليس هو الفاعل، وفي ضمن هذا الكلام اعتراف بأنه هو الفاعل وهذا هو الصحيح لأنه عدده على نفسه، فدل أنه خرج مخرج التعريض، وذلك أنهم كانوا يعبد ونهم ويتخذونهم آلهة من دون الله، كما قال إبراهيم لأبيه:(يَا أَبَتِ لِمَ تَعبد مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) (مريم ـ 42)، فقال إبراهيم:(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ليقولوا إنهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرون، فيقول لهم فلم تعبد ونهم؟ فتقوم عليهم الحجة منهم، ولهذا يجوز عند الأمة فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه، فإنه أقرب في الحجة وأقطع للشبهة، كما قال لقومه:(هَذَا رَبِّي) وهذه أختي و(إِنِّي سَقِيمٌ) وبل فعله كبيرهم هذا، وقرأ ابن السميقع (بَلْ فَعَلَهُ) بتشديد اللام بمعنى فلعل الفاعل كبيرهم. وقال الكسائي: الوقف عند قوله:(بَلْ فَعَلَهُ) أي: فعله من فعله، ثم يبتدئ (كَبِيرُهُمْ هَذَا)، وقيل: أي لم ينكرون أن يكون فعله كبيرهم؟ فهذا إلزام بلفظ الخبر، أي من اعتقد عبادتها يلزمه أن يثبت لها فعلاً، والمعنى: بل فعله كبيرهم فيما يلزمكم.
والثانية: روى البخاري ومسلم والترمذي أبى عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لم يكذب إبراهيم النبي في شيء قط إلا في ثلاث، قوله:(إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات ـ 89)، وقوله لسارة:(أختي)، وقوله:(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ووقع في الإسراء في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في قصة إبراهيم قال: وذكر قوله في الكوكب (هَذَا رَبِّي) فعلى هذا تكون الكذبات أربعاً إلا أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد نفى تلك بقوله:(لم يكذب إبراهيم النبي قط إلا في ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله قوله:(إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات ـ 89)، وقوله:(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) (وواحدة في شأن سارة) الحديث لفظ مسلم وإنما يعد عليه قوله في الكوكب:(هَذَا رَبِّي) (الأنعام ـ 78)، كذبة وهي داخلة في الكذب لأنه ـ والله أعلم ـ كان حين قال ذلك في حال الطفولة، وليست حالة تكليف أو قال لقومه مستفهما لهم على جهة التوبيخ الإنكار، وحذفت همزة الاستفهام أو على طريق الاحتجاج على قومه: تنبيهاً على أن ما لا يصلح للربوبية .. والله أعلم.
.. يتبع بمشيئة الله.