الجزائرـ العمانية :
بعد رواياته ذات الأنفاس الواقعية، مثل (فتاوى زمن الموت) و(البحث عن آمال الغبريني)، يُحلّق الروائيّ الجزائري إبراهيم سعدي في روايته الأخيرة (الآدميون) عبر أجواء مختلفة تقترب من الخيال والغرائبية ، ولتفكيك عوالم هذه الرواية التي صدرت عن منشورات الاختلاف (الجزائر) وضفاف (لبنان)، أقامت جمعية الجاحظية بالجزائر ندوة شارك فيها الناقد الدكتور سعيد عبد اللي، والروائي بشير مفتي. وقدّم عبد اللي قراءة في الرواية، موضحاً أنّها لا تتناول مجتمعاً بعينه، وهو ما يمكن تلمُّسه من خلال أسماء أبطالها، أو من خلال كونها لا تُحيل القارئ إلى زمن أو مكان معيّنين، إلا أنّها تتماهى مع مجتمعاتنا، وتتقاطع معها في الكثير من التفاصيل.
وأضاف أن الرواية تنطلق من وضع صعب تتعرّض فيه "المأمونة" (المكان الذي تدور فيه الأحداث) إلى تدمير، ثم يعود الراوي بالقارئ إلى تلك الجريمة التي راحت ضحيتها إحدى شخصيات المأمونة، وباكتشاف جثة الضحية، يبدأ البحث عن الجاني.
وأشار الناقد إلى أنّ خبر القتل، في حدّ ذاته، يُعدُّ غريباً، لأنّ المأمونة لم تتعوّد على أن تشهد أحداث قتل، لكونها مملكة مثالية، لم تعرف البغضاء والعداوة قبل هذه الحادثة. وعلى هذا النسق البوليسي، تتصاعد الأحداث الروائية، إلى غاية اكتشاف القاتل الذي يعترف، في النهاية، بفعلته، ساخراً من تلك الحضارة والمدنية، التي لم تتمكّن من الوصول إلى حقيقته، كقاتل مجرم.
من جهته،رأى الروائي بشير مفتي أن هذه الرواية ملتبسة، إذ تحتاج إلى وقت ليألف القارئُ أسماء أبطالها؛ وهي أسماءٌ مبهمةٌ تحتاج إلى تأويل أحياناً، لأنّ الكاتب اختار الشكل الغرائبي الفانتازي، لكن بمجرد أن يتعرّف القارئ على الأماكن وأسماء الشخوص، سرعان ما يدخل في سياقات الرواية وعوالمها.
وفي ردّه على استفسارات الحضور، قال الروائي إبراهيم سعدي إنّ أغلب رواياته واقعية، لكن (الآدميون) خرجت عن هذا الفضاء. وعلّل هذا التحوُّل بحلمٍ راوده منذ الطفولة في أن يُصبح مفتش شرطة، مضيفاً أنّ شخصية المفتش شخصيةٌ روائية بامتياز، ولا غرابة أن تكون مدار نوع روائيّ قائم بذاته، هو الرواية البوليسية.
وأكد سعدي أنّ هذه الرواية، كانت في البداية عبارة عن قصة بوليسية بحتة، ثم قرّر أن يُحافظ على طابعها هذا، ويضيف إليه أمراً جديداً، وهنا جاءته فكرة مجتمع تحْدث فيه جريمة لأول مرة.
وبخصوص فكرة الشر التي تطرحها الرواية، كشف سعدي أنّ كلّ الأعمال الروائية، هي ذات طابع مأساوي درامي، وأنّ الرواية التي تتحدث عن السعادة فقط، تصبح رواية مملّة. وأشار إلى أنّه لاحظ منذ صباه، أنّ الوجود البشري، وجودٌ مأساويٌّ قائمٌ على القهر، وأنّ مسألة الشر وثيقة الارتباط بوجود الإنسان. مستذكراً ما قاله سيغموند فرويد : "الشر لصيقٌ بالإنسان، ولأنّه صار عاديّاً، صرنا لا نراه".
وقال سعدي إن رواية (الآدميون) شبيهة بالمرآة التي يرى الإنسان نفسه فيها. لذلك، قام بافتراض وجود مخلوقات تُسلّط الضوء على الآدميين، كما افترض عالماً لا وجود للشرّ فيه.
وخلص إلى أنّ روايته وثيقةُ الصلة بالحلم والرغبة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في الواقع المرّ، واقع الآدميين، وعالمهم. ولهذا، فإنّ بحث بطل الرواية عن هذا العالم المثاليّ، يُعدُّ بحثاً يائساً، لأنّ التراجيديا ملازمةٌ للإنسان والوجود، ورواية "الآدميون"، تتحدث عن الإنسان كإنسان، لأنّ البشر ينحدرون من طينة واحدة.