يسود اعتقاد خاطئ في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو صاحب القرار النهائي بشأن الأمور المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي، وأنه لذلك نجح على مدار عقود وسنوات طويلة في التأثير على المؤسسات الأميركية ودفع صناع القرار لتبني سياسات تصب في صالح إسرائيل، وتوفر لها الأمن والحماية والاستقرار، مما يجعل من الصعوبة إحداث تغيير داخل مؤسسات صنع القرار بالإدارة الأميركية أيا كان نوعها جمهورية أو ديموقراطية، وأن ما قام به اللوبي الصهيوني على مدار التاريخ منذ نشأة إسرائيل وحتى اليوم، وآخره مشروع القانون الذي تروج له جماعة ضغط صهيونية تدعى تحالف الدفاع من أجل إسرائيل والتي تعتبر جزءا من "التحالف اليهودي المسياني الأميركي" في الكونجرس الأميركي ويدعم التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، هو خير دليل على صحة تلك المقولة التي يتم ترديدها بشكل مستمر وفي العديد من المناسبات والأحداث الخاصة بالقضية الفلسطينية.قد يكون اللوبي الصهيوني نجح في تمرير بعض القرارات داخل الكونجرس لصالح إسرائيل، وغير مواقف بعض الإدارات الأميركية لصالح الحكومة الإسرائيلية، إلا أن ذلك ليس راجعا لتأثير اللوبي الصهيوني اللامحدود على صناع القرار في الولايات المتحدة، وإنما لتلاقي مصالح الطرفين الأميركي والإسرائيلي، فحسب المفكر الأميركي "ﺠﻭﻥ ﻤﻴﺭﺸﻴﻤﺭ" هناك علاقة ﺨﺎﺼﺔ ﺘﺭﺒﻁ ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺒﺈﺴﺭﺍﺌﻴل، فمنظومة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط تتلاقى في بعض جوانبها مع المصالح الإسرائيلية، فالولايات المتحدة تهدف إلى إحكام السيطرة على العالم الثالث، وإسرائيل يمكنها أن تساعد في تحقيق هذا الهدف، خصوصا وأنها باتت تهدف هي الأخرى إلى أن تصبح القوة الإقليمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط خصوصا بعد ضعف العراق واليمن وليبيا واقتراب سوريا من شبح التقسيم.ويعني هذا أن ما يهم المؤسسات الأميركية وصناع القرار في الولايات المتحدة في نهاية المطاف هو المصالح، وأن نجاح اللوبي الصهيوني في التأثير على المؤسسات الأميركية، إنما يعود لتغلغله داخل منظومة تلك المصالح بشكل أو بآخر، وقيامه بأدوار تساعد في تحقيق أهداف الولايات المتحدة في الخارج، وأن تغيير ذلك ليس مستحيلا، خصوصا إذا ما نجح اللوبي العربي في الولايات المتحدة في التغلغل داخل منظومة المصالح الأميركية وموازنة الدور الذي يقوم به اللوبي الصهيوني، علما أنه يملك من القدرة والإمكانيات ما يؤهله لذلك، إلا أن تشتت الرؤى وتباين المصالح يضعف الجميع، ويعجزهم عن التأثير الذي يقوم به اللوبي الصهيوني في منظومة المصالح الأميركية.إن قوة وتأثير "اللوبي الصهيوني" ليسا موقع إنكار أو نفي، إلا أن ما يجب تفاديه هو تحويل هذا "اللوبي" إلى أسطورة يصعب فهمها أو التعامل معها، بينما "اللوبي الصهيوني" في الواقع ليس سوى جماعة ضغط ومصالح، مثله مثل بقية جماعات الضغط والمصالح في الحياة الاجتماعية والسياسية الأميركية.صحيح أن هذا "اللوبي" هو بالتأكيد أكبر ثقلا وأهم دورا من كثير غيره من تلك الجماعات، ولكنه يبقي عاملا في سياق الآليات التي تعمل في إطارها تلك الجماعات بشكل عام، وتسري عليه نفس القواعد والقيود التي تسري على غيره، ما يعني أنه يمكن التعامل معه بل وتحجيمه في بعض الأحيان، وأبرز الأدلة على ذلك هو عدد القضايا التي أقامها الادعاء الأميركي على بعض المنظمات الأميركية الصهيونية في السنوات الماضية وعلى أعضاء بالمنظمات الأميركية اليهودية، بما في ذلك واحدة من أكبر وأقدم هذه المنظمات وهي: "اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (الإيباك)"، بتهمة مخالفة القواعد التي تحكم عمل جماعات المصالح بصفة عامة، بما في ذلك الحصول على وثائق على درجة من السرية بشكل غير مشروع، كما حدث بالفعل في أكثر من حالة.لذا فقد آن الأوان لأن تتوحد جماعات الضغط العربية في الولايات المتحدة، وأن تعمل بمساعدة الدول العربية من أجل موازنة نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لأنه لا يكتفي بتقديم القرارات التي تسهم بشكل كبير في ضياع الحقوق الفلسطينية، وإنما يلعب دورا كبيرا كذلك في تشويه صورة العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، ومن شأن الانشغال بالمصالح الشخصية على حساب المصالح العربية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أن يجعل من اللوبي الصهيوني أسطورة يصعب التعامل معها في المستقبل. د. أسامة نورالدين كاتب صحفي وباحث علاقات دولية [email protected]