ـ لدراسة التعويض عن الخطبة يجب أن تحدد الطبيعة القانونية لها ثم نحدد مدى جواز تعويض العدول عنها

قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان من خلال عنوانها:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي) والتي عقدت خلال الفترة من 15 إلى 18 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق 5 إلى 8 ابريل 2015م في نسختها الحادية عشرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
ومن ضمن ما قدم خلال الندوة من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان:(التعويض عن الخطبة وعن الطلاق فى محور فقه العصر فى مجال الأسرة) .. للاستاذ الدكتور نبيل ابراهيم سعد أستاذ القانون المدنى كلية الحقوق ـ جامعة الاسكندرية.
يقول الباحث: فمن ناحية الفصل الأول: التعويض عن الخطبة نقول: فى مجال العقود بصفة عامة كلما زادت أهمية عقد من العقود كلما زاد الاهتمام بالتفاوض حوله وزادت الخطوات نحو إبرامه، هذه المفاوضات قد تنتهى بإعداد مشروع له، ثم توقيعه بالأحرف الأولى، ثم بعد ذلك تتم خطوات تمهيدية لإبرامه والاحتفاء بتوقيعه، هذا بالنسبة للمعاملات المالية فما بال عقد الزواج الذى يعد أخطر عقد يعقده الانسان فى حياته ، إذ هو عقد الحياة الانسانية، هو عقد يعقد على نية الدوام والبقاء ما بقى كلا الزوجين على قيد الحياة، ولذلك درج الناس على ألا يقدموا عليه إلا بعد سبق تفكير وتروي، وتدبر وحيطه، ولم يغفل الشارع الحكيم تلك الخطوة فرسم للإنسان معالم الطريق ليسير على هديها ، قبل إبرام عقد الزواج إبراماً نهائياً. لكى تنشأ الرابطة الزوجية على أقوم حال، وعلى خير الأسس، فتدوم العشرة، ويشيع الوفاق ويعم الصفاء والوئام وتصلح به الذرية.
وحول دراسة التعويض عن الخطبة قال الباحث: يجب أولاً: أن تحدد الطبيعة القانونية لهذه الخطوة، ثم بعد ذلك نحدد على ضوء هذه الطبيعة مدى جواز التعويض عن العدول عنها، فالمبحث الأول: الطبيعة القانونية للخطبة: نعرض فى هذا المبحث لعملية الخطبة ذاتها لنقف على حقيقتها والتعرف على أبعادها المختلفة، ثم بعد ذلك نعرض للتكييف القانونى للخطبة، فأما المطلب الأول فهو: عملية الخطبة ذاتها، فى هذا المطلب نعرض للتعريف بالخطبة والحكمة منها، ثم بعد ذلك نرى كيف تتم فى الواقع العملى.
أولاً ـ بالتعريف بها والحكمة منها: الخطبة هى طلب الرجل يد امرأة معينة للزواج منها، والتقدم إليها أو إلى ذويها ببيان حالة، وقد يكون الطلب من راغب الزواج مباشرة، أو يكون من أحد أقاربه أو أصدقائه أو أجنبى عنه يبعثهم للتفاهم فى هذا الشأن. هذه هى الصورة الغالبة المألوفة لكن فى بعض الأحيان تعرض المرأة نفسها على من تراه مناسب للزواج منها ليخطبها، وقد يكون ذلك أيضا من جانب أهلها، وهذا لا ينال من كرامة الرجل ، كما أنه لا يقلل من شأن المرأة وكرامتها.
الغرض الأساسى من الخطبة هو تمام الألفة وحسن العشرة، ولن يتسنى ذلك إلا بأن يعرف كل واحد من الزوجين ما عليه الآخر خَلقاً وخُلقاً وديناً وطبعاً، فإن ذلك كله من شأنه أن يجعل عقد الزواج قائماً على أساس قوى متين يمكن أن يستمر إلى أن يقضى كل واحد منهما أجله فى الحياة، فمن ناحية معرفة المرأة للرجل من ناحية الخَلق فإنها ممكنة وسهلة، لأن الرجال يغدون ويروحون فمن السهل رؤيتهم، ومعرفة خلقه لا تكون إلا بالسؤال عن طبائع أسرته، ومنبته الذى نبت فيه، أما من ناحية معرفة الرجل للمرأة فقد أباح الشارع أن يرى الرجل المرأة التى يخطبها بل ندب إليه، وقال بعض العلماء انه اوجبه، والجزء الذى تباح رؤيته هو الوجه واليدان والقدمان، ولا تتجاوز ذلك عند جمهور الفقهاء، وقد أجاز بعض الفقهاء تجاوز ذلك القدر، والحكمة من كل ذلك أن يكون الزواج بعد رويه ، فلا يكون هناك ندم يلازم الزوج إذا ما أقدم على الزواج ولم يوافقه، وأسهل فى الخروج منه إذا هو أراد الخروج منه، والفقه مجمع على ألا تكون الرؤية فى خلوة، فلا يحل للرجل أن يختلى بخطيبته قبل الزواج، بل يراها ويتحدث إليها فى غير خلوه، بأن يكون معها أحد محارمها، فى الغالب تكون هذه الرؤية عند الخطبة، ولكن يفضل أن تكون الرؤية قبل الخطبة عند نية الزواج، حتى إذا انتجت الرؤية إقداماً أقدم، وإن انتجت إحجاماً لم يكن فى ذلك ايذاء لها. هذا ما روى عن الامام الشافعى.
ثانياً ـ كيف تتم الخطبة؟
ليس هناك اجراءات معينة لعملية الخطبة فى مصر وفى معظم البلدان العربية، ولكنها تخضع لأعراف كل فئة من فئات المجتمع. فى بعض الدول العربية، مثل لبنان وسوريا، حدد القانون إجراءات معينة للخطبة.
فى الغالب من الأمر تبدأ الخطبة بأن يفكر الراغب فى الزواج فى البحث عن الزوجة الملائمة، ويبدأ بسؤال كل من يعرفه ليرشح له ما يراها مناسبة له، ثم يستعرض المرشحات ويتفحص حالتهن الشكلية، وسمعتهن الخلقية ووضعهن الاجتماعى والعائلي ليبدأ بتحديد من يبدأ بها.
وفى المرحلة التالية يبدأ بالتقدم لها لخطبتها وعادة تبدأ الخطوة الأولى بالتعارف بين الاسرتين وقراءة الفاتحة، وقراءة الفاتحة لا يقصد بها سوى التبرك وإضفاء طابع دينى على هذه الخطوة حتى تجعل من يخلف وعده يشعر بالإثم وذلك للحث على الجدية والمضى فى الزواج، وفى بعض الأحيان يتلو هذه الخطوة الاحتفال العلنى بهذا الارتباط بين الأسرتين، وفى الغالب لا يتم الاقدام على هذه الخطوة إلا بعد مناقشة شروط الزواج والتفاوض حولها والاتفاق على الأساسي منها حتى يتسنى للأسرتين تجنب ما قد يثور من مشكلات مستقبلاً تؤدى إلى عدم المضى فى الزواج، من ذلك الاختلاف حول المسائل المالية أو ترتيبات الاحتفال بالخطبة أو بالزواج.
.. وللموضوع بقية.