[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/06/k.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خلفان المبسلي[/author]قيل قديماً بأنه أوَّل أسباب القطيعة:(المراء والمزْح) وما أضيق الحياة إذا كانت كلّ مظاهرها جديّة، وما أفسحها إذا تخلّلها المزاح! وكان يقال كذلك بأن:(المزْح في الكلام، كالملح في الطَّعام) إذ المزاح يفرج عن الهمّ والكرب، لأنّه يجلب السّرور، وقد يتعزّز هذا السّرور بالضّحك.ألا ترى أن المرء يجد غالباً الحرج في قول بعض الحقائق لأمر أو لآخر، ولكنّه حين يلتجئ إلى المزاح يقول ما لا يستطيع قوله في سياق غير سياق المزاح، ولذا يقال إنّ أحسن طريقة لقول الحقيقة في الأوقات الحرجة هي (المزاح) فمن يجد حرجا في قول الحقيقة في الجد فعليه أن يقولها في الهزل والمزاح، إذا به نستطيع أن نعرف بعضنا جيداً أثناء الحديث وبه نتمكن من أن نبيّن أوجاعنا، وبه أيضاً نستطيع أن نصل إلى قلوب الآخرين ونكشف أسراراً ربما لا نتمكن من كشفها دون المزاح، فنجد مشاكلهم حلولاً دون أن نحرجهم بالسّؤال المتكرّر، إذاً هل نعتبر أن المزاح دواء من كل داء..؟! أم أنه سلاح ذو حدين قد نستفيد منه كما يمكن أن نتضرّر من فعله فيؤثّر سلبا على علاقاتنا؟وإذا حصل أثناء قولك حقيقة ما عبر المزاح وتعرضت لهجوم ناقد ولاذع، فإنّك تستطيع بكل سلاسة أن تخرج من المأزق وتبرر موقفك بأنه:(مجرد مزاح)، وتقول مثلاً: ما لكم لا تحتملون منا مزاحا، رغم أننا لا نريد منه إساءتكم؟ ولم نتّهمكم بأي شيء، ولم نأنف على شيء، وإنّما استسلمنا لواقعنا، وما كلامنا سوى مزاح في مزاح، ونعلم أنكم كنتم تمازحوننا دائما بتصرفاتكم ونتقبل ذلك منكم بكل لطف ويسر وسهولة دون نقاش أو سؤال..!.ولكن، إذا كان المزاح ضرورة إنسانيّة فلا يعني ذلك أن نتّخذه وسيلة لهتك أستار النّاس، والدّخول في خصوصيّاتهم، ولنعلم أنّ كلّ ما جاوز الحدّ انقلب إلى ضدّه، ونقول هذا بالاستناد إلى ما نلحظه لدى بعض المتطرّفين في المزاح، ممّن لا يراعون أحوال الآخرين ومزاجهم. ولا يدركون أنّ المرء في بعض الأوقات يحسّ بضيق النّفس ولا يرغب في شيء يمكن أن يزيد سوءا في وضعه النّفسيّ المحرج.والمزاح في تلك الأوقات مرفوض، كما يرفض حين يخرج الحديث من إطار الصّدق إلى الكذب أو إلى ضرب من النّميمة والتجسس، وليس على سبيل الصّدفة أن دعانا الرّسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) عن الكذب في المزاح، لأنّ ذلك يفتح الطريق على الفوضى والصّراع بين النّاس.إنّ (مجرد مزاح) لا ينبغي أن يسبّب في قطع الأرحام أو الصّداقة أو العلاقة التي توجد بين الزّملاء، لأنّه ربّ كلمة ظنّ صاحبها بسيطة من شأنها أن تفسد ما لا يفسده السّلاح البارز في الوجوه، والسّبب في ذلك يعود إلى أنّ الكلام خطر، تختفي كلّ المخاطر وراء الكلام، ولا يختفي الكلام وراء أيّ شيء، فهو ككومة من الرّغيف إذا أخذت منها بعضا يظهر بعض آخر.امزحوا ما دمتم في حدود المعقول، ولا تسرفوا في المزاح وإلاّ دمّرتم العلاقات، فما وضع المزاح في أوقات معينة إلا زانها وما نزع من أوقات إلا شأنها. ومتى ما كان المزاح لطيفاً خفيفاً يصبح نكهة للحياة.*[email protected]