ارتبطت العلوم الشرعية بالمسلم ارتباطًا كبيرًا، بل ارتباطًا لا يقبل الانفصال وذلك لعلاقتها المباشرة بالدين الإسلامي الذي يعد منبعها الأساس من خلال مصدري التشريع فيه وهما القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى الإجماع والقياس، الأمر الذي دفع طائفة كبيرة من المسلمين إلى الانخراط الفوري في استنباط العلوم الشرعية وتقعيد قواعدها، والاتجاه نحو البحث والدراسة والتأليف، وكذلك الاتجاه نحو إقامة المجمعات الفقهية ومراكز البحوث الإسلامية التي تعنى بالعلوم الشرعية والفقه.
ومن خلال هذه العلوم الشرعية نذر عديد المسلمين أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين، مسخرين جهودهم وطاقاتهم وأوقاتهم من أجل ذلك، والحرص الشديد على نيل مرضاة الله وثوابه، فكانت هذه العلوم سببًا في توضيح حقيقة الدين، وتفصيل الأصول والفروع، وجسرًا للتواصل مع نتاجات الأمم السابقة بالبناء عليها، وتجديدها، وتوسعت مع ذلك حركة البحث والتأليف في العلوم الشرعية المختلفة، وما زاد هذه الحركة اتساعًا واهتمامًا هو تطور الحياة وأساليب المعيشة، وتقدم العصر وابتكاراته واختراعاته، فظهرت قضايا ومشكلات جديدة، ودخلت أفكار نتيجة التواصل الحضاري مع الأمم الأخرى، ونتيجة الغزو الثقافي، ومحاولة كل حضارة فرض هيمنتها على غيرها. وما ظهر من قضايا وتطورات اليوم لم تكن معروفة من قبل، وكذلك حركة التأثير الفكري والثقافي الآتية من الأمم والحضارات الأخرى، الأمر الذي جعل من حركة البحث والتقصي والدراسة مستمرة ومتواصلة، استدعى معها أن ينبري علماء الدين والفقه لاستنباط الأحكام الشرعية لها، وتفنيد الصحيح وغير الصحيح، والشاذ والدخيل، ومواكبة المستجد بالفتوى الشرعية.
ومثلما لعبت العلوم الشرعية على مر العصور الإسلامية دورًا أساسيًّا في التعريف بحقيقة الدين الإسلامي، ورسالة الإسلام السمحة، وفي الرقي الحضاري الذي أعطى صورة واضحة لدى الآخرين عن حقيقة الإسلام وماهيته، وعن أتباعه الذين خدموا الإنسانية وقدموا إسهامات لا تزال شاهدة على ذلك حتى اليوم، فإن مواصلة الحراك والنشاط ذاتهما لخدمة العلوم الشرعية، تجديدًا وتأصيلًا، ونفض ما حاول بعضنا أن يلصقه بالدين الإسلامي من أفكار دخيلة، وإرداف مستجد الحياة من علوم دنيوية وطبيعية وقضايا سلوكية ومعيشية بالفتوى الشرعية التي تضبط السلوك، وتضبط العلم الدنيوي والطبيعي عن الإيغال في ما يمس جوهر الإسلام، هي أمر واجب، ومثلما هناك علوم كالطب وغيره بحاجة إلى ضوابط شرعية فإن المسلم مطالب أيضًا بأن يحتاط ويكون على بينة ومعرفة، ولديه الثقافة الدينية والشرعية الكافية التي تعينه على أداء شعائره وضبط سلوكه ومتطلبات حياته.
ويأتي المؤتمر الدولي الأول (العلوم الشرعية: تحديات الواقع وآفاق المستقبل) والذي تنظمه كلية العلوم الشرعية بالخوير اليوم الثلاثاء، على قدر كبير من الأهمية بالنظر إلى العناوين التي تشملها جلسات المؤتمر الذي يرعاه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة.
فالمؤتمر الذي يستقطب العديد من المهتمين في العلوم الشرعية والإنسانية والطبيعية ـ وكما بيَّن منظموه ـ يهدف إلى تبادل المعلومات والخبرات والآراء في الجوانب المتعلقة بالعلوم الشرعية، وتشخيص جوانب القوة والضعف في مجال العلوم الشرعية تدريسًا وبحثًا، والاستفادة من جهود العلماء العمانيين في تطوير العلوم الشرعية، والبحث في علاقة العلوم الشرعية بالعلوم الأخرى ودور التقنيات الحديثة في النهوض بها، وتبادل الأفكار في إسهامات العلوم الشرعية في تشخيص مشكلات المجتمع وحلها، واستشراف مسالك تطوير العلوم الشرعية والنهوض بها في مختلف المجالات.