[author image="http://alwatan.com/files/2014/04/ahmedalma3shany.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد المعشني[/author]
أتوجه بين الفينة والأخرى بأسئلة بديهية إلى الطلاب الذين تجمعني بهم ظروف تدريسي أو حلقات التدريب التي أقدمها، ومن بين تلك الأسئلة البسيطة: لماذا تتعلم؟ وتأتي الإجابات تلقائية وعفوية، وفي مواقف كثيرة لا تخرج عن هذه الخيارات" أتعلم لكي أنجح" أو "أتعلم لكي أشتغل" أو "أتعلم لكي أنجح وأتخرج من الجامعة". لا يحيد عن هذه الاجابات الثلاث إلا عدد محدود، فمؤسسات التعليم في أحيان كثيرة تحفر مثل هذه الاتجاهات في عقول أبنائها.
فالطلاب في الغالب يذهبون إلى المدارس لكي يجلسوا للاختبارات ويجتازوها، فيوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، فالجميع في مارثون الهروب من الإهانة، فليشمر الطلاب عن سواعدهم لكي يقهروا الاختبار، وفي هذا مبرر كاف يجعل الطلاب يتأففون من الذهاب إلى المدارس، ويعافون التعلييم ويعتقدون أن الدراسة نشاطا مملا ومعقدا.
بينما يرى الطرف الآخر ممن يبررون ذهابهم إلى مؤسسات التعليم برغبتهم في العمل والحصول على وظائف، يرون في التعليم خيارا جبريا صارما، فلكي تعمل في وظيفة مرموقة وتكسب راتبا جيدا، لا بد أن تتعلم، وما زلت أتذكر توجيه أساتذتي وأنا في التعليم الابتدائي، وكانوا يكررونه بحسن نية قائلين: من يرسب منكم في الاختبار سيعمل كناسا، وقد كرهوا إلينا تلك المهنة، فصرنا في مرحلة مبكرة نهرب من المهن البسيطة ونتحدى أنفسنا ونتنافس فيما بيننا لكي لا نرسب ونعمل في تلك المهن.
وبحسن نية أو بجهل يهدم المعلمون من حيث لا يقصدون حس تقبل الذات والتواضع واحترام كرامة العمل مهما كان صغيرا، ويعرضون بلا فهم عن فلسفة التعليم في السلطنة التي تتبنى تخريج إنسان سوي، يتقبل ذاته ويتقبل الآخرين، ويحترم العمل، بل ويتعارض مع جوهر الدين الذي حرر التعليم من المهنة وجعله طريقا يلتمس فيه المتعلم رضا الله ويتقرب به إليه، من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم. أما الصنف الثالث فيعزون ذهابهم إلى مراحل التعليم المختلفة إلى رغبتهم في دخول الجامعات.
فالجامعة بالنسبة لهم غاية وليست وسيلة، ويعتبرون اجتيازهم للمرحلة الجامعية عمود التعليم وسنامه. وفي اعتقاد هؤلاء أن التعليم الذي لا يقود إلى الجامعة هو تعليم بلا جدوى أو فائدة، ولعل في هذا الاتجاه ما يبرر التزاحم غير المبرر على التعليم الجامعي بصرف النظر عن مواكبته لميول الطلاب أو تعارضه مع ميولهم واستعداداتهم النفسية والعقلية.
من هنا لا أستغرب كثيرا عزوف كثير من الطلبة عن شغف التعلم واعراضهم عن الفعاليات العلمية والفكرية التي تقام في أروقة مؤسسات التعليم، فهم يعممون كراهية الاختبار على مؤسسات التعليم التي تربطهم عقليا بيوم الامتحان يكرم المرء أو يهان! كما أن الصنف الثاني يربط بين التعليم والوظيفة فالشغل في عقله هو أن يصير موظفا لدى جهة حكومية تحديدا أو لدى قطاع خاص إذا لم تتوفر الوظيفة في القطاع العام. ويرى الطرف الأخير دخول الجامعة قمة التفوق والانتصار، لأن تقديره لذاته يرتبط باجتيازه المرحلة الجامعية وحصوله على الشهادة، بغض النظر إن كان محبا للعلم أو كارها له.
وغالبا ما كنت أذكرهم بقصة تلميذ صغير سأله معلمه يوما ضمن طلاب الفصل: لماذا تتعلم؟ فأجابه بعضهم بأن الرغبة في صناعة مستقبل افضل، وبعضهم أجابه بأنهم يذهبون إلى المدرسة لكي يحققوا الذات، بينما أجابه طالب واحد فقط بقوله: أنا اذهب إلى المدرسة لكي أكون سعيدا، فضحك جميع الطلاب سخرية منه، ونظر إليه المعلم مستنكرا هذه الإجابة، وسأله من علمك هذا؟! فأجاب الطفل ببراءة: أمي! فرد عليه المعلم قائلا: أمك على خطأ! لكن الطفل رد على أستاذه بثقة وإصرار، بل أمي على صواب! وعندما تحرى المعلم عن فلسفة أمه، اكتشف أن أم الطفل قد غرست في عقل ابنها الصغير أن المدرسة هي مكان السعادة فهي مكان اللعب والاستكشاف والابتكار وممارسة الدور الجميل الذي تحب كل إنسان سوي أن يمارسه في الحياة.

* رئيس مكتب النجاح للتنمية البشرية