عمّان ـ العمانية:
لم تكن القراءة وحدها هي النبع الذي استندت إليه جود صفوان المبيضين لتبدأ مشوارها في الكتابة الإبداعية، فقد حفظت هذه الطفلة أجزاء من القرآن الكريم مبكراً، لتتزوّد بـ"غذاء روحانيّ" يثري معجمها اللغوي ويمنحها القدرة على الكتابة بأسلوب قوي. كما عشقتْ الشعر وحفظت الكثير منه، قديمه وحديثه.
ومن وحي مشاركتها في مبادرة "تحدي القراءة"، بدأت جود المولودة في الكرك جنوب الأردن عام 2004 إنجازَ كتابها الأول "التحدّي يليق بك"، الذي تحدثت فيه عن أعمال قصصية وروائية وفي أدب السيرة الذاتية، وعن كتّاب رفدوا المكتبة العربية والعالمية بأمهات الكتب في حقول السياسة والفكر والعلوم.
وتقول هذه الفتاة اليافعة، إنها وجدت ضالّتها في القراءة قبل أن تكون كاتبة، فوضعت نصب عينيها الإبحار في عالم الورق، مجدافُها الإرادة والتصميم والعزيمة. وهي تؤكد أن التحدي يُشكل بالنسبة لها "حالة من الصراع مع النفس ومع الزمن في الوقت نفسه"، بخاصة أنها مطالَبةٌ بالتوفيق بين دراسة المناهج والمقررات وبين قراءة الكتب الكثيرة التي شُغفت بها، والتي أضحت جزءاً لا تكتمل حياتُها إلّا به.
هذا ما دفع جود إلى الاستعانة بوالدَيها لـ"رسم خطة استراتيجية مُحكَمة" تُمكّنها من تحقيق ما تصبو إليه، وهو ما أتاح لها التحضير جيداً لخوض غمار التحدي ضمن المبادرة التي تهدف إلى تعزيز القراءة لدى الجيل الناشئ، وصقل ذائقته وتطوير مواهبه. وتكللت جهود الكاتبة والقارئة الطفلة بفوزها ضمن العشرة الأوائل في الأردن، وحصولها على الجائزة الماسية في المشروع على مستوى بلدها.
وفي مشروع ذي صلةٍ بالقراءة وعالمها، أطلقت جود مبادرة فردية بعنوان "على عتبة كل باب كتاب"، تهدف إلى التشجيع على القراءة وإتاحتها لأفراد من الشرائح الاجتماعية والأعمار المختلفة، وبخاصة الأطفال، لأنهم الجيل الذي يعوَّل عليه للسير نحو المستقبل. وتقول جود حول هذه المبادرة: "بالقراءة يكون هناك نبذ للعنف، وإذا كانت الأمة هرميةَ البناء، فإن قاعدتها تتكون من القراء، وفي وسطها يتركز المثقفون، وفي أعلاها يتجمع العلماء والأدباء".
أما الإصدار الأدبي الثاني لجود فكان رواية "جرح الياسمين" التي منحَتها لقب "أصغر روائية عربية". وهي تعبّر في روايتها عن الألم الذي تتركه الحرب في نفوس الصغار خاطفةً براءة الطفولة منهم، وذلك من خلال تناوُل أحداث ووقائع سياسية واجتماعية وثقافية أفرزها "الربيع العربي" وتداعياته المؤلمة التي كان الأطفال الضحيةَ الأبرز فيها.
تجري أحداث الرواية التي تبنّت إصدارها دارُ دروب للنشر والتوزيع بعمّان، بين ثلاث مدن: الرقة السورية، والموصل العراقية، وأنقرة التركية. وتسرد حكايةَ أسرة كانت تعيش حياة هادئة ومستقرة قبل أن تشتعل الساحة بالحروب. وفي ظل الأحداث التي أنتجت حالة من الفوضى وجعلت السيطرة للمتطرفين، اضطرت الأسرة المكونة من الأب والأم وثلاثة أبناء من بينهم الطفلة شروق، للنزوح من بيتها، لتصبح لاجئةً في مهب الريح.
وجاء في التقديم الذي وضعه خليل الزيود، إن هذه الرواية "ليست صفحات، بل جروح تتوالى، وشخصيات وأحداث وحوارات وأفكار تتسابق في تلافيف العقل، وترسو في حنايا الروح".
ويقول الشاعر حسن ناجي إن جود حين كتبت هذه الرواية "لم تغادر طفولتها، لكنها سافرت في أيامنا وهي تحمل الياسمينة بنعناع أصابعها، وترسم بزهو نخلةً عربية"، مؤكداً أن هذه الكاتبة الصغيرة "فتحت نافذة طفولتها وأخذت تنظر إلينا، لكنها أعادت لنا طفولتنا حين أحست بجرح الياسمين".
أما ناشر الرواية أحمد اليازوري (دار دروب) فيؤكد أن تجربة جود تبرهن أن الإبداع ليس مرتبطاً بسنّ معينة، مضيفاً أن "جرح الياسمين" تكشف أهمية تنشئة جيل عربي قادر على صنع المستقبل وتحقيق الأهداف المنشودة.
تقرّ جود أن لوالدَيها دوراً كبيراً في نجاحها، وأن مساعدتهما لها كانت ضرورية خلال كتابة الرواية، وبخاصة أنها تتطرق إلى أحداث حقيقية على الأراضي السورية، إلى جانب الأحداث المتخيَّلة. لافتةً إلى أنها لجأت إلى شبكة الإنترنت أيضاً للتعرف على طبيعة المناطق التي تدور الأحداث فيها، حيث كرّست وقتاً طويلاً لتصفُّح كل ما يتعلق بهذه المناطق وتضاريسها وخصائصها الجغرافية والمناخية والحياتية، من أجل أن تُكسِب كتابتَها سمةً الواقعية قدرَ الإمكان.
ولأن الأحداث تنتهي بالطفلة "شروق"، بطلة الرواية، عند الشواطئ اليونانية، فإن جود التي تتقن اللغتين الإنجليزية والإسبانية أيضاً، تعكف على كتابة الجزء الثاني من الرواية الذي سيتناول طبيعة حياة الأطفال في مخيمات اللجوء.
واحتفاءً بتجربتها الإبداعية، مُنحت جود التي التحقت بمدرسة "كنجز أكاديمي"، ميدالية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتفوق من الفئة الذهبية (2017)، وشهد حفلُ توقيع روايتها في معرض عمّان الدولي للكتاب حضوراً جماهيراً لافتاً، وكانت الرواية من بين الإصدارات الأكثر مبيعاً.