ناصر بن محمد الزيدي:الحـمد لله رب العـالـمين والصـلاة والسلام عـلي خـير خـلـق الله أجـمعـين وخاتم الأنـبيـاء والـمـرسـلـين وعـلى آلـه وأصـحابه أجـمعـين وعـلى التابعـين لهـم بإحـسان إلى يـوم الــدين وبـعـد:اليوم حـديثنا حول أثر الاحسان في النفس البشرية: الحـمد لله رب العـالـمين، والصـلاة والسلام عـلي سـيـد الـمـرسـلين، وخاتم النـبيين وإمـام الـمتـقـين، وحجـة الله رب العـالـمين، وعـلى آلـه وصـحـبه أجـمعـين، وعـلى التابعـين لهـم بإحـسان إلى يـوم الــدين وبـعـد:فـلا زال الحـديـث مـوصـولاعـن أثـر الاحـسان في الـنفـس, ومـن ذلك القـصة التي لـها عـلاقـة بـصـروف الـدهـر، وتغــير الأحـوال وتقـلـبات الـدهـر، وقـد ورد في الحـديث عـنـدمـا أسـرت سـفـانـة بنت حـاتـم الـطائي، وطـلـبت مـن الـرسـول الكــريـم أن يـشـمـت بها أحـياء الـعـرب لأنـها بـنت سـيـد قـومـه، فـقالت: يا محمد مـات الـرافـد وغـاب الـوافـد أنا ابـنـة سـيـد قـومـه أنا ابنـة حـاتـم الـطائي، كان أبي يـكـرم الـضيف ويـفـك الأسـير ويـعـين المحـتاج، فـقال رسـول الله (صـلى الله عـلـيه وسـلم)، هـذه مـن مـكارم الأخـلاق وإنـمـا بـعـثـت لأتـمـم مـكارم الأخـلاق، لـوكان أبـوك إسـلامـيا لـتـرحـمـنا عـليه:(ارحـمـوا عـزيـز قـوم ذل).وما زال الخـير مـوجـوداً عـبر الـعـصـور، وإنـما نجـده في أفـراد قـلـيـلة، ومـن هــؤلاء الأفـراد، الـشـاب الـذي هـو صـاحـب هـذا الـمـوقـف الـعـظـيـم، إذ لـم يسـتغـل مـوقـف الـحـاجـة التي ألـجـأت تـلك الـشـابـة إلى الخـنـوع بـعـد أن نـفـدت جـمـيـع قـدرتها في اتخـاذ الأسـباب، إذ بـاعـت كـل مـا كان في امـكانـها أن تـصـرف فـيه، ولـكـن الله عـلـم حـسـن نـيـتها فـحـفـظ كـرامتها، وكانت سـببا كـذلك لإنـقـاذ الـشـاب مـن أهـواء الـنـفـس الأمارة بالـسوء، ونـزغـات الـشيطـان، فـقـال الـشـاب وهـو في ذلك الـمـوقـف، بـعـد أن نـبهـته الـنـفـس اللـوامة، فـقـال الـشـاب: فـرمـيت لـها بالألـف ديـنار وقـلـت لها: والله لا قـربـت مـنـك عـلى هـذا الـوجـه أبــداً، فأنـفـقي الـدنـانـير عـلى والـدك إلى أن تـنـفـد، وابـعـثي لي غـلامـك أعـلـمه بـمـنزلي، ولا زمـي دارك مـكـرمة عـفـيفـة، واسـتـمـري عـلى صـيانـتـك وإلا فـضـحـتـك، وسـتـريــنـني والله لا أزال أبـيـع أمـلاكي وأنـفـقـها عـلى والـدك حـتي أمـوت أو يـفـنى كل ما أمـلكه.فـركـبـت دابـتها وانصـرفـت، فـدخـلـت عـلى والـدهـا فـقال لها أين كـنت؟ وما الـذي أخـرجـك عـن دارك؟، وهـم أن يـبـطـش بـهـا، لأنـه ظـن بها ظـن سـوء، فـقالت لـه: اخـرج عـني كل مـن في الـدار، فـفـعـل، فأخـبرته أمـرها مـع الـشـاب مـن أوله إلى آخـره، ثـم ورمـيت إلـيه بالألـف الـديـنار التي أعـطـاهـا الـشـاب لـمـا عــرف ظـروفـها، وقـالت له هـذا الـذي أعـطـاني لأنـفـق عـلـيـك.هـنـا عـلـم أبـوهـا ما كانـت مشـغـولـة به مـن أجـل أبـيـها ، وأنها هـي الجـوهـرة الـثـمـينة التي بـقـيـت عـلى مـا كانت عـليه بـحـفـظ الله لـهـا ، فـبـعـد أن أخـبرته خـبرها اطـمـأن، وبـعـث الـغـلام الـذي كان مـعـهـا إلى الـشـاب طـالـبا حـضـوره، لـيكـرمه كما أكـرم ابنـته بـمـوقـفـه النـبـيـل، فـذهـب الخـادم (الغـلام) إلى الـشـاب يخـبره بـرغـبـة سـيـده حـضـوره، ولـكـن الـشـاب وجـد في نـفـسه خـيفـة، ظـنا مـنه أن الأمـر قـلـبت مـوازنـها، ولـكـن مـوقـفـه النـبـيـل أنـشـأ في قـلـبه الـثـقـة لأنـه بـريء كـبـراءة الـذيـب مـن دم النـبي يـوسـف ـ عـليه الـسـلام ـ فـذهـب مـتـوكلاً عـلى الله وقال لـن يـصـيـبنا إلا ما كـتب الله لـنـا فـقال لـما جـاءني الـغـلام فـأخـبرني بـرغـبة سـيـده الحـضـور إلـيه: ذهـبـت وأقـدمـت إقـدام مـن عـلـم بـراءة نـغـسه، فـدخـلت عـليه وسـلمت عـليه فـقـام إلي وعـانقـني ، وقـد عـرف لي مـقـامي، وقـال: أما الآن وأنـت مـن أعـيان الناس فـقـد قـرت بـك عـيني وأطـمـأت إلـيـك نـفـسي، وقـال: والله لـو كان أبـوك كـنافـا ما أنـفـت لـبنـتي أن وأزوجـك مـنها ، فـما قـام مـن مجـلسـه ذلك حتى وجـه إلى الـعـدول وأشــهـد عـلى نفـسه: بأنـه زوج ابـنـته فـلانـة بنـت فـلان الـفـلانيـة مـن هــذا الـشـاب وأمـهـرها عـنـه الـشطـر الأول مـن الـصـداق مـن العـشـرة الآلاف التي وصـله بـها الـملك وأجـل لـها عـنه الـشطـر الثاني فـجـعـله في ذمـته دون ذمـة الـشـاب، وأهـدى لـها مـن الـحـلي والجـواهـر بـمـا بقـي مـن تـلك العـشـرة الآلاف ديـنار.ذلك هـو نـتيجـة مـراقـبـة الله، والخـوف مـن الله في ذلك الـمـوقـف الحـرج، قال الله تعالى:(وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ..) (الـطـلاق 2 ـ 3) (المصـدر: نـفـح الـطيـب مـن غـصن الأنـدلس الـرطـيب) (الجـزء السـابـع ص 277/278، طبـع دار صـادر: بـيـروت بتـصرف).الأخـلاق الإسـلامية: إن الأخـلاق الإسـلامية لا تصـدر عـن مصلحة مـوقـتة، أو منفـعـة ذاتية، ولـما كانت الأخـلاق الإسـلامية تعـتمـد عـلى أصـل الشـعـور بهـا عـنـد الإنسان الـمـؤمـن، بحـيث يـترجـم في صـورة أفـعـال وانفـعـال، فالإسـلام يجـعــل الإنسان الأساس الـذي تـقـوم عـلـيه الأخـلاق، وهـذه الأخـلاق تهـدف إلى تحـقـيـق كـرامة الإنسان بمـراعـاة طـبـيعـته وقـدراته، وما سـخـر له في السماوات والأرض، وبما أنـزل عـلـيه مـن الكـتب وبما أرسـل إلـيه مـن الـرسـل وبـذلك تـتحـقـق كـرامة الإنسان، ويـتهـيأ للعـمـل الصالح الـمحـكـوم بـسياج العـقـيـدة الصحيحة.وإذا كان هـدف الإسـلام هـو تحـريـر البـشرية مـن الـرق في جـمـيـع أشـكاله وتحـريـك الإنسان مـن أجـل السـعـي والـدأب عـلى الاحـتفـاظ بالخـصائص الإنسانية وعـدم الانحـراف في توجـيهها أو في ممارسـتها.وإذا تحـدث الإسـلام عـن الأخـلاق كـضـابط لـسلـوك الإنسان، فإنه لا يهـدف إلا إلى أن يـبقى الأفـراد عـلى مسـتـوى إنساني مـثالي لا يسـتـذل أحـدهـم الآخـر لـفـقـره أو لـضـعـفـه، ولا يـؤذي فـرد فـردا في بـشريته، وبهـذا يـكـون الـمجـتمـع مجـتـمعاً إنسانياً مثـالـياً، يـشعـر كل أفـراده بالطـمـأنـينة وبالارتـياح في صلـته بغــيره مـن أفـراد الـمـجـتـمـع.فـرسـالة الإسـلام هـي رسـالة الله للناس جـميعـاً، وهـذا يجـعـلـنا نـقـول إن إرسـاء الإسـلام لهـذه الأخـلاق إنما كان لتحـقـيـق مصلحة الإنسان في الـدنيا والآخـرة، فـأخـلاق الإسـلام كـشـريـعـته وعـقـيـدته جـاءت لـيحصـل بها الـسـعـادة في الـدنيا والآخـرة، وتحـقـيـق كـافـة كـمالات الإنسان، ذلك لأن جـمـيع ما في الإسلام من عـقـائـد وعـبادات ومـعـاملات تتـكـفـل بتحـقـيـق كل مصالح العـباد الـدنيـوية والأخـروية، فالـمسلم الـمتـمسك بالـدين يجـد ويـشـعـر بأن مـعـاملاته مـع الناس مـن منـطـلـق إنها أوامـر إلهـية ولـيست أوامـر بشـرية، قال الـشاعـر:الأبى صـروف اللـيـالي أن تـديـم لـنـا حـالا فـصـبرا إذا جـاءتـك بالـعـجـب.. وللحـديث بـقـية.