محمود عدلي الشريف:
إنّ شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشريفة وصفاته الكريمة وأخلاقه الحميدة لا مثيل لها في التاريخ، بل في البشرية جمعاء، ولا يخفى ذلك على أحد حتى أعداءه قديماً ممن عاصروه، وحديثاً ممن قرأوا سيرته العطرة، فهناك من المواقف ما لا يحصى، التي تدل على كماله البشري، وعلوه الخلقي، وسموه الإنساني، وصفاءه الجوهري، ونقاءه النوارني، تلك المواقف التي لا يستطيع عاقل أن ينكر من خلالها صدق نبوته، ويقين رسالته، وشرف رفعته، مع تواضع شخصيته، حقاً إن شخصيته الكريمة (صلى الله عليه وسلم) لا تقارن، بل لا يوجد من يقارن به ولا من يماثله، وقد قال الله تعالى عنه:(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم ـ 4) فكيف يقارن (صلى الله عليه وسلم) وقد جاء عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي شَيْئًا مِنْهَا أَتَعَلَّقُ بِهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ..) (الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ج3، ص: 24، برقم 1362)، و(رواه الطبراني في المعجم الكبير ج22، ص: 155).
انظروا إخوة الإيمان إلى المواقف التي تصعب على أي بشر الإختيار فيها إلا لنفسه ،فبين الرفعة والمنصب، والهيبة والتملك، والسيطرة والتحكم، والشعور بالرفعة والكرامة التي تعلو عن الناس تلك المواقف لابد أن يكون للنفس دور فيها تأخذ منها ما تحبه وما يرضيها، أو على الأقل تميل إليها وتتكئ عليها، فلو اختبر بها أي أحد سواه (صلى الله عليه وسلم) لوقع في شراكها ليرضي نفسه، ويأخذ بتلابيبه الغرور، ويهيمن عليه حب الظهور، إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) أتى فيها بما لا يمكن أن يتخيله بشر، انظروا كيف ترفعت نفسه العلية (صلى الله عليه وسلم) عن مغريات فتانة، وعن أمور جذابة، تجدب أي مخلوق، إلا إنه (صلى الله عليه وسلم) لم يفتن بها لم يعطيها أهمية ولم يلقي لها بالاً، ولم بل ترفع عنها بسمو تعجز العقول، أما شخصيته (صلى الله عليه وسلم) الكريمة، عُمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ، إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:(لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ وَلَا بِالقَصِيرِ المُتَرَدِّدِ وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالجَعْدِ القَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجِلًا وَلَمْ يَكُنْ بِالمُطَهَّمِ، وَلَا بِالمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ المُشَاشِ، وَالكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ شَثْنُ الكَفَّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا التَفَتَ التَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ)، يَقُولُ نَاعِتُهُ:(لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ ـ صلى الله عليه وسلم) (سنن الترمذي ج5، ص:599، برقم 3639 واللفظ له)، و(رواه البيهقي في شعب الإيمان ج3، ص: 13، برقم 1350)، و(رواه ابن أبي شيبة في مصنفة ج6، ص: 328، برقم 31805) وجاء في (شرح السنة للبغوي ج13، ص: 283)، واتظر (تاريخ المدينة لابن شبة ج2، ص: 604).

*[email protected]