[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]ليس بخافٍ على أحد ما يشكله النشر العلمي من أهمية كبيرة في مجتمع المعرفة والألفية الثالثة ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة واتجاهها نحو تعظيم القيمة التنافسية للابتكار والبحث والنشر العلمي على حد سواء، بما يسهم في تحقيق عوائد نوعية قادرة على صياغة لحن جديد لتوظيف البيانات والمعلومات في خدمة التنمية وأغراضها وقضاياها الأساسية، وبات الحديث عن الابتكار والبحث العلمي والملكية الفكرية وثيق الصلة بالحاجة إلى تعزيز الجهود الوطنية المرتبطة بالنشر العلمي المتخصص القادر على إنتاج معرفة متكاملة واعدة في مختلف فنون العلم وتقنياته ومجالات الحياة اليومية التي يعيشها الأفراد.ولعل حصول السلطنة في تقرير التنافسية العالمية على مراتب متأخرة في مؤشر توافر العلماء والمهندسين وجودة مؤسسات البحث العلمي، ألقى بظلاله على تأخرها في مؤشر النشر العلمي والذي بات يطرح اليوم، البحث عن سياسات عمل وطنية أكثر نضجا واستدامة في رصد المنتج العلمي المتخصص والمحكّم في مختلف المجالات والقطاعات والمؤسسات، وأهمية العمل على سرعة توفير البيانات والمعلومات التي تدخل ضمن هذا النطاق لمكتب التنافسية الوطنية والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ناهيك عن الحاجة إلى مزيد من التناغم في السياسات الوطنية الموجهة في إطار النشر العلمي والتكامل بين المؤسسات وزيادة التوافقية بينها في الاشتراطات والتدريب وحضور المؤتمرات العلمية والبحوث المشتركة بين الجامعات والمراكز البحثية بجامعة السلطان قابوس والجامعات الخاصة أو المراكز البحثية المتخصصة في القطاعات والمؤسسات الأخرى بالدولة والتوأمة بين أصحاب المبادرات المعنية بالنشر العلمي، خصوصا مع وجود رصيد وطني متعدد يمكن أن يشكل منظومة النشر العلمي ومحطات يمكن توظيفها لتحقيق تحول في مسار النشر العلمي بالسلطنة مستفيدة من مشاركة الكفاءات العمانية في الجوائز الوطنية والدولية، وجوائز السلطان قابوس التخصصية.ومع القناعة بأن المقومات الداعمة للنشر العلمي، باتت أفضل مما كانت عليه نظرا لما وفرته التقنية وقواعد البيانات الإلكترونية العالمية من فرص أكبر للنشر العلمي وما يسرته من وقت وجهد ومال، عبر زيادة عدد منصات النشر العلمي، بما انعكس على المجلات العالمية المحكمة والتي تتزايد بصورة فائقة لتعدد المناخات الفكرية والبحثية والتعليمية التي تضمن تحققها، إلا أن القدرة على توفير هذه البيانات والسرعة فيها في واقعنا الوطني يستدعي جهدا استثنائيا تعززه قواعد البيانات الوطنية وآليات النشر والتأليف والبحث والترجمة لما قد يترتب عليه من تحقق تقدم في أهداف المؤشر والقدرة بالوصول إلى النشر العلمي إلى مستوى القبول والرضا، بما يؤكد أهمية تزويد المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بالبيانات والمعلومات المتعلقة بالنشر العلمي، إذ لم تُظهر إحصائيات الكتاب الإحصائي السنوي للمركز ما يشير بشكل صريح لعنوان "النشر العلمي"، واكتفت بالحديث عن الصحف والدوريات والمجلات حسب دورية إصدارها، دون الإشارة إلى حالة إصدارة وما إذا كانت محكمة أم لا، ودون التطرق للمكونات الأخرى للنشر العلمي من حيث الجهات المعنية بهذه المجلات أو الإصدارات وأعداد الكتب وأوراق العمل البحثية والأبحاث المنشورة في الشأن الوطني، وقد بلغ عدد الدوريات والصحف والمجلات في السلطنة في عام 2015(87)، وفي عام 2016(75)، وفي عام 2017(74)، وشهدت الدوريات والمجلات الأسبوعية والنصف الشهرية والشهرية تراجعا عما كانت عليه في عام 2015، في حين حافظت الدوريات والمجلات الفصلية والنصف السنوية على العدد نفسه في عام 2015 و2017، وشهدت الدوريات السنوية تراجعا عما كانت عليه في عام 2015، وبشكل عام فإن العدد الإجمالي لها جميعا شهد انخفاضا عن عام 2015، بواقع (13) دورية ومجلة وصحيفة بما نسبته 15%.وأظهر الكتاب الإحصائي لجامعة السلطان قابوس مؤشرات مهمة يمكن الاستفادة منها بلورة رؤية وطنية متكاملة في هذا الشأن تتشارك مؤسسات التعليم والبحث والاقتصاد في رسم ملامحها وسبر أعماقها، حيث أشار التقرير الإحصائي في جانب المنشورات العلمية: (الأوراق المنشورة في المجلات العلمية المحكمة) إلى أن معدل الجامعة في المجلات المنشورة بلغ 1.67 لكل عضو هيئة أكاديمية، وهو معدل ثابت تقريبا خلال الأربع سنوات (2013- 2016)، حيث تمتاز كلية الطب والعلوم الصحية بأكثر نسبة زيادة في معدلات المجلات المنشورة تليها كلية التمريض، في حين يوجد تدنٍّ عام في السنوات جميعها في إنتاجية كلية الحقوق في معدلات المجلات المنشورة، وبشكل عام تظهر المقارنات بين هذه السنوات والتي قبلها تزايد الإنتاج البحثي في الجامعة بمعدل (1.62) مقارنة بـ(1.5)؛ أما في مجال: (الأوراق المقدمة في المؤتمرات العلمية العالمية) فتظهر الإحصائيات حصول كلية العلوم الزراعية والبحرية على أعلى معدل تليها كلية الطب والعلوم الصحية، أما معدل الجامعة في أوراق العمل في السنتين 2015 و2016 قد بلغ 0.64، بانخفاض بلغ (0.37)، عن العامين 2013 و2014، وفي مجال منشورات الكتب وفصول الكتب والتقارير الفنية، فقد أظهر التقرير إلى أن كلية التربية هي أكثر الكليات إنتاجا للكتب، تليها كلية الهندسة ثم كلية الآداب والعلوم الاجتماعية إذ بلغ في السنوات (2013- 2016) (117.75)، مقارنة بالسنوات التي قبلها (30.03)، وبشأن فصول الكتب المنشورة فقد جاءت كلية العلوم الزراعية والبحرية في قائمة أكثر الكليات إنتاجا لفصول الكتب تليها كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، في حين لم تنشر كلية الحقوق أي فصل لكتاب. ومع ذلك تشير أيضا إلى أن هناك تحسنا ملحوظا في عدد فصول الكتب المنشورة في هذه السنوات، إذ بلغ معدلها (87.75) عن التي قبلها(5.50)، ومن حيث عدد التقارير الفنية المنشورة، فقد جاءت كلية الهندسة، تليها كلية الزراعة والعلوم البحرية، ثم كلية الآداب والعلوم الاجتماعية باعتبارها من أكثر الكليات إنتاجا للتقارير الفنية. على أن التمايز الحاصل بين الكليات في مجالات النشر التي أشرنا إليه يعتمد على طبيعة عمل الكلية ذاتها والمسار الذي تتجه إليه وحجم التوقعات التي يطرحها الواقع والجهات المستفيدة منها.كما بيّن الكتاب الإحصائي لجامعة السلطان قابوس لعام 2017 إلى أن عدد المجلات العلمية الصادرة عن الجامعة قد بلغت (6) مجلات علمية محكمة في ست كليات، حيث بلغت عدد إصداراتها في عام 2017 (15) إصدارا مقارنة ب(14) إصدارا في عام 2016، حيث تضمن عدد (218) ورقة بحثية مقارنة بـ(209) في العام 2016، حصلت فيها المجلة الطبية على أكبر عدد في أوراق البحوث، إذ بلغت (100) ورقة بحثية، تليها مجلة الدراسات التربوية والنفسية بواقع (48) ورقة بحثية، أما في مجال: (الأوراق البحثية المنشورة في مجلات علمية والمقدمة في المؤتمرات العلمية العالمية) فقد بلغت (568) حصلت فيها كلية العلوم على أعلى تقدير حيث بلغت (131)، ومقارنة بعام 2016فقد بلغ عددها (733) مما يعني وجود انخفاض في عام 2017 بمقدار (165) بنسبة (22.51%)، في حين أن عدد الأوراق البحثية المنشورة في مجلات علمية عام 2017 بلغ (1043) حصلت فيها كلية الطب والعلوم الصحية على (213)، تليها كلية التربية (207)، وشهد المجال انخفاضا عن عام 2016(1250) بواقع (207) بنسبة 16.56%.ومع ما تشير إليه النتائج من انخفاض عام في مؤشرات النشر العلمي مقارنة بما يحصل في جامعات العالم المتقدمة ومؤسساته البحثية من إنتاج علمي غزير ونشر علمي مستدام، إلا أنها يمكن أن تشكّل مدخلا للبحث في استراتيجيات عمل قادمة تقرأ الموضوع باعتباره هاجسا وطنيا ومسألة لا ترتبط بجهة معينة فقط، بل بالسلوك الوطني العام الموجه نحو النشر العلمي ومدى إسهام الجامعات والمراكز البحثية فيه والتحديات التي تقف وراء الوصول به إلى التنافسية المنشودة، وليس في وجود تقسيم مؤسسي فحسب ـ وإن كان له حضوره بجامعة السلطان قابوس عبر مجلس النشر العلمي ودائرة النشر العلمي والتواصل ـ بل في وجود سياسات وطنية متكاملة وتشريعات وقوانين تيسر تحقيقه في الواقع، ورفع سقف التوقعات لدى الأكاديميين والباحثين والخبرات الوطنية في زيادة مساحة النشر العلمي وحوكمة هذا المجال عبر إعادة النظر في الاشتراطات المعمول بها في سبيل تعزيز حضور الكفاءة الوطنية في هذه المجلات والإصدارات، وإعادة تقييم وضع النشر العلمي المتخصص بإعطاء الفرص المناسبة لفئات أخرى بالمجتمع ذات علاقة بالبحث العلمي في المؤسسات غير الاكاديمية في النشر العلمي بشكل منفرد أو عبر تقديم الاعمال المشاركات( العلمية والبحثية والتأليف والترجمة الخ) المشتركة، وتدوير هذه الخبرات والكفاءات الفنية المتخصصة من غير الأكاديميين بشكل يتيح لها التعمق في مجال النشر لتضيف إلى الخبرة الأكاديمية تجارب الواقع الميداني، وفتح المجال للمشاركة لها في المؤتمرات الدولية المتخصصة بالشكل الذي يضمن بناء قاعدة بيانات وطنية وزيادة مستوى تفعيل الأطر القائمة حاليا، بما ينعكس على مسار النشر العلمي المتخصص، يوظف الممارسة الفنية لتصبح ممارسة مؤطرة وممنهجة خاصة في اقتراب هذه الفئات (الباحثين والخبراء الفنيين) من الواقع وقدرتهم على الدخول في العمق الاستراتيجي الذي يشكل أهم بوابة النشر العلمي الرصين.من هنا تأتي أهمية إيجاد مجلس وطني للنشر العلمي يرعى سياساته ويؤسس له قواعده وتشريعاته ويستقطب فيه القدرات والكفاءات الوطنية المجيدة، بحيث تصب فيه كل الجهود ليصبح مرجعية وطنية للإشراف على المنشورات العلمية الأكاديمية والفنية التخصصية يضم ممثلين من جامعة السلطان قابوس ومجلس البحث العلمي ووزارة التعليم العالي والمراكز العلمية المتخصصة في قطاعات الدولة المختلفة والمؤسسات، كما يعمل على رسم ومراجعة ووضع السياسات والإجراءات المتعلقة بالتأليف والترجمة والنشر العلمي وزيادة التنسيق بين المؤسسات البحثية والعلمية والتعليمية الداعمة للنشر العلمي المتخصص، ويحدد الإجراءات المتبعة في إصدار مجلة علمية والترويج للمؤتمرات العلمية المتخصصة والاستثمار فيها وإبراز الإنتاج العلمي الوطني.إن من شأن إيجاد مرجعية وطنية ترعى سياسات النشر العلمي، الإفصاح عن البيانات المتعلقة بالمنتج العلمي والتوسع فيه والإسراع في تقديمه بشكل أكثر مصداقية ونضجا إلى المكتب الوطني للتنافسية، والحد من إشكاليات التبعثر والتشتت الحاصلة في جهود النشر العلمي، وفرصة لقياس مستوى التقدم الحاصل في المجال ومعالجة أسباب التأخر فيه، وتبني سياسات تضمن تحقق الاستدامة والابتكارية والتنوع في نواتج النشر العلمي ليشكل قيمه مضافة تعيد النظر في مؤشر النشر العلمي بطريقة تضمن قدرته على تحقيق المنافسة واثبات حضوره في نتائج التقارير القادمة. [email protected]