عمّان-العمانية:
لايزال مفهوم "الكتابة الساخرة" غير واضح المعالم بالنظر إلى قصر المسافة بين الهزل والسخرية والذي قد يشكل خلطاً عند بعضهم، فإذا كان الهزل مرادفاً للتفكُّه فإن السخرية قد تكون بمنتهى الجدية، فهي حالة نقدية تسعى نحو التغيير، وليست دعوة للضحك والترويح والترفيه.
حول هذا المفهوم يدور كتاب "الكتابة الساخرة في الصحافة" للباحث الأردني د.محمد جرادات، والذي يرى أن الكتابة الساخرة ينبغي أن تعبّر عن موقف شامل وجذري، جوهره التغيير لما هو أفضل للمصلحة العامة، متجاوزاً فكرة الضحك والإضحاك.
والكتابة الساخرة كما جاء في الكتاب الصادر مؤخراً عن "الآن ناشرون وموزعون"، كتابة مكثّفة، تتبوأ موقعاً متقدّماً في قمّة هرم الكتابة، وتتخذ طابعاً سياسياً، حتى لو ظهرت بألوان أخرى.
ويرى جرادات أن الكتابة الساخرة "جديّة وثائرة حتى لو أضحكتنا أو أبكتنا، وفيها دعوة للتأمل وإعادة النظر وتصحيح الاعوجاج، فهي ليست تجميعاً وإعادة توزيع للمفردات الشعبية، وليست تهريجاً أو افتعالاً للضحك وصناعة الموقف، إنما هي "موقف لا يصدر إلا عن صاحب موقف".
ويوضح المؤلف أن كثيراً من الباحثين يجدون صعوبة في تعريف الكاتب الساخر وتوصيفه، لا سيما في الصحافة، فهل هو الكاتب الذي يكتب باللهجة المحلية؟ أم هو الذي ينهل من مفردات قصص التراث والحكايات الشعبية؟ أم هو الذي يكتب ليُضحك الآخرين فقط؟
ويؤكد جرادات أن الكاتب الساخر عليه أن يحمل شخصية ساخرة وناقدة ومرحة في الأساس، وأن يكون قادراً على تسليط الضوء على ما هو غير رسمي من الظواهر في حياة الإنسان والمجتمع، كأن يكون هناك مشهد عام تقليدي ويراه الناس طبيعياً وعادياً، لكن الكاتب الساخر يمكنه تحويله من مشهد عادي إلى حالة السخرية التي تثير الانتباه، هادفاً إلى تعرية القبح، وإظهار وجه الحياة من دون تنميق أو ابتذال.
ويشدد المؤلف على أن الكاتب الساخر ينبغي أن يكون قارئاً نهماً؛ فالكتابة الساخرة ليست نقداً لاذعاً حسب، وليست في القدرة على التقاط الفكرة واختزالها حسب، وليست باعثاً للضحك حسب، بل إنها كل ذلك مجتمعةً مع تفاعل حقيقي بتجربة حياتية.
وعن أهمية الكتابة الساخرة في الصحافة، يرى جرادات أنها تشكّل قيمة مضافة للصحيفة، حيث تسهم في إنشاء حالة من التفاعل والحوار والجدل، فهي ليست إكسسواراً لتزيين الصحيفة، بل هي تجسيد لموقف عميق يسعى إلى التغيير لما هو أفضل وأنقى. لكنه يقرّ أنها تبدو في المشهد السائد اليوم بعيدة عن جوهرها، وكأنها اختلفت وخلعت ثوبها الحقيقي، لترتدي ما هو غير لائق بها في كثير من الأحيان.
ولتستقيم الحالة الساخرة برمّتها، ولتصويبها وتوجيهها، ولكي تعود إلى جوهرها، يشدد المؤلف على أهمية وجود نقّاد للكتابة الساخرة، يوجهون سهامهم إلى الكاتب الساخر الذي يُفترض به هو الآخر أن يوجّه سهامه وهجومه إلى كل ما هو سلبي في المجتمع.