لا يمكن أن يكتب النجاح لأي مشروع يراد تنفيذه ما لم تكن هناك خطوات عملية تعنى بالمشروع دراسة وتخطيطًا قبل المباشرة في تنفيذه، ويأتي في مقدمة هذه الخطوات إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية من المشروع، والتخطيط الجيد له، وتكتسب هذه الدراسات أهميتها من حيث إنها السبيل الوحيد لجمع المعلومات الشاملة عن طبيعة المشروع وواقعه والنظرة المستقبلية له، وتزداد هذه الدراسات أهمية مع العديد من التطورات الاقتصادية على النحو الذي يشاهده الجميع جراء التراجع الاقتصادي الذي يشهده العالم نتيجة انهيار أسعار النفط عالميًّا، وما ترتب على ذلك من تراجع في العائدات المالية والأرباح، خصوصًا بالنسبة للدول المنتجة التي تعتمد على الذهب الأسود مصدرًا بنسبة كبيرة ضمن مصادر دخلها.وإزاء حالة التراجع الاقتصادي الناشئة عن انهيار أسعار النفط، فإن سياسات الترشيد في الإنفاق والتوظيف الجيد للموارد، واستخدامها الاستخدام الأمثل باتت إحدى طرق المعالجة لدى الدول النامية والدول المنتجة للنفط. وغدت من الوسائل التي تعتمد عليها هذه السياسات دراسات الجدوى الاقتصادية التي تمثل صمام أمان ومعينًا جيدًا لعملية الترشيد في الإنفاق واستغلال الموارد المالية والبشرية المتاحة.صحيح أن دراسات الجدوى الاقتصادية تتفرع عنها دراسات فرعية كدراسة الجدوى القانونية ودراسة الجدوى التسويقية والفنية والهندسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تمكن من توفير قدر كبير من المعلومات اللازمة لدى متخذي القرار الاستثماري أو الإنشائي لبلورة رؤية شاملة حول المشروع المراد إقامته، إلا أنها تتطلب قدرًا كبيرًا أيضًا من القدرات والمهارات والخبرات لدى القائمين بدراسات الجدوى، وإلمامًا جيدًا من المهارات الإدارية والاقتصادية.واليوم هناك كثير من المشروعات إما توقف العمل على تنفيذها، وإما توقف العمل على مواصلة تنفيذها جراء ما تتطلبه من موارد مالية باهظة نتيجة سوء التقدير، وغياب دراسة الجدوى الاقتصادية، ومنها ما صادف طريق الفشل، فضاعت اعتماداته المالية هدرًا، كان من الواجب استثمارها في مشروعات أجدى نفعًا.وتعد فعاليات برنامج المشروع الوطني لإعداد كوادر وطنية في دراسات الجدوى الاقتصادية والمشاريع الإنمائية التي تواصلت لأسبوعها الثالث على التوالي من الأهمية بمكان، حيث يهدف البرنامج إلى إعداد كوادر حكومية مؤهلة تأهيلًا عمليًّا على أفضل الممارسات الدولية في دراسات الجدوى الاقتصادية، وتحليل المشاريع الإنمائية، والذي يستهدف مديري المجلس الأعلى للتخطيط ووزارة المالية وبرنامج تنفيذ.ويتناول البرنامج خلال هذا الأسبوع محورين رئيسيين، حيث سيتم العمل على تأهيل كادر وطني متخصص في دراسات الجدوى الاقتصادية، وبناء كفاءات تمتلك زمام المبادرة باتجاه تحقيق الرؤى والأهداف الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بغية تمكين وحدات القطاع الحكومي من تقديم مشاريعها التنموية بصورة متكاملة ودقيقة.وبالنظر إلى فكرة البرنامج فإنها تعد فكرة جيدة جدًّا وذلك لكونها قابلة للتوسع لتشمل الشباب الراغبين في إقامة مشروعات خاصة ومبادرات فردية، وتأسيس مؤسسات متوسطة وصغيرة، بحيث يمتلكون المهارات والخبرات اللازمة في هذا الشأن، على أن تبادر الجهات المعنية بتنفيذ مثل هذه البرامج مجانًا لهم، وإتاحتها أمام الجميع، بما يؤسس لثقافة مجتمعية تتوسع لتشمل الأسر وكل رب أسرة، بل كل فرد داخلها.